بينما طاولت العقوبات الأوروبية الواسعة ضد روسيا أكثر من ألف شخص من المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين، إلا أنها تفادت أن تصيب أليكسي ميلر، رئيس عملاق الغاز غازبروم، على الرغم من أنه إحدى أذرع بوتين الاقتصادية، وذلك خوفاً من إمعانه في استخدام سلاح الطاقة ضدهم والذي طاول البعض فعلا عبر قطع الإمدادات تماماً أو تقليصها.
في الأسبوع الأخير من يوليو/تموز الماضي، قلصت مجموعة غازبروم، التي تملك الدولة أكثر من نصف رأسمالها، توريد الغاز إلى أوروبا عبر أنابيب "نورد ستريم1"، مبررة ذلك بالانكباب على صيانة التوربينات، في وقت تسعى أوروبا إلى توفير مخزون للشتاء المقبل.
ويؤكد الأوروبيون أن روسيا تستخدم سلاح الغاز للرد على العقوبات التي فرضت عليها بعد الحرب، فقد سجلت صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا تراجعاً ملحوظاً، تجلى أكثر لدى إيطاليا وألمانيا، بينما أوقفت غازبروم تسليم الغاز لدول أوروبا رفضت الدفع بالروبل، إذ يستحضر المراقبون دور رئيس غازبروم، في هذه السياسات.
الغاز هو الذي يقرر
يعد ميلر من الشخصيات المتكتمة، غير أن إطلالاته النادرة تحظى باهتمام كبير، كما حدث في منتدى سانت بطرسبرغ في يونيو/حزيران الماضي. في ذلك المنتدى، دافع عن قرارات الشركة التي تواصل خفض الشحنات إلي أوروبا، حيث نقل عنه قوله: "هذا منتجنا وهذه قواعدنا، نحن لا نعمل وفق قواعد لم نضعها"، مضيفا " نعم سنخفض الإمدادات إلى أوروبا".
وخاطب ميلر الأوروبيين قائلا بعدما أكد أن الطلب على الغاز الطبيعي في سوق آسيا والمحيط الهادئ: "قالوا إن العقود طويلة الأجل ليست ضرورية.. إذا لم تتكن هناك حاجة إليها، فقد وفينا بالتزاماتنا تجاهكم". وخلص ميلر، الذي يتولى أمر غازبروم منذ 21 عاما، إلى أن "ليس المال هو الذي يحدد السلعة المباعة، بل السلعة، والغاز هو الذي يقرر".
ميلر من مواليد 31 يناير/كانون الثاني 1962، وكانت أول وظيفة له في منصب مهندس اقتصادي في قسم التخطيط العام بمعهد الأبحاث في لينينغراد للبناء المدني.
من 1991 إلى 1996، خدم مع لجنة العلاقات الخارجية في مكتب عمدة سانت بطرسبرغ. من 1996 إلى 1999، شغل منصب مدير إدارة تطوير الاستثمارات في ميناء سانت بطرسبرغ. وبين عامي 1999 و2000، شغل منصب المدير العام لنظام خط أنابيب البلطيق.
يدين ميلر، الحاصل على الدكتوراه في الاقتصاد والمالية، بوضعه على رأس عملاق الغاز الروسي، بعلاقته بفلاديمير بوتين، الذي التقاه لأول مرة قبل نحو ربع قرن في منتدى سانت بطرسبرغ. كان هذا الستيني يبلغ من العمر آنذاك ثمانية وعشرين عاماً. وعندما أضحى بوتين وزيراً أول (رئيساً للوزراء)، تولى ميلر منصب مدير عام لشركة نقل البترول Baltic Pipeline System.
ترتيب البيت الداخلي
عندما جرى انتخاب بوتين رئيسا للفيدرالية الروسية قبل 23 عاماً، تولى ميلر منصب نائب وزير الطاقة. ولم يكمل عامه الأول في ذلك المنصب، حيث دفع به بوتين كي ينتخب علي رأس غازبروم التي توفر 40% من الغاز الأوروبي. كما أسند إليه أمر إعادة ترتيب البيت الداخلي لمجموعة الغاز العملاقة.
لقد استعاد ميلر، بعد تولى أمر المجموعة، أصولاً آلت لبعض الأشخاص والجهات الخاصة في عهد الرئيس الأسبق بوريس يلتسين، وعزز احتياطياتها وطور قدرتها التسويقية عبر توفير الغاز لعملائها مباشرة، مثل ألمانيا، وانفتح على عملاء آخرين مثل الصين.
وكانت غازبروم تعاني قبل تولي ميلر من سوء الإدارة. وكانت للرجل وجهة نظر فنية أكثر في الإدارة المالية للشركة، وأخذ قرارات صعبة ومثيرة للجدل، لكنها أدت إلى تماسك المجموعة وجلبت أرباحاً في غضون ثلاث سنوات فقط من استلامه الإدارة.
ولا يتحكم ميلر فقط في الغاز، بل يتولى، أيضاً، أمر الذراع المالية للمجموعة، ممثلة في ثالث بنك في البلد Gazprombank، والعديد من وسائل الإعلام وأندية كرة القدم.
غير أن مسار هذا المقرب من بوتين لم يسلم من الانتقاد، فقد خلص تحقيق صحافي إلى أنه اغتنى عبر غازبروم، وشيد قصوراً ووفر شققاً له ولعائلته ورجال يحظون بثقته، بل إن التحقيق الذي أنجزه فريق تابع للمعارض أليكسي نافالني وصحيفة Proekt المتخصصة في إنجاز التحقيقات، خلص إلى أن ميلر يعمل منذ سنوات على تعظيم ثروة بوتين.