تشير استطلاعات الرأي إلى أنّ الأميركيين يصنفون الاقتصاد بوصفه أكثر القضايا إلحاحًا في انتخابات الرئاسة المنتظرة يوم الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، ما دفع المرشحين؛ نائبة الرئيس كامالا هاريس والرئيس السابق دونالد ترامب، للسعي لجذب الناخبين، عبر وعود تمسّ أهم قضايا اقتصادية تتعلق بها قلوب وعقول الناخب الأميركي.
وخلال الفترة التي مضت من رئاسة الديمقراطي، جو بايدن، كانت هناك العديد من العوامل التي أثرت بأهم القضايا الاقتصادية، رغم أنها وقعت خارج سيطرة الرئيس، مثل الصدمات الناجمة عن غزو روسيا أوكرانيا، والاختناقات في سلاسل التوريد بسبب جائحة كورونا، مما ساهم في أعلى معدلات تضخم تشهدها الولايات المتحدة خلال 40 عامًا.
ورغم أن الخبراء يمتدحون ما حُقق في قضايا اقتصادية مهمة بالوقت الحالي، فإن معظم الأميركيين لا يتفقون مع ذلك، حيث ذكر 52% من المشاركين في استطلاع "غالوب" أنهم يشعرون بأن أوضاعهم أسوأ مما كانت عليه قبل أربع سنوات. ويعزى ذلك جزئيًّا إلى الانقسامات الحزبية؛ إذ إن الجمهوريين أكثر ميلًا من الديمقراطيين للقول إنهم يعانون أكثر مما كانوا عليه في عام 2020، وفقًا لنتائج "غالوب"، لكن الاقتصاديين يشيرون أيضًا إلى أن السبب يعود جزئيًّا إلى تداعيات الصدمات العالمية الناجمة عن الجائحة.
وكتب برنارد ياروس، كبير الاقتصاديين الأميركيين في نشرة "أكسفورد إيكونوميكس"، في تقريره بتاريخ 24 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي: "إنه التضخم، يا غبي!"، مستندًا إلى مقولة مشهورة لجيمس كارفيل، الاستراتيجي السياسي. وأضاف: "التضخم يأتي على رأس قضايا اقتصادية تشغل الناخبين، وكيفية تفسيره ستحدد نتيجة الانتخابات".
"العربي الجديد" يرصد أبرز 5 قضايا اقتصادية قد تؤثر بقرارات الناخب الأميركي عند صناديق الاقتراع:
- 1. التضخم: انخفضت معدلاته ولكن الأسعار لا تزال مرتفعة
تراجع التضخم في جميع أنحاء البلاد بشكل كبير من ذروته البالغة 9.1% في يونيو/ حزيران 2022، حيث وصل مؤشر أسعار المستهلكين إلى أدنى مستوى له منذ ثلاث سنوات بنسبة 2.4% في سبتمبر/ أيلول، وهو قريب من مستهدف مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) البالغ 2%.
ومع ذلك، فعند سؤال الأميركيين عما إذا كان التضخم لا يزال مرتفعًا، فإن الإجابة غالبًا ما تكون "نعم" قاطعة. وفي استطلاع أجرته "يوغوف" (YouGov)، وهي مجموعة دولية متخصصة في تحليل البيانات والأبحاث عبر الإنترنت، في أغسطس/ آب، قال أكثر من واحد من كل أربعة مشاركين إنهم يعتقدون أن معدل التضخم الحالي يتجاوز 10%. ويرجع السبب في ذلك، على الأرجح، إلى استمرار ارتفاع الأسعار، فعلى الرغم من انخفاض التضخم إلى مستويات ما قبل الجائحة، فإن الأسعار لم تنخفض، وما زالت تؤثر في المستهلكين.
وخلال الحملات الانتخابية، تبادل المرشحان الاتهامات بشأن مسؤولية كل منهما عن التضخم الاقتصادي، حيث اتهم ترامب هاريس وحزبها بالمسؤولية عن ارتفاع التضخم في البلاد، مشيرًا إلى أن سياسات إدارة بايدن-هاريس أدت إلى زيادة الأسعار وأثرت سلبًا في الطبقة المتوسطة. ومن جانبها، انتقدت هاريس سياسات ترامب الاقتصادية، وأشارت إلى قضايا اقتصادية بعينها، معتبرة إياها السبب في تحقيق عجز تجاري والإضرار بالاقتصاد الأميركي، مما ساهم في ارتفاع التضخم، قبل أن يصل الديمقراطيون للبيت الأبيض في 2021.
- 2. الوظائف والأجور: فائزون وخاسرون
ما زالت سوق العمل الأميركية تحتفظ بقوتها، حيث بقي معدل البطالة في الولايات المتحدة بالقرب من أدنى مستوياته خلال 50 عامًا. ومع ذلك، ارتفع هذا المعدل قليلًا في الأشهر الأخيرة، مما دفع مجلس الاحتياط الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة الشهر الماضي. ونمت الأجور في الاقتصاد الأكبر في العالم بشكل أسرع من التضخم منذ مايو/ أيار 2023، مما ساعد بعض الأسر على تحسين أوضاعها المالية بعد ارتفاع الأسعار.
لكن الإحصائيات لا تعوّض المشاكل طويلة الأمد في قضايا اقتصادية يواجهها بعض العمال. فعلى سبيل المثال، فقد الرجال غير الحاصلين على شهادات جامعية مكانتهم الاقتصادية على مدى العقود الماضية، حيث تحول سوق العمل إلى مهن تتطلب تعليمًا وتدريبًا أعلى.
وتركز خطة هاريس الاقتصادية على تعزيز التصنيع المحلي والاستثمار في البنية التحتية، مما يهدف إلى خلق ملايين الوظائف الجديدة، خاصة في قطاعات التكنولوجيا النظيفة والرعاية الصحية. وتدعم هاريس أيضاً رفع الحد الأدنى للأجور إلى 15 دولارًا للساعة، كما تسعى إلى تعزيز حقوق العمال لتمكينهم من التفاوض على أجور أفضل.
وعلى الجانب الآخر، يقترح ترامب زيادة الرسوم الجمركية على السلع المستوردة لحماية الصناعات الأميركية، مما قد يؤثر بأسعار السلع والوظائف في قطاعات مختلفة. ويخطط ترامب لتمديد التخفيضات الضريبية التي أُقرت عام 2017، مع خفض إضافي لضرائب الشركات، بهدف تحفيز الاستثمار وخلق فرص عمل.
- 3. الهجرة: تكاليف اقتصادية
تعد الهجرة أيضًا من القضايا الرئيسية، حيث صعّد ترامب هجماته على سجل إدارة بايدن-هاريس في الهجرة غير الشرعية، متعهدًا بتنفيذ أكبر عملية ترحيل في تاريخ أميركا إذا فاز بالانتخابات.
ومع ذلك، فإن الهجرة لها أبعاد اقتصادية أيضًا، حيث يعيش أكثر من 11 مليون مهاجر غير موثق في الولايات المتحدة، ويعمل العديد منهم في قطاعات حيوية مثل مصانع تعبئة اللحوم، والمزارع، ومواقع البناء.
وتركز هاريس على إصلاح شامل لنظام الهجرة، يتضمن مسارًا للحصول على الجنسية للمهاجرين غير الشرعيين الذين يستوفون شروطًا معينة، مثل دفع الضرائب وعدم ارتكاب جرائم خطيرة. كما تدعم تعزيز الحماية على الحدود، ولكن مع مراعاة حقوق الإنسان والابتعاد عن سياسات الفصل الأسري.
أما ترامب، فيشدد على ضرورة تعزيز الأمن الحدودي، بما في ذلك استكمال بناء الجدار على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة. ويقترح ترامب أيضاً فرض قيود صارمة على الهجرة غير الشرعية، بما في ذلك زيادة عمليات الترحيل للمهاجرين غير القانونيين، مما قد يؤثر بسوق العمل والاقتصاد. وبالإضافة إلى ذلك، يدعو ترامب إلى مراجعة سياسات اللجوء وتقليل عدد اللاجئين المقبولين سنويًّا.
- 4. الضرائب: تخفيضات مستقبلية؟
تصدرت الضرائب الحملات الانتخابية للمرشحين، حيث وعد كل من ترامب وهاريس بتقديم تخفيضات ضريبية وحوافز ضريبية لمجموعات معينة، ولفئات محددة من الدخل.
وفي أكثر من مناسبة، قدم المرشحان التخفيضات الضريبية نفسها، مثل إلغاء الضرائب على الإكراميات (البقشيش)، لكن ترامب ذهب إلى أبعد من ذلك، مقدماً قائمة طويلة من التخفيضات، تشمل المستفيدين من الضمان الاجتماعي ومشتري السيارات.
وتقترح هاريس رفع معدل الضريبة على الشركات من 21% إلى 28% لتمويل برامجها الاقتصادية والاجتماعية، بينما سيسعى ترامب إلى تمديد التخفيضات الضريبية التي أقرت خلال ولايته السابقة، والتي تنتهي صلاحيتها قريبًا. ويعتزم ترامب أيضاً خفض الضرائب على عائدات الشركات بشكل إضافي، لتشجيع الاستثمار والنمو الاقتصادي.
- 5. العجز والدين الوطني: يتزايدان
تشير التقديرات إلى أن خطط هاريس قد تضيف حوالي 4 تريليونات دولار إلى الديون بحلول عام 2035، بينما قد تزيد خطة ترامب الدين بمقدار 8 تريليونات دولار، وفقًا لتحليل لجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة، التي تفضل تخفيض العجز.
وتشير توقعات اللجنة إلى أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، التي تقارن الدين العام بحجم الاقتصاد الأميركي، ستزيد من 99% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام إلى 125% بحلول نهاية عام 2035، وفقًا لأرجح التوقعات لمكتب الميزانية في الكونغرس بموجب القوانين الحالية، متجاوزة الرقم القياسي البالغ 106% الذي جرى تسجيله في عام 1946، خلال السنوات الثلاثة المقبلة.
واستنادًا إلى التقدير الأساسي لخطة هاريس، سترتفع الديون إلى 134% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2035، بينما سترتفع وفق خطة ترامب إلى 143% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة نفسها.