يبدو أن اقتصاد السودان موعود مرة أخرى بضربات قد تكون الأصعب على المواطن الذي مازال يعاني من آثار الانقلاب العسكري والتقلبات السياسية التي حدثت خلال الفترة الأخيرة، حيث لم تسلم مختلف القطاعات من ضربات الاضطرابات الموجعة بالإضافة إلى تداعيات الجائحة الصحية.
وفي ظل الأزمات المتصاعدة ماليا واقتصاديا بلغ التضخم مستويات كبيرة تعتبر الأعلى في العالم بعد استجابة الحكومة وتطبيقها لروشتة صندوق النقد الدولي وتحرير الأسعار، إضافة إلى الانقلاب العسكري الذي ساهم في تعقيد المشهد السوداني بعد توقف الدعم الدولي وتأزيم الحالة المعيشية الصعبة التي يمر المواطنون.
عادت صفوف الخبز والوقود مجدّدا بسبب إغلاق الموانئ السودانية بواسطة محتجين في شرق السودان قبل أن يعيدوا فتحها مؤخرا
وحسب بيانات رسمية، سجل معدل التضخم في السودان انخفاضاً خلال شهر سبتمبر/أيلول الماضي، بتسجيله 365.82 بالمائة، مقارنة مع 387.56 بالمائة في شهر أغسطس /آب الماضي، بتراجع قدره 21.74 نقطة.
وكانت البلاد قد سجلت في شهر يونيو/حزيران الماضي واحدة من أعلى نسب التضخم في العالم عند 442.78 بالمائة.
وعانى السودانيون، خلال الأشهر الماضية من ارتفاع مستمر في أسعار السلع الضرورية والخدمات، بينما عادت صفوف الخبز والوقود مجدّدا بسبب إغلاق الموانئ السودانية بواسطة محتجين في شرق السودان قبل أن يعيدوا فتحها مؤخرا.
وما يزيد المخاوف من سلالة أوميكرون، حسب مراقبين، هو أن الاقتصاد السوداني يرتكز بصورة أساسية على الاستيراد في ظل ضعف الإنتاج المحلي.
وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أن السلالة الجديدة ستكبّد الاقتصاد السوداني خسائر باهظة، يرى أخرون أن هناك فوائد منها تقليص الفواتير الباهظة والتكلفة الكبيرة التي تدفعها خزينة الدولة لتوفير السلع والخدمات واستيراد الطاقة حيث يرتقب انخفاض أسعارها، موضحين أنه بمجرد إعلان ظهور الفيروس المتحور الجديد أوميكرون في جنوب أفريقيا انخفضت أسعار النفط في العالم.
الاقتصادي السوداني، عادل عبد المنعم، يقول لـ"العربي الجديد" إن بلاده من الدول ذات الإمكانات الضعيفة في مجابهة الكوارث في كافة القطاعات.
وأضاف: نحن عاجزون عن فعل أي شيء ووصلنا إلى أسوأ حالاتنا اقتصادياً في مرحلة الإغلاق السابقة، مع تزايد عدد الوفيات بالنسبة لكبار السن تحديداً، واستيعاب المرضى غير متوافر حيث لدينا 9 مراكز عزل ممتلئة دون تجهيزات كافية، الأمر الذي انعكس سلبا على مختلف القطاعات الإنتاجية.
خبير اقتصادي: السودان يعاني بعد إجراءات 25 أكتوبر من شح في العملة تسبب في نقص الاستيراد
وقال عادل إنه في حال تفشي المتحور بصورة كبيرة فإن التأثير سيطاول القطاعات الخدمية والبنوك والحركة التجارية المباشرة، ولكنه رغم ذلك يرى أن ذلك لن يضر الاقتصاد القومي بقوله: "نحن نستورد وقودا بحوالي 2.5 مليار دولار، في وقت انخفضت فيه أسعار النفط عالمياً، حيث يُتوقع انخفاض في الاستهلاك العالمي نتيجة لبعض القيود التي تفرض على الدول".
وأضاف أن السودان يعاني بعد إجراءات 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي من شح في العملة تسبب في نقص الاستيراد، كما أن صادراتنا أيضا لن تتأثر لأنها تقليدية مثل الزراعية واللحوم.
وقال: يمكننا زيادة الناتج المحلي الإجمالي خاصة بعد وقف المنح والمساعدات الدولية التي تمثل حوالي 40 بالمائة من موازنة الدولة، ما يحتم علينا خفض الإنفاق.
