تتفاقم تداعيات أزمة المحروقات في لبنان نتيجة الشحّ الكبير في مادة البنزين الناجم بالدرجة الأولى عن التهريب والأزمة النقدية والمقترن بمخاوفٍ جدية لدى الناس من انقطاعها.
وتُترجَم الأزمة عملياً بطوابير السيارات أمام المحطات لملء الخزانات وأحياناً كثيرة للحصول على غالونات إضافية بهدف التخزين.
آخر التداعيات مقتل ابن صاحب محطة محروقات في منطقة ببنين في عكار، شمالي لبنان، بإطلاق نار نتيجة خلاف على تعبئة مادة البنزين، وفق تأكيد عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات جورج براكس.
ويلفت براكس، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ خلافاً شخصياً تطوّر إلى إطلاق نار بعدما ارتفعت حدّته وأردى بابن صاحب المحطة قتيلاً، وجرى تسليم مطلق النار إلى الأجهزة الأمنية من قبل عائلته، واضعاً هذه الحادثة وغيرها من المخاطر اليومية كنتائج مباشرة لسياسة التقنين في فتح اعتمادات استيراد المحروقات.
وفقاً لذلك، يشدد براكس على خطوات باتت مطلوبة بشكل عاجلٍ من الدولة اللبنانية، أبرزها توفير الاعتمادات اللازمة لاستيراد المحرقات وضمان توزيعها على المحطات بصورةٍ طبيعية وعادلة، وتأمين الحماية الأمنية اللازمة لأصحاب المحطات والموظفين في أوقات العمل بعد تكرار الاعتداءات عليهم في الفترة الأخيرة وتسجيل إشكالات عدة على خلفية تعبئة البنزين.
وطالب بوضع حدٍّ لعمليات التهريب التي، بحسب التقديرات، تصل خسائرها إلى مليار دولار سنوياً، علماً أنه لا إحصاء رسميّا بذلك ومن الصعب إعطاء أرقام دقيقة بشأنه، إلى جانب ضرورة إيجاد حلّ للمحطات الموجودة على الأطراف، وهذه من المشاكل المزمنة التي تحتاج إلى حلّ سريع لتموينها.
وفي السياق، أصدر محافظ النبطية بالتكليف في جنوب لبنان حسن فقيه تعميماً على البلديات طلب فيه من جميع رؤساء البلديات مراقبة محطات المحروقات ضمن النطاق الجغرافي لكل بلدية بواسطة الشرطة لجهة منع تعبئة الغالونات في عبوات بدلا من ملء السيارات، لما تسبّبه من خطورة على حياة العائلات في المنازل، وتحميل كل صاحب محطة يخالف مضمون هذا التعميم المسؤولية القانونية والأخلاقية بختم المحطة بالشمع الأحمر وتجريم صاحبها.
طوابير السيارات أمام المحطات لملء الخزانات وأحياناً كثيرة للحصول على غالونات إضافية بهدف التخزين
ويشير براكس إلى أن "الوضع اليوم إجمالاً أفضل من الأسبوع الماضي، والقسم الأكبر من المحطات فتح أبوابه، بسبب عوامل عدة، منها أن منع التجوّل الذي فرض خلال عيد الفطر أدى إلى تخفيف الاستهلاك، وبالتالي تراجع الطلب على مادة البنزين، والشركات قامت بالتوزيع يومي الجمعة والسبت، كما بدأ المستهلك يلمس حقيقة أنه لا رفع للدعم عن المحروقات ولا انقطاع في مادة البنزين، وهذه المخاوف ظهرت في طوابير السيارات أمام المحطات في الأيام الماضية، كذلك هناك بواخر ينتظر وصولها ستلبي حاجة السوق".
في المقابل، ينبّه براكس إلى "ضرورة معالجة المشاكل وعدم الاكتفاء بالحلول المؤقتة لضبط الأوضاع قبل فوات الأوان وذهاب الأمور إلى فلتانٍ كبير".
ويرى أن التوقيت غير مناسب لفتح موضوع التراخيص، إذ إن المسألة قديمة وعمرها سنوات، وسبق أن أقيم مشروع تسوية للمحطات التي فتحت أيام الحرب اللبنانية بلا تراخيص لكنه ما زال عالقاً بين مجلسي النواب والوزراء لأسبابٍ مرتبطة بالتوازن المناطقي الطائفي.
وشدد براكس على أن الدولة وأجهزتها المعنية يجب أن تلاحق المحطات سواء المرخصة أو غير المرخصة لتعاطيها غير الشرعي على صعيد تجارة المحروقات، كاشفاً لـ"العربي الجديد"، أنّ عدد المحطات الموجودة على كامل الأراضي اللبناني يصل إلى حدود 2700 محطة، من بينها 1500 محطة مرخصة.
من جهة ثانية، تستمرّ عمليات الدهم التي تقوم بها وزارة الاقتصاد برفقة عناصر من مخابرات الجيش وأمن الدولة للمحطات، سواء المغلقة بإعطاء توجيهات لفتحها وتوفير المحروقات للمواطنين، أو إقفال محطات الوقود غير المرخصة.
عمليات دهم تقوم بها وزارة الاقتصاد برفقة عناصر من مخابرات الجيش وأمن الدولة لمحطات التموين
ويؤكد مصدر في وزارة الاقتصاد لـ"العربي الجديد"، أنّ قسماً كبيراً من المحطات يتسبب بإذلال الناس، سواء بمنحهم كمية ضئيلة جداً من الوقود لا تكفي ليومٍ واحدٍ، أو إقفال أبوابها رغم توفر مادة البنزين لديها، أو التلاعب بالأسعار وممارسة أساليب الغش عند تعبئة السيارات بالوقود.
ولفت المصدر، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، إلى أنّ "المداهمات ستطاول مختلف المناطق اللبنانية وسيصار إلى ملاحقة أصحاب المحطات غير المرخصة، حيث إنّ الإقفال شمل أكثر من خمسين محطة".
في الإطار، نُفذت وقفات احتجاجية أمام سرايا الهرمل الحكومية من قبل أصحاب محطات المحروقات في بعلبك الهرمل اعتراضاً على قرار مدعي عام البقاع إقفال أكثر من أربعين محطة غير مرخصة. وحذّر المحتجون من "تصعيد خطواتهم في الأيام المقبلة في حال لم يتوقف تنفيذ القرار التعسفي".