أشعلت خطة الرئيس الأميركي جو بايدن الخاصة بوضع حد أدنى موحد عالمياً للضرائب على الشركات متعددة الجنسيات الانتقادات الموجهة إلى الحكومة الأيرلندية التي تتربح من معدل الضرائب المنخفض على الشركات العالمية. ولدى حكومة أيرلندا نظام ضرائب منخفض جداً على الشركات العالمية متعددة الجنسيات لا يتعدى 12.5%، مقارنة بالضرائب المرتفعة التي تصل نسبتها إلى 34.4% في فرنسا و29.8% في ألمانيا و25% في هولندا و22% في الدنمارك. وتستخدم أيرلندا هذا المعدل المنخفض من الضرائب في جذب الشركات الأميركية وشركات التقنية والأدوية والإنترنت التي تفتح مكاتب في البلاد تدخل فيها حسابات المبيعات التي تجنيها تلك الشركات في الدول الأوروبية ذات الضرائب المرتفعة. وبالتالي تتمكن الشركات من ضرب عصفورين بحجر واحد، هما تحقيق مبيعات في الدول ذات الاقتصادات الكبرى والنشطة، ودفع ضرائب في دولة مثل أيرلندا ذات الضريبة المنخفضة على أرباح الشركات. وتعد أيرلندا والجزر التابعة للتاج البريطاني من كبار الوجهات التي تستخدمها الشركات العالمية للتهرب من دفع الضرائب المرتفعة في دولها ويطلق عليها "الملاذات الآمنة من الضرائب" وهي تحظى بشعبية كبيرة من قبل الشركات والأثرياء في العالم.
وحسب بيانات رسمية، كسبت أيرلندا نحو 14.1 مليار دولار من الضرائب على الشركات في العام 2020. وجاء هذا الدخل المرتفع الذي حققته البلاد من ضرائب الشركات على الرغم من تداعيات جائحة كورونا على الأعمال التجارية.
وتقدر شبكة "العدالة في الضرائب"، وهي منظمة بريطانية تعمل على سد ثغرات التهرب من الضرائب، أن بريطانيا والجزر الواقعة تحت التاج البريطاني مسؤولة عن 42% من إجمالي حجم التهرب من الضرائب في العالم. وتقدر شبكة العدالة وفقاً للأرقام التي نشرتها مجلة "نيو ستيتمان" الأسبوعية البريطانية في عددها الأخير الصادر يوم 14 إبريل/ نيسان الجاري، خسارة دول العالم السنوية من تهرب الشركات والأثرياء من الضرائب بنحو 427 مليار دولار. وحسب معلومات الشبكة تخسر الخزينة البريطانية نحو 40 مليار باوند إسترليني. لكن هنالك العديد من الدول الرأسمالية التي باتت تعاني في السنوات الأخيرة من التهرب من الضرائب.
وخلال السنوات العشر الأخيرة تمت محاكمة العديد من المصارف العالمية بتهم غسل الأموال في الولايات المتحدة، خاصة البنوك السويسرية النشطة في استثمار الثروة الأميركية وإغراء أثرياء العالم بوضع أموالهم في الحسابات السرية السويسرية. وكسبت الخزينة الأميركية عبر هذه المحاكمات والغرامات والتسويات مع البنوك التجارية العالمية، أكثر من 16 مليار دولار. لكن إدارة بايدن ترغب في إغلاق ملف الضرائب على الشركات وبشكل نهائي عبر نظام الضرائب الجديد محليا عبر رفع معدل الضرائب وعالميا عبر مقترح الضرائب الموحدة على الشركات متعددة الجنسيات.
وتسعى إدارة الرئيس الأميركي لرفع معدل الضرائب على الشركات حتى تتمكن من تمويل خطة تحديث البنى التحتية في أميركا. وحسب خطة بايدن فإنها تعمل على رفع الضرائب على الشركات من معدلها الحالي البالغ 21% إلى 28%.
وتعد أميركا من أكبر المتضررين من تهرب الشركات من الضرائب، إذ إن معظم الشركات الكبرى التي تدير عملياتها في الخارج تعود جنسيتها في الأصل إلى أميركا. وهذه الشركات تسجل مقارها خارج الولايات المتحدة في جزر الكاريبي وجزر "الملاذات الآمنة من الضرائب"، وهي دول صغيرة لا تفرض ضرائب لكنها تستوفي رسوماً فقط على تسجيل الشركات.
وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد سعت إلى التشديد على الشركات الأميركية العاملة في الخارج خلال السنوات الماضية وإجبارها على دفع الضرائب عبر سياسة "العصا والجزرة". وحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" طلبت وزارة الخزانة من الشركات الأميركية العابرة للقارات، أن تسجل بيانات الضرائب التي تدفعها في كل دولة تنفذ فيها صفقات تجارية.
وظلت قضايا الضرائب على شركات التقنية والإنترنت الكبرى تثير العديد من الخلافات بين واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الأربع التي حكم فيها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. ويقترح مشروع الضرائب الموحد على دول مجموعة التنمية والتعاون الاقتصادي، وهي الاقتصادات الكبرى في العالم، وضع حد أدنى للضرائب على الشركات، ويمنع الدول من خفض الضرائب إلى أدنى من هذا الحد أو السقف، ولكن يمكن للدولة أن ترفع معدل الضرائب على الشركات كما تشاء. ويرى محللون أن المقترح سيسد ثغرة "التفاوت في معدل الضرائب"، وهي ثغرة تستغلها الشركات الكبرى، خاصة في دول الاتحاد الأوروبي التي تتفاوت فيها الضرائب بمعدلات كبيرة.
ويرى محللون أن توجه بايدن لمعالجة القضايا الخلافية عبر منظور متعدد الأطراف وإعادة أميركا للمنظمات الدولية سيساهم في بناء تحالف قوي بين دول الديمقراطيات الرأسمالية. وهو تحالف يعول عليه الرئيس الأميركي في احتواء التمدد الاقتصادي والتجاري الصيني. وقالت الحكومة الأيرلندية، وفقاً لما ذكرته قناة سي أن بي سي: نحن نشارك بشكل إيجابي في النقاشات الخاصة بالضرائب الدنيا الموحدة، وندرس المقترحات بدقة. وأضافت في تعليقها على المشروع الأميركي، أنه "لم تجرِ حتى الآن مناقشات على المستوى السياسي بين الدول الـ139 دولة التي عرضت عليها مسودة مشروع الضرائب الموحد". وكانت مجموعة العشرين قد وافقت على مستوى وزراء المالية على مقترح مشروع الضرائب الموحد من حيث المبدأ في اجتماعها الذي جرى في 7 إبريل/ نيسان الجاري.
وترى الخبيرة باربرا أنغاس من شركة "أرنست آند يونغ" البريطانية لتدقيق الحسابات القانونية، في دراسة مطولة، أن خطة بايدن تملك فرص النجاح لأنها وضعت حلولاً لقضايا معقدة عبر منظور متعدد الأطراف، وأزالت الاستثناءات الخاصة بالشركات الأميركية التي كانت تطالب بها الإدارة السابقة.