على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي عمل على تنويع واردات الغاز الأوروبية لتقليل الاعتماد على موسكو، بما في ذلك زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، لا يزال يتخوف من التوتر العسكري بين كييف وموسكو رغم سحب موسكو جزءاً من جيوشها من الحدود الأوكرانية.
ويؤجج التوتر مخاوف تعطل الإمدادات الغذائية، إذ تمثل روسيا وأوكرانيا ربع تجارة القمح العالمية ونحو خمس مبيعات الذرة، وأي توقف لتلك التدفقات يمكن أن يؤدي إلى تفاقم نقص الحبوب.
وقد يترك ارتفاع أسعار المواد الغذائية المشترين من آسيا إلى أفريقيا والشرق الأوسط عرضة لارتفاع أسعار الخبز واللحوم الأكثر تكلفة إذا تعطلت الإمدادات. وهذا من شأنه أن يفاقم تكاليف السلع الغذائية التي هي بالفعل الأعلى منذ عقد. وقد ارتفعت العقود الآجلة للقمح في شيكاغو بنسبة 2% لتصل إلى 8.20 دولارات للبوشل (أداة قياس بريطانية وأميركية للأحجام الجافة، وتساوي 04 بك أو 08 غالون)، وهو أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع تقريباً.
وفي الأسواق الزراعية انخفضت احتياطيات قهوة أرابيكا، الحبة عالية الجودة التي يحبها هواة الإسبريسو، إلى أدنى مستوى لها منذ 22 عاماً. وأدت اضطرابات الإمدادات وانخفاض الصادرات من المنتجين في أميركا الوسطى إلى دفع مخزونات حبوب أرابيكا في بورصة العقود الآجلة لشركة ICE إلى أدنى مستوى لها منذ أكثر من عقدين، حيث يسارع مشترو القهوة إلى تأمين الإمدادات.
ويدرس التجار أيضاً مخاطر تعطل الصادرات الروسية من المعادن، بما في ذلك الألومنيوم والنيكل والبلاديوم والصلب، بعد أن أدت التوترات السياسية إلى قلب أسواق المعادن، حيث يستعد المتداولون لاضطرابات العرض المحتملة.
وارتفعت أسعار كل من النيكل والألومنيوم وبلغت أعلى مستوى لها منذ 13 عاماً في بورصة لندن للمعادن الأسبوع الماضي. وحسب ما أوردت صحيفة "فايننشال تايمز"، تبلغ مخزونات النحاس في بورصات السلع الأساسية ما يزيد قليلاً عن 400 ألف طن، وهو ما يمثل أقل من أسبوع من الاستهلاك العالمي. كما أن مخزونات الألومنيوم منخفضة، إذ اضطرت المصاهر في أوروبا والصين إلى خفض طاقتها بسبب الضغط المالي الهائل الناجم عن ارتفاع تكاليف الطاقة.
وتلوح في الأفق أيضاً أزمة في الإمدادات في الأسواق الأخرى. وتعتقد "سيتي غروب" أن الطلب على الليثيوم، وهو مادة خام رئيسية للبطاريات، سوف يفوق العرض بنسبة 6 في المائة هذا العام بسبب ارتفاع مبيعات السيارات الكهربائية.
بالفعل، بدأ تأثير التوترات في المنطقة يظهر على اقتصاد المملكة المتحدة الذي لا يزال يتعافى من جائحة كوفيد. وخرج مواطنوها في مظاهرات في 12 فبراير/ شباط، احتجاجاً على ارتفاع تكاليف المعيشة وللضغط على المستشار ريتشي سوناك، لإعادة التفكير في مسألة زيادة التأمين الوطني لشهر إبريل/ نيسان.
وقد حذّر أحد المعاهد الفكرية (Think Tank) من أن الأسر البريطانية المصنفة "معوزة" قد تزيد بنحو الثلث، ليتجاوز عددها المليون خلال فصل الربيع، بعد أن بلغت تكلفة السلع والخدمات في البلاد أعلى مستوياتها منذ ثلاثة عقود، ومن المقرر أن تتجاوز 7% عند رفع سقف فواتير الغاز والكهرباء في إبريل.
بالإضافة إلى ذلك، انخفض مؤشر فوتسي 100 بنسبة 2 في المائة صباح يوم الاثنين 14 فبراير استجابةً لتقلب أسعار الوقود. وتجاوزت أسعار البنزين 148 بنساً للتر على المستوى اليومي للمرة الأولى وفق جمعية السيارات البريطانية "AA".
وإلى جانب عدم اليقين الذي تعيشه أسواق أوروبا بسبب الأزمة الأوكرانية، جلبت جائحة كوفيد 19 معها ارتفاعاً حاداً في التضخم وتكلفة المعيشة في بريطانيا حيث تواجه الأسر ما وصفه بنك إنكلترا بأنه أكبر انخفاض في الدخل الحقيقي منذ أن بدأت السجلات الحالية في عام 1990.
وقالت نقابة المزارعين في المملكة المتحدة إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان يهدد بالفعل بإخراج المزارعين البريطانيين من العمل، لكن الصراع الدولي الحالي يضيف إلى العديد من الآثار المترتبة على بريكست. كما حذّرت من أن الصراع بين روسيا وأوكرانيا يعرض الإمدادات الغذائية للمملكة المتحدة للخطر.
وقد فرضت روسيا مؤخراً حظراً لمدة شهرين على صادرات الأسمدة الكيميائية، مما يعني أن المملكة المتحدة تواجه تكاليف أكثر من الضعف لإنتاج قمحها. تضاف هذه الخطوة إلى الحظر الذي فرضته بريطانيا على البوتاس البيلاروسي والأسمدة الكيميائية المهمة التي تشكّل إلى جانب الصادرات الروسية 38 في المائة من إمدادات العالم، وفق ما ذكر موقع "ذا لندن إيكونوميك".