في أي استبيان يمكن أن تسأل فيه أي روائي عربي عن نجيب محفوظ، سوف تجد تلك المقولة التي تتحدث عن أُبوّة صاحب "الحرافيش" للرواية العربية من المشرق إلى المغرب. أسأل بعد ذلك: أين ظهر تأثير هذا الأب في أدبك أنت أيها الروائي؟ لن تجد جوابا على هذا. فأين تكمن الحقيقة؟ هل تكمن في امتناع الروائي عن الجواب؟ أم في عدم وجود أي تأثير؟
وإذا لم يكن أي من الروائيين المعروفين من الجيل المؤسس لـ الرواية العربية قد ترك أثراً في الأجيال اللاحقة، فإنّ من حقّنا على الباحثين في تاريخ الرواية، أو في خصائص الرواية الفنية والفكرية أن يقولوا لنا ما السبب، أو ما الأسباب. كيف يمكن لكاتب بهذا المقام الروائي أن يختفي من الأجيال التي جاءت من بعده؟ علماً أن معظم النقاد العرب في المشرق والمغرب، بدؤوا مشوارهم النقدي بتحليل ونقد عمل أو أكثر من أعمال محفوظ، ولدينا مكتبة نقدية عامرة بكثير من العناوين التي تتناول أدبه وتناقش كثيراً من القضايا التي عالجتها رواياته.
وماذا عن حنا مينه في الرواية السورية والعربية أيضاً؟ من الصعب أن تجد أي امتداد له في الرواية السورية، وهو المكان الأكثر قرباً من مؤلفاته التي تأخرت قليلاً قبل أن تخرج من الجغرافيا السورية إلى المحيط العربي. ومن العبث أيضاً أن تجد من يعترف من الروائيين العرب في أي بلد بتأثير مينه في أدبه.
ونحن بحاجة هنا أيضاً لمن يبحث الأمر جدّياً، ويجيبنا عن السؤال: هل ترك الروائي السوري أثراً في أدب غيره أم لا؟ ولا يجد الدكتور حسام الخطيب غير أن يسجّل "سبل المؤثرات الأجنبية وأشكالها في القصة السورية الحديثة". وقد ترك هذا الكتاب سؤالاً معلقاً في تفكيرنا حين كنّا في الجامعة وكان الدكتور الخطيب أستاذنا فيها، وأين سبل المؤثرات المحلّية في القصة السورية أو العربية؟ حسناً! كان الكتاب يتحدّث عن النشأة، أما اليوم فقد مضى سبعون أو ثمانون عاماً على تلك البداية، وفي العالم العربي مئات من كتّاب القصة والرواية المميّزين.
أليست هذه القطيعة الفنية والفكرية بين أجيال الروائيين العرب واحدة من الخصائص الجوهرية التي ستؤدي إلى نتائج عملية على الصعيد الفني والفكري. ومنها: لا وجود لحقل اسمه تاريخ الرواية، فالتاريخ امتداد وآثار محتملة وأحداث مولِّدة لأحداث تالية، بل هناك كتل جامدة لا تتحرّك إلا في زمانها، ولهذا قد نرى أن كثيراً من الروائيين العرب، غير نجيب محفوظ وحده، تختفي أسماؤهم من التداول بين القرّاء بعد موتهم بقليل، وهذا القليل مريع ومرعب في حقيقة الأمر، إذ قد لا يتعدّى بضعة أشهر.
أين حنا مينه اليوم؟ أين هاني الراهب؟ أين عبد النبي حجازي؟ أين عبد الله عبد أو سعيد حورانية؟ وفي مصر نفسها يختفي اسم كاتب شديد الأهمية في فن القصة القصيرة، وربما كان أكثر الكتاب العرب تأثيراً من ناحية طرائق القص وهو يوسف إدريس؟ ألا يقرأ الكاتب العربي لكاتب عربي آخر؟
* روائي من سورية