استمع إلى الملخص
- **أهمية مصر لإيطاليا**: أكد دانييلي روفينيتّي أن تعزيز العلاقات مع مصر يعزز استراتيجيات روما، ويعزز وجود إيطاليا في المنطقة، مما يمكنها من التصدي للاعبين منافسين مثل روسيا والصين.
- **التحديات والانتقادات**: رغم التوترات بسبب قضية جوليو ريجيني، تعكس الاتفاقيات العلاقات الثنائية الراسخة، لكن سيد نصر حذر من أن التعاون قد يعزز الاستبداد في مصر ويشكل مخاطر مالية.
قال دانييلي روفينيتّي، كبير المستشارين بمركز "ميد- أور" للأبحاث التابع لمجموعة "ليوناردو" الإيطالية لصناعات الدفاع، والمحلل الجيوسياسي في موقع "ديكود 39" إن "اتفاقيات التعاون الموقعة مؤخراً في القاهرة بين مصر وإيطاليا تؤكد التزام روما بدعم نمو وتحديث البنى التحتية المصرية، وفي الوقت ذاته تعزيز الاستدامة البيئية والابتكار التكنولوجي"، لافتاً إلى مقاربة ملموسة للاستثمار في مصر عبر تحركات مسؤولة، بما يعود بالنفع على السوقين الإيطالي والمصري، في ضوء خطة ماتي.
تعاون مصر وإيطاليا رغم التوترات
وأوضح روفينيتّي، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، أن "إيطاليا تعزز، من خلال هذه المشروعات، وجودها في عمليات الربط المصرية، بالغة الأهمية لمنطقة البحر المتوسط، والتي تمكنها من التصدي لاختراقات لاعبين منافسين مثل روسيا والصين اللتين تحظيان بحضور استراتيجي متزايد في أفريقيا". وشدد على "أهمية مصر ياعتيارها لاعبا محوريا للقارة العجوز والبحر المتوسط، ومن هذا المنظور فإن تعزيز العلاقات مع إيطاليا يعد أمراً إيجابياً بالنسبة لاستراتيجيات روما".
من جانبه، قال رئيس ديسك الشرق الأوسط بمركز الدراسات الدولية بروما "CeSi" الدكتور جوزيبي دينتيتشه إنه "على الرغم من التوترات التي لم يتم تجاوزها بالكامل والمرتبطة بقضية جوليو ريجيني التي لم تُحَل حتى الآن، فإن هذه الاتفاقيات تعد مثالاً على العلاقات الثنائية الراسخة بين البلدين".
وأضاف دينتيتشه، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، أن "الاتفاقيات الموقعة تُظهر، علاوة على ذلك، مدى تقدير إيطاليا لمصر ودورها كلاعب محوري في الديناميات بين البحر المتوسط وأفريقيا والشرق الأوسط"، مشيراً إلى أنه "ليس من قبيل الصدفة أن تكون القاهرة في طليعة الدول المستهدفة في استراتيجية روما الأفريقية، والمعروفة باسم "خطة ماتي"، والاستثمارات في مصر تندمج بشكل نموذجي مع رغبة إيطاليا في الالتزام بدعم نمو وتحديث مصر".
قيمة كبيرة لإيطاليا وسياستها الخارجية
ولفت إلى أن "الابتكار والاستدامة والتدريب والاستثمارات كلها مبادئ أساسية لخطة ماتي، ومن خلال هذه الاتفاقيات، لا تؤكد إيطاليا مجدداً التزامها تجاه مصر فحسب، وإنما أيضًا تجاه القارة الأفريقية برمتها". وخلص إلى أن "مصر تمثل، من هذا المنظور، عنصرًا أساسيًا إذا أخذنا في الاعتبار موقعها بوابة نحو شرق أفريقيا وأسواق مستهلكيها، فضلاً عن الدور الدبلوماسي الذي تستطيