استهلت الحكومة اللبنانية الجديدة أول قراراتها بزيادة أسعار المحروقات وسلك مسار رفع الدعم كلياً، رغم تأكيداتها أنها لن تلجأ إلى هذه الخطوة "المؤجلة" لتخفيف هول وطأتها على المواطنين. وأصدرت وزارة الطاقة والمياه الجمعة جدول تحديد سعر مبيع المحروقات، بحيث أصبح سعر صفيحة البنزين 98 أوكتان 180 ألف ليرة لبنانية و95 أوكتان 174300 ليرة لبنانية، في حين لم تحدد سعر المازوت وسط أنباء تؤكد الاتجاه إلى تسعير المادة بالدولار الأميركي عن طريق احتساب سعر الطن بـ549 دولاراً، فيما حام سعر الدولار الجمعة فوق 15 ألف ليرة.
وسلك دعم البنزين في لبنان مسار الرفع التدريجي، حيث كان يتم استيراده وفق سعر الصرف الرسمي عند 1514 ليرة لبنانية للدولار، فيما بدأ دعم استيراد الوقود من قبل مصرف لبنان مع احتساب الدولار بـ3900 ليرة في مقابل وصول الدولار إلى أكثر من 15 ألف ليرة في السوق السوداء، ثم تم تخفيف الدعم مع احتساب دولار الاستيراد بـ8 آلاف ليرة، وصولاً اليوم إلى احتسابه بـ12 ألف ليرة لبنانية تقريباً ليصبح موازياً لسعر الدولار في منصة مصرف لبنان الذي تم تحديده الخميس عند 12800 ليرة.
وقال عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات جورج البركس لـ"العربي الجديد" إن سعر صفيحة البنزين كان يبلغ في نهاية العام 2020 سعر 26900 ليرة تقريباً، ليبدأ مسار الارتفاع الكبير مع بدء رفع الدعم التدريجي في 28 يونيو/حزيران 2021 بحيث ارتفع سعر الصفيحة من 46600 ليرة إلى 62900 ليرة وصولاً إلى وصول سعر الصفيحة الجمعة إلى 180 ألف ليرة اليوم.
وأشار إلى أن "الحكومة الجديدة تستكمل مسار رفع الدعم التدريجي على البنزين ومن المتوقع أن يرفع كلياً في آخر الشهر"، لافتاً في المقابل إلى أن "الدولار سيبقى متقلباً تبعاً لأداء الحكومة وثقة الناس بها".
وتحدث البركس عن اتجاه إلى تسعير المازوت بالدولار الأميركي، موضحاً أن هذه الخطوة تعني رفع الدعم كلياً عن هذه المادة وفتح الباب أمام الاستيراد الحرّ وبهذه الطريقة يكون البيع بالدولار حصراً أو بالليرة اللبنانية وفق سعر السوق اليومي وذلك تبعاً لكل تاجر، لافتاً إلى أن "سعر طن المازوت غير المدعوم سيكون بـ549 دولاراً من دون احتساب تكاليف النقل والتوزيع والربح".
وأكد الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان لـ"العربي الجديد" أن "رفع سعر صفيحة البنزين لن يؤدي إلى حلّ الأزمة بل سنشهد مزيداً من طوابير السيارات أمام محطات الوقود والمواطن اللبناني هو الضحية الوحيدة والأكبر ويدفع فاتورة الغلاء ورفع الأسعار، من دون وضع خطط جدية وشاملة قادرة فعلاً على حلّ الازمة".
واستغرب أبو سليمان سلك الحكومة اللبنانية طريق رفع الدعم الكلي عن المازوت قبل البنزين بينما يجب حصول العكس باعتبار أن المازوت مادة حيوية أساسية ومهمة جداً، ما يعني غلاءً فاحشاً سيطاول مختلف القطاعات الاقتصادية. وقال إن "رفع الدعم يجب أن يكون أولاً على البنزين ومن ثم تدريجياً على المازوت الذي تحتاج إليه المستشفيات والأفران والمولدات الكهربائية والمدارس وكل المؤسسات والقطاعات".
وحذر أبو سليمان من خطورة تسعير المازوت بالدولار أو إلزام المواطن بشرائه بالدولار "فهذه خطوة تتعارض مع القوانين اللبنانية التي تلزم التعامل بالعملة الوطنية، ومن شأنها أن تدفع بالمستهلك إلى شراء الدولار من السوق ما يعني أيضاً ارتفاعاً كبيراً في سعر صرف الدولار". وأشار إلى "أننا دخلنا فوضى عارمة ولا أعرف كيف تتخذ القرارات بهذه العشوائية وما يحصل على صعيد سعر صرف الدولار من تقلّبات سريعة وكبيرة متوقع".
وتأتي هذه التطورات بالتزامن أيضاً مع وصول قوافل المازوت الإيراني الخميس إلى الأراضي اللبنانية على أن تتولى عملية التسلم والنقل والتوزيع محطات "الأمانة" التابعة لـ"حزب الله" والمدرجة على لائحة العقوبات الأميركية.
وقد علمت "العربي الجديد" أن عدداً من المؤسسات الإنسانية والجمعيات بدأت تطلب حجز كميات لها من المازوت لتغطية حاجاتها ومن بينها نقابة المستشفيات الخاصة وهو ما أكده النقيب سليمان هارون لـ"العربي الجديد" الذي طلب حصة لتغطية حاجات المستشفيات من المازوت بانتظار الردّ.
في المقابل ترفض مؤسسات وجمعيات ومنظمات دولية وغير حكومية شراء المازوت الإيراني لأسباب سياسية بحت وتجنباً للتعرض لأي عقوبات أميركية. وعلى صعيد آخر، بدأ النفط العراقي يصل إلى لبنان بحيث يتم تفريغ نصف حمولة الباخرة الأولى في معمل دير عمار شمالاً والنصف الآخر في معمل الزهراني جنوبي البلاد.
وقد عاود سعر صرف الدولار الجمعة ارتفاعه بعدما انخفض إلى حدود 13 ألف ليرة الخميس في مسارٍ فوضوي يؤثر سلباً على تسعير مختلف أنواع البضائع والمواد الغذائية والتجارية. وسرت معلومات الخميس بأن مجلس الوزراء سيتخذ في جلسته قراراً برفع الدعم كلياً عن المحروقات وهو ما أكد وزير الاعلام جورج قرداحي عدم صحته.