استمع إلى الملخص
- تاريخ أدامز مع الشرطة والسياسة: قبل دخوله السياسة، تعرض أدامز للاعتقال والضرب قبل أن يصبح ضابط شرطة ويترقى إلى رتبة نقيب. يواجه الآن اتهامات بالاحتيال الإلكتروني والرشوة، تتضمن تلقيه هدايا ورحلات فاخرة من رجال أعمال أتراك.
- مقارنة مع الفساد في الدول العربية: تتعامل نيويورك بجدية مع قضايا الفساد، بينما يتفشى الفساد في العديد من الدول العربية دون رقابة فعالة أو محاسبة جدية، مما يؤدي إلى حماية المسؤولين الفاسدين وتفادي المساءلة القانونية.
انشغل الرأي العام في الولايات المتحدة خلال الأيام الأخيرة بالاتهامات الموجهة إلى إريك أدامز، عمدة مدينة نيويورك، بالفساد واستغلال منصبه، ما أثار تساؤلات حول نزاهة القيادة السياسية في واحدة من أكبر المدن الأميركية. وتولى أدامز منصبه عام 2022 بعد حملة انتخابية ركزت على مكافحة الجريمة وإصلاح النظام الشرطي، ليجد نفسه بعدها بأقل من ثلاث سنوات موضع تحقيقات متعلقة بالرشاوى والتربح الشخصي.
ولأدامز قصة قديمة مع الجريمة والشرطة، حيث اعتُقِل وتعرض للضرب على يد ضابط شرطة، قبل أن يبلغ سن السادسة عشرة، ثم أصبح بعدها ضابط شرطة، وترقى إلى رتبة نقيب قبل أن يدخل عالم السياسة. واستخدم أدامز وشباب حملته الانتخابية تلك القصة، التي تردد صداها بين سكان نيويورك، عند ترشحه لمنصب عمدة المدينة في عام 2020. لكن القصة لم تمنع داميان ويليامز، المدعي العام الفيدرالي الأعلى في المنطقة الجنوبية بنيويورك من توجيه اتهامات إلى العمدة صاحب البشرة السمراء تتعلق بالاحتيال الإلكتروني والرشوة وتلقي مساهمات غير قانونية في حملته الانتخابية من مواطنين أجانب.
وتتضمن لائحة الاتهام المكونة من 57 صفحة اتهامات بأن آدامز، على مدى عقد من الزمان، حصل على رحلات طيران على درجة رجال الأعمال وإقامات في فنادق فاخرة من رجال أعمال أتراك أثرياء، دون الكشف عنها كما يقتضي القانون. ثم ظهرت بعد ذلك مزاعم تؤكد أنه رد الجميل في عام 2021 بالضغط على رئيس مطافئ نيويورك للتغاضي عن مشكلة فحص المبنى للقنصلية التركية.
وبحسب ما ذكرته مجلة "ذا إيكونوميست"، اتصل مسؤول تركي بمساعد آدامز وقال إن تركيا دعمت العمدة المنتخب، والآن "حان دوره" لدعم تركيا. وعند عرض هذه الرسالة مع آدامز، كان رده "أعلم". وأشارت الاتهامات أيضاً إلى أن آدامز طلب تبرعات غير قانونية للحملة من مواطنين أجانب، وقام بتوجيهها عبر مواطنين أميركيين حتى تبدو الهدايا قانونية، ثم حاول إخفاء المخالفات في "تغطية خرقاء"، وفقًا للمدعي العام ويليامز.
نفى آدامز كل المخالفات. وفي مؤتمر صحافي قبل وقت قصير من إصدار التهم، وصف لائحة الاتهام بأنها "مختلقة". ووسط حشد من داعميه، ومنهم مجموعة من رجال الكنائس، تعهد آدامز بالبقاء في منصبه، رافضًا مرة أخرى جوقة متزايدة من الدعوات من قبل زملائه الديمقراطيين للاستقالة.
وتتضمن "المؤامرة طويلة الأمد" الموصوفة في لائحة الاتهام أكثر من 100 ألف دولار من الهدايا غير المعلنة. ويزعم المدعون أن آدامز استمتع برحلات منتظمة من الدرجة الأولى على الخطوط الجوية التركية، التي تملكها الحكومة التركية جزئيًا. وتقول الاتهامات إن آدامز تلقى معاملة كبار الشخصيات أثناء إجازته في تركيا، وإنه في بعض الأحيان كان يدفع مبلغًا رمزيًا مقابل تذاكر باهظة الثمن، أو يقدم مستندات ورقية مزيفة، وفقًا للائحة الاتهام.
وبالإضافة إلى ذلك، تم توجيه أصابع الاتهام إلى أدامز حول استغلال موارد المدينة في تنظيم فعاليات وشراكات تخدم مصالح خاصة أو تصب في دعم أصدقائه والمقربين منه، وكان من بين هذه الادعاءات اتهامات لإدارته بتخصيص عقود حكومية لشركات بعينها بشكل غير عادل.
وحتى الآن، ينفي أدامز جميع الاتهامات الموجهة إليه، مؤكدًا أن التحقيقات هي جزء من "مؤامرات سياسية" تهدف إلى تشويه سمعته وإسقاطه من منصبه. وأكد أدامز مرارًا أنه لم يتلق أي رشوة، ولم يستغل منصبه بشكل غير قانوني، والتزم بالتعاون الكامل مع السلطات في التحقيقات الجارية.
هذه الفضيحة لم تكن غريبة على سكان نيويورك، التي تكررت فيها حوادث الفساد، حيث استغرق الأمر عقودًا للتخلص من القوة المتبقية للمنظمة السياسية "تماني هول"، التي كانت ذات يوم آلة الفساد للحزب الديمقراطي في المدينة. وفي عام 1932، اقترب الرئيس الأميركي الأسبق فرانكلين روزفلت من الإطاحة بالعمدة جيمي ووكر، المتورط في فضيحة رشوة، قبل أن يستقيل ووكر ويترك المنصب. وبالإضافة إلى ووكر، استقال بيل أو دواير، وهو شرطي سابق، من منصب عمدة المدينة في عام 1950 وسط مزاعم فساد الشرطة. وفي الآونة الأخيرة، أمضى أعضاء في هيئة المشرعين في الولاية، بما في ذلك رئيس الجمعية ورئيس مجلس شيوخ الولاية، بعض الوقت في السجن، بتهمة الفساد.
وتوضح هذه القضايا أن السلطات في نيويورك لا تتسامح مع الفساد مهما كانت مكانة الشخص المتورط. وتُظهر التحقيقات الجارية من قبل وكالات فيدرالية ومحلية، مثل مكتب التحقيقات الفيدرالي ودائرة التحقيقات في نيويورك، أن هناك التزامًا قويًا بتطبيق القانون والحفاظ على نزاهة المؤسسات العامة، حيث تتعامل السلطات بجدية مع اتهامات المسؤولين بقبول تجاوزات أو باستغلال سلطاتهم. ويثق أغلب الأميركيين في أن العدالة ستأخذ مجراها، وأنه لا يوجد أحد فوق القانون في المدينة، حتى ولو كان يشغل أعلى منصب فيها.
وعلى بعد آلاف الأميال، وتحديداً في المنطقة العربية، يتفشى الفساد في مؤسسات الدولة في عدد من بلدان المنطقة، دون رقابة فعالة أو محاسبة جدية للمسؤولين المتورطين. وتستخدم السلطات في كثير من الأحيان أنظمة معقدة من المحسوبية والولاءات السياسية لحماية المسؤولين الفاسدين من التحقيقات أو المساءلة القانونية، حيث يتم التعتيم على قضايا الفساد من خلال السيطرة على وسائل الإعلام، وفرض الرقابة على الصحافة، أو حتى تعطيل عمل مؤسسات مكافحة الفساد.
ومع افتقار العديد من الدول العربية لاستقلالية القضاء، يتم التعتيم على أغلب القضايا. وحتى في حال توجيه الاتهامات، غالبًا ما تكون المحاكمات شكلية بسبب التدخلات السياسية والضغوط الداخلية، وفي أحيان أخرى، يتم إصدار عفو رئاسي أو ملكي أو أميري لمن ثبت تورطهم وحُكم عليهم بالسجن، بل وتتم أحياناً ملاحقة المسؤولين الراغبين في التصدي للفساد، ولا يعرف أحد كم إريك أدامز يوجد في البلدان العربية، إلا أننا كثيراً ما نرى كباشاً يتم التضحية بها إنقاذاً لهم!