وأكد أن الدول الكبرى المنتجة للنفط سيكون تأثرها بالسلالة الجديدة أقوى من الدول المستوردة، مشيرا إلى نقص واردات السودان في السنوات الأخيرة من 11 إلى 7 مليارات دولار، ولذا فإن الموازنة المقبلة يجب أن تكون مرشّدة إلى أبعد الحدود.
أما أستاذ الاقتصاد في جامعة المغتربين، محمد الناير، فيؤكد لـ"العربي الجديد" أن حجم الاستعدادات في السودان مفتقد إلى حد كبير، وليس لديه القدرة على جلب اللقاحات الكافية في ظل عدم وجود دور ملموس من الدول الغنية تجاه الدول النامية.
وقال إذا انتشر الوباء بسرعة هائلة وحدث إغلاق تام فسيؤثر ذلك على الاقتصاد السوداني لأنه حتى الآن، لم يتعاف من الصدمات التي ألمت به منذ عام 2019، ما أثر على إيرادات الدولة.
وأضاف: كل الشواهد تؤكد أن قدرة الدولة على الصمود اقتصاديا ضعيفة بجانب التأثير الذي يضرب قطاع السياحة مع قلتها، كما سيتأثر قطاع الطيران، بالتالي الأثر سيمتد إلى الفنادق والمطاعم وقطاعات النقل الأخرى سواء، بالإضافة إلى تعطل دولاب العمل الحكومي "الخدمة المدنية " والتي لم تستعد قواها حتى الآن وما زالت معطة بنسب كبيرة.
وقال الناير إنه إذا جاء إغلاق جديد "كلي او جزئي" فسيؤثر بالطبع على الناتج المحلى وسيتراجع أداء القطاع الخاص الذي يعاني من توقف عدد كبير من المصانع والمتاجر، وبذلك سوف تفقد الدولة قدرا كبيرا من مخزوناتها المحلية، ما يتطلب تدابير عاجلة لمواجهة ما يمكن أن يحدث خلال الفترة المقبلة.
وقررت اللجنة العليا لطوارئ كورونا في السودان زيادة الوعي والالتزام بالاحترازات الصحية لمجابهة كورونا، عقب استماعها لتقرير من وزارة الصحة بولاية الخرطوم أكد زيادة حالات الإصابة بكورونا.
وقال ممثل ولاية الخرطوم في اللجنة العليا لمجابهة كورونا، بشرى حامد، إن ولاية الخرطوم تواجه ارتفاعاً كبيرا في الإصابة والوفيات بسبب كورونا، بالإضافة إلى التخوفات الكبيرة من متحور جنوب أفريقيا الأكثر فتكاً بالإنسان.
وما يفاقم تداعيات أوميكرون، حسب خبراء اقتصاد، معاناة مختلف القطاعات من تداعيات الاضطرابات السياسية، إذ كانت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي أعدت قبل الانقلاب مسودة موازنة 2022.
وقالت إنها تتميز عن غيرها بتوجيه الموارد المالية بشكل أمثل، بما يضمن خفض نسب الفقر وزيادة الدخل وتوجيه القطاعات الاقتصادية والإنتاجية لانتهاج إدارة فاعلة لتحقيق التوازن المالي وتعزيز التحول الاقتصادي من أجل تحقيق نمو شامل.
تسبب تعليق أنشطة البنك الدولي في أعقاب الانقلاب على السلطة المدنية، في تجميد فوري لتمويل برنامج دعم الأسر السودانية (ثمرات)
لكن في الواقع يدفع فقراء السودان الثمن الأفدح للاضطرابات السياسية والأمنية، إذ تم تجميد المساعدات لملايين المواطنين بسبب انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في وقت اشتدت وطأة الغلاء والأزمات المعيشية.
وتسبب تعليق أنشطة البنك الدولي في أعقاب الانقلاب على السلطة المدنية، في تجميد فوري لتمويل برنامج دعم الأسر السودانية (ثمرات).
وكان البرنامج قد تم طرحه خلال مؤتمر شركاء السودان رفيع المستوى الذي عقد في برلين خلال يونيو/ حزيران من العام الماضي، بهدف دعم الأسر السودانية المتأثرة بالأزمة الاقتصادية والتي تفاقمت بسبب الإصلاحات الاقتصادية.