شهدت العديد من الدول العربية، ومنها اليمن وتونس، تحركات عاجلة من أجل البحث عن بدائل لمواجهة الأعباء الإضافية، بهدف تلبية احتياجات الوقود والغذاء.
ارتفعت وتيرة الإجراءات والتحركات الجارية في اليمن الذي يعاني من تداعيات الحرب على اقتصاده، لبحث ومناقشة ارتدادات الأزمة الأوكرانية على البلد الذي يعتمد على الاستيراد في تلبية احتياجاته من الحبوب ومعظم السلع والمواد الغذائية.
ويسود تخوف كبير في اليمن من تأثير الأزمة الأوكرانية بتشديد الحصار بشكل أكبر على المنافذ والشحن التجاري.
مسؤول الإعلام والاتصال في غرفة أمانة العاصمة صنعاء التجارية والصناعية المركزية في اليمن أحمد حسن، يؤكد لـ"العربي الجديد"، أن هناك تخوفاً كبيراً يسود القطاع التجاري والاقتصادي في اليمن من انعكاس الأزمة الأوكرانية على تضييق الخناق أكثر على اليمن، في إطار الإجراءات المتخذة ضد روسيا وحلفائها.
ويشير حسن إلى أن هذه الإجراءات والتأثيرات قد بدأت باستهداف قطاع الصرافة، بحكم أن شبكة الإمدادات اليمنية من الغذاء تعتمد على شركات الصرافة.
ويلاحظ بروز تحفظات تجارية في الأسواق اليمنية في المعروض المعتاد من مادة القمح الذي رصدت "العربي الجديد" تراجعه بنسبة تدريجية منذ أيام مع ارتفاع أسعاره كثيراً منذ مطلع العام الحالي، إذ قفز إلى 18 ألف ريال للكيس الواحد عبوة 50 كيلوغراماً من 14 ألف ريال، فيما يزيد سعره على 22 ألف ريال في عدن ومناطق الحكومة المعترف بها دولياً.
تاجر الحبوب، عبد السلام الأغبري، يقول لـ"العربي الجديد"، إن السوق اليمنية تعتمد بشكل رئيسي على القمح المستورد من روسيا وأوكرانيا، إذ إن ما يجري هناك سيكون له ارتدادات واسعة على الأسواق اليمنية التي تعاني سلسلةً من الأزمات المتعلقة بالاستيراد والنقل والوقود، والتي أضرت كثيراً بالمعروض من مختلف السلع والمواد الغذائية.
ويستورد اليمن معظم كميات القمح من روسيا وأستراليا وأوكرانيا وأميركا بنسبة تصل إلى 78%، إضافة إلى الكميات التي تدخل إلى اليمن عبر المنظمات الدولية في إطار المساعدات الإغاثية بسبب الحرب الدائرة في البلاد، وتؤكد مصادر تجارية أنّ القمح يُستَورَد عبر دول عربية مثل مصر، التي تعتمد بدورها على الاستيراد من روسيا وأوكرانيا.
وفي إطار دراسة كيفية مواجهة ارتدادات ما يجري في أوكرانيا على اليمن والسوق المحلية وتلافي تفاقم الأزمة الغذائية، كان هناك اجتماع متزامن عقده رئيس الحكومة اليمنية معين عبد الملك في عدن مع وفد من برنامج الغذاء العالمي.
خلال اللقاء نوقِشَت جوانب التنسيق المشترك، بين الحكومة والبرنامج لحشد الدعم الدولي لتمويل خطة الاستجابة الإنسانية، في المؤتمر المقرر عقده في مارس/ آذار المقبل برعاية الأمم المتحدة، والتركيز على أهمية دعم الاقتصاد اليمني كجزء محوري لمعالجة الأزمة الإنسانية، إضافة إلى برامج استعادة التعافي وبناء مصادر الدخل، بدلاً من الاعتماد فقط على المساعدات الإغاثية فقط.
وفي صنعاء عُقد اجتماع موسع بين الجهات الحكومية التجارية والقطاع التجاري والمستوردين للقمح، بحث الإجراءات التي يمكن اتخاذها للتعامل مع أي أزمة طارئة قد تؤدي إلى تشديد الإجراءات على واردات القمح والحبوب إلى اليمن.
وتشير البيانات المتاحة إلى ارتفاع واردات القمح والدقيق عبر الموانئ اليمنية من نحو مليونَي طن عام 2016 إلى 3.2 ملايين طن عام 2020، بمعدل زيادة 10%.
وارتفعت فاتورة استيراد القمح والدقيق إلى أكثر من 900 مليون دولار سنوياً عام 2019، وسط شكاوى من حالة الاحتكار التي تسود سوق استيراد القمح.
ويواجه المستوردون العديد من الصعوبات في أثناء الحرب، بما فيها ارتفاع تكلفة التأمين على الشحنات، والتأخير في تصاريح الموانئ وإجراءات التخليص الجمركي، وانخفاض قدرات الموانئ.
وفي تونس التي تستورد نحو 80 بالمائة من حاجيات الحبوب من أوكرانيا وبدرجة أقل روسيا، تصاعد القلق بعد اندلاع الحرب الأوكرانية.
وبالإضافة إلى تداعيات إمكانية تعطل شحنات القمح القادمة من منطقة التوتر، تتحمّل موازنة تونس تداعيات الارتفاع في سعر النفط في السوق العالمية الذي أحدث فارقاً بين التقديرات الحكومية المرسمة في الموازنة وسعر السوق بنحو 25 دولاراً للبرميل.
وقدرت حكومة مها بودن متوسط سعر المحروقات في موازنة العام الحالي بـ75 دولاراً، فيما يتواصل تصاعد السعر في السوق العالمية إلى أكثر من 100 دولار.
في تونس التي تستورد نحو 80 بالمائة من حاجيات الحبوب من أوكرانيا وبدرجة أقل روسيا، تصاعد القلق بعد اندلاع الحرب الأوكرانية.
في المقابل، لا تواجه تونس أي مخاطر بشأن واردات الغاز التي تؤمنها الجزائر المزود الرئيسي لتونس بهذه المادة الحيوية.
وتونس من ضمن الدول الواقعة تحت ضغط تقلبات السوق التي قد يحدثها الغزو الروسي لأوكرانيا، ما قد يزيد من عجز الموازنة والحاجة إلى قروض داخلية وخارجية إضافية، فيما تكابد السلطات من أجل تحصيل قسط أول من قرض متوقع من صندوق النقد الدولي.
ويرجّح الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي أن تضطر تونس إلى تعديل حاجياتها من القروض الخارجية لتوفير رصيد من العملة الصعبة يكفي لتأمين الواردات الأساسية وفق الأسعار العالمية الجديدة التي ستفرضها التطورات الأمنية في منطقة البحر الأسود.
وقال الشكندالي في تصريح لـ"العربي الجديد" إن ارتفاع الأسعار عالمياً سيكون له تأثير مباشر بالسوق الداخلية وأسعار السلع في تونس، باعتبار أن كل المنتجات التونسية تُستعمَل المحروقات في إنتاجها.
وأفاد الخبير الاقتصادي بأن زيادة أسعار الواردات سينتج منها تضخم مالي مستورد، ما سيؤثر في القدرة الشرائية وبالتوازنات العامة للمالية العمومية، مقدراً كلفة الزيادة في حالة سعر النفط في السوق العالمية 100 دولار بأكثر من 3 مليارات دينار حالياً. وتجاوز سعر برميل النفط أمس 105 دولارات.
وأكد في سياق متصل أن تونس ستلجأ إلى تفعيل آليات التعديل الآلي عبر الزيادات الدورية في سعر المحروقات في السوق المحلية، وهي آليات لها كلفة اجتماعية ثقيلة، بحسب قوله، وخاصة مع تواصل انحسار التمويل الخارجي وعدم توقيع الحكومة لأي اتفاق مالي يتيح لها تعبئة قروض خارجية، وفق قوله.