منذ 38 يوما، يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي حربا إجرامية على قطاع غزة المحاصر منذ سنوات دمر خلالها أحياء سكنية بالكامل على رؤوس ساكنيها، فيما وصف مراقبون ما يحدث بأنه أكبر حرب إبادة للمباني السكنية والخدمية في تاريخ القطاع، ويأتي ذلك ضمن محاولات الاحتلال تغيير جغرافية غزة ورسم خريطة عمرانية جديدة عبر التهجير الداخلي، بل والخارجي أيضا من أجل تسهيل السيطرة عليها.
ويبدو أن عمليات التدمير الممنهج الذي طاول نحو نصف مباني غزة، حسب بيانات رسمية، وجرف نحو 25 ألف دونم زراعي، تزامن مع إجراءات الاحتلال التي عصفت بمعظم محطات المياه وشبكة الكهرباء والخدمات العامة من أجل إجبار مئات الآلاف على النزوح من مختلف المناطق ولا سيما الشمال.
معركة المخيمات
ظهر بشكل واضح عزم الاحتلال على قطع أواصر القطاع وتغيير جغرافيته، عبر دعوته إلى بناء مخيمات في جنوب القطاع للمهجرين من الشمال، وبالتالي طرد السكان بشكل دائم للجنوب.
ورد أهالي غزة على تلك الدعوات بالرفض التام لخطط التهجير، وأمس جددت السلطة الفلسطينية موقفها الرافض لخطط التهجير التي تعمل عليها إسرائيل بدعم من الولايات المتحدة وغيرها من الدول العربية والغربية، حيث أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية، الاثنين، رفضه الدعوات الإسرائيلية لإنشاء مخيمات مؤقتة للنازحين في جنوب قطاع غزة.
وأوضح المكتب الحكومي يوم الجمعة الماضي أن "نحو 32 ألف طن من المتفجرات وأكثر من 13 ألف قنبلة قصف بها الاحتلال قطاع غزة منذ بداية العدوان، بمتوسط 87 طنّاً لكل كيلومتر".
ووفق تقديرات المكتب الحكومي فإنّ "القيمة التقديرية الأولية لأضرار المباني والأبراج السكنية بلغت مليارَي دولار، فيما قدّرت أضرار البنية التحتية بنحو مليار دولار" وهو ما يعني خسارة القطاع ما يزيد عن 3 مليارات دولار منذ انطلاق الحرب.
مناطق غير قابلة للحياة
استهدف الاحتلال تحويل المناطق التي يستهدف تفريغها إلى أماكن غير قابلة للحياة بالتزامن مع هدم جزء كبير من المباني بها، عبر تدمير محطات المياه وشبكات الكهرباء والمستشفيات كما يحدث في مناطق الشمال حاليا.
وتمنع قوات الاحتلال الإسرائيلية إدخال إمدادات الكهرباء والماء والوقود إلى قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فيما تقول مؤسسات أممية وحقوقية دولية إن منع إدخال الوقود يؤثر بكل مناحي الحياة في غزة، بما في ذلك المستشفيات، ويعرّض حياة السكان والمرضى للخطر.
وكانت سلطة الطاقة الفلسطينية في قطاع غزة، أعلنت في وقت سابق أن 70% من شبكات نقل وتوزيع الكهرباء بالقطاع دمرت بفعل الحرب الإسرائيلية المتواصلة.
وقال رئيس سلطة الطاقة جلال إسماعيل، في بيان نشره المكتب الإعلامي الحكومي، إن "70% من شبكات نقل وتوزيع الكهرباء قد دمّرت.. الخسائر تقدر بأكثر من 80 مليون دولار".
والشهر الماضي، أعلن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر "الكابينت"، قطع إمدادات الكهرباء إلى قطاع غزة، رداً على تنفيذ الفصائل الفلسطينية عملية "طوفان الأقصى".
استهدف الاحتلال تحويل المناطق التي يستهدف تفريغها إلى أماكن غير قابلة للحياة بالتزامن مع هدم جزء كبير من المباني بها
كما قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، إنه أوعز بقطع إمدادات الكهرباء والمياه والغذاء عن قطاع غزة، وهو ما أكده وزير الطاقة يسرائيل كاتس، بقطع جميع أنابيب إمداد المياه إلى القطاع.
تدمير الزراعة في غزة
ضمن إجراءات الاحتلال من أجل تغيير جغرافية غزة العمل بشكل جدي على تخريب أكبر مساحات ممكنة من الأراضي الزراعية، حيث استهدف العدوان الإسرائيلي 25 ألف دونم بشكل مباشر، وهذا أدى إلى خراب مزروعاتها، وعدم مواءمتها للزراعة لاحقاً، نظراً لكمية المتفجرات التي أُلقيت عليها، حسب رئيس المكتب الإعلامي الحكومي بقطاع غزة سلامة معروف.
وفي الإطار، أوضح رائد أبو زعيتر، رئيس قسم البستنة في وزارة الزراعة في منطقة شمالي قطاع غزة، وهي المنطقة الأكثر تضررا من القصف، والأحزمة النارية، أن الكثير من المحاصيل الإنتاجية تضررت تسويقيا ولحقت بها أضرار فادحة، بعد تعرضها للتلف، أو التجريف، مثل محاصيل الجوافة، والبلح، والزيتون، وغيرها.
ولفت أبو زعيتر، في تصريحات سابقة لـ "العربي الجديد"، إلى أنه لا يوجد أرقام أو إحصائيات محددة للخسائر حتى اللحظة، بفعل تواصل القصف والعدوان، وعدم قدرة الطواقم على الوصول إليها، إلا أن الخسائر مهولة بفعل فشل المواسم، إلى جانب فساد الثمر بفعل عدم قدرة المزارعين على الوصول إلى أراضيهم الزراعية، وقطف ثمارها.