نشر الاتحاد الأوروبي و بريطانيا اليوم السبت نص الاتفاق التجاري الذي توصلت إليه مع الاتحاد الأوروبي أول من أمس الخميس، أو ما يُعرَف باسم "اتفاق ما بعد بريكست"، وذلك قبل أيام فقط من خروجها من أحد أكبر التكتلات التجارية في العالم، وذلك في أهم تحول عالمي بالنسبة إليها منذ فقدان الإمبراطورية.
وغادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي رسمياً في 31 يناير/ كانون الثاني 2020، لكنها تمرّ منذ ذلك الحين بمرحلة انتقالية ظلت بموجبها قواعد التجارة والسفر والأعمال دون تغيير حتى نهاية هذا العام.
ويضم النص وثيقة تجارية تقع في 1246 صفحة، إلى جانب اتفاقيات بشأن الطاقة النووية، وتبادل المعلومات السرية، والطاقة النووية السلمية، وكذلك مجموعة من الإعلانات المشتركة.
و"مسودة اتفاق التجارة والتعاون بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة" تعني أنه اعتباراً من الساعة 23:00 بتوقيت غرينتش يوم 31 ديسمبر/كانون الأول، أي عندما تغادر بريطانيا نهائياً السوق الأوروبية الموحدة والاتحاد الجمركي، لن تكون هناك تعريفات جمركية أو حصص على حركة البضائع بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.
وذكّر المفاوض الأوروبي ميشال بارنييه في تغريدة بأن اتفاق التبادل الحرّ الذي أُعلن الخميس على أن يدخل حيّز التنفيذ في 31 ديسمبر عند الساعة 23,00 ت غ، هو "نتيجة أشهرٍ من العمل المكثف".
🇪🇺🇬🇧Here is the EU-UK Trade and Cooperation Agreement - the result of many months of intensive and dedicated work:
— Michel Barnier (@MichelBarnier) December 26, 2020
👉 https://t.co/Vq3VKBB01y
وأكد الوزير البريطاني مايكل غوف لصحيفة "ذا تايمز" أن بعد أربع سنوات ونصف السنة من انعدام اليقين والاضطرابات إثر استفتاء 2016، يقدم هذا الاتفاق للشركات "الثقة والقدرة على التحضير للنمو والاستثمارات" ويحيي الأمل بـ"سياسة تتجه نحو بيئة أفضل".
وأضاف: "يمكننا تطوير تعاون ودّي جديد مع الاتحاد الأوروبي، علاقة مميزة" مكرراً بذلك التعبير الذي يميّز تقليدياً العلاقة بين بريطانيا والولايات المتحدة.
أبرز البنود
• يقر الاتفاق صراحة بأن التجارة والاستثمار يتطلبان "قواعد متكافئة من أجل منافسة مفتوحة ونزيهة".
• بالنسبة إلى الخدمات المالية التي تقود الاقتصاد البريطاني، يلتزم الطرفان ببساطة "تهيئة مناخ ملائم لتنمية التجارة والاستثمار بينهما".
• يشتمل النص على كثير من الملاحق التفصيلية عن مسائل، من بينها قواعد المنشأ والصيد وتجارة الخمور والأدوية والكيماويات والتعاون في مجال المعلومات الأمنية.
• يتيح الاتحاد الأوروبي من خلال الاتفاق التجاري لدولته العضو السابقة وصولاً استثنائياً من دون رسوم جمركية أو كوتا إلى سوقه الضخم الذي يحوي 450 مليون مستهلك.
غير أنّ هذا الانفتاح سيكون مصحوباً بشروط صارمة، إذ سيتعين على الشركات في بريطانيا احترام عدد معين من القواعد الجديدة في ما يتعلق بالبيئة وقانون العمل والضرائب لتجنب أي إغراق للأسواق. ثمة أيضاً ضمانات على صعيد مساعدات الدولة.
• وفي ما يتعلق بالصيد، وهو موضوع ظلّ شائكاً حتى اللحظات الأخيرة، تنص الاتفاقية على فترة انتقالية تمتد إلى يونيو/ حزيران 2026، يكون الصيادون الأوروبيون قد تخلوا تدريجاً خلالها عن 25% من محاصيلهم.
• الاتفاق لا يمنع إدخال ضوابط جمركية وإجراءات إدارية تستغرق وقتاً طويلاً بالنسبة إلى الشركات المعتادة التعاملات السريعة.
• وصارت من الماضي الحركة الحرة التي تسمح للأوروبيين بالمجيء للعمل في لندن أو للبريطانيين لقضاء الوقت الذي يريدون في الاتحاد الأوروبي.
• كما تغادر لندن بفعل الاتفاق برنامج التبادل الجامعي "ايراسموس" ليحل مكانه برنامج ألان تورنغ، على اسم عالم الرياضيات البريطاني الشهير.
• وفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، فإن الملحقات كشفت عن تسوية متأخرة بشأن السيارات الكهربائية. وعرض الاتحاد الأوروبي إعفاءً كاملاً من الرسوم فقط لتلك السيارات البريطانية المصنوعة في الغالب من مكونات أوروبية. وقالت "بي.بي.سي" إن ذلك سيحصل الآن على مراحل على مدى ست سنوات، لكنه أقل سخاءً مما طلبته بريطانيا.
• أيضاً هناك التزام واضح بعدم خفض المعايير المتعلقة بالبيئة وحقوق العمال وتغير المناخ عن تلك الموجودة حالياً وآليات إنفاذها.
• وللجانبين الحق في "إعادة التوازن" إلى الاتفاق إذا كانت هناك "اختلافات كبيرة" في المستقبل يمكنها "التأثير في التجارة".
تحديات كبيرة
ورغم الارتياح الذي أثاره التوصل إلى اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي، يفترض أن يدخل حيّز التنفيذ بعد أيام قليلة، فإن المملكة المتحدة نفسها أمام تحديات تمليها الحقبة الجديدة التي تقبل عليها كدولة خارج نطاق القواعد الأوروبية.
وتنتظر البريطانيين تغيرات كثيرة مع خروج المملكة المتحدة في 31 ديسمبر الساعة 23:00 توقيت غرينتش من السوق الأوروبية الموحدة، لكن الأسوأ جرى تجنبه بتوقيع هذا الاتفاق التاريخي في أعقاب مفاوضات أثارت جدلاً واسعاً، والذي من شأنه الحيلولة دون ظهور مفاجئ للحواجز التجارية المكلفة وإغلاق المياه البريطانية أمام الصيادين الأوروبيين.
وتعهد جونسون بمستقبل مشرق للبريطانيين تتيحه إمكانية عقد اتفاقات مع القوى الكبرى بحرية بعيداً عن الاتحاد الأوروبي.
ولكن حتى الآن لم تبرم بريطانيا سوى اتفاقين مع سنغافورة واليابان، ولا يزال تحقيق تلك الرؤية بعيد المنال، ولا سيما مع عدم إبرام الاتفاق التجاري الواسع مع الولايات المتحدة الذي تعهد به دونالد ترامب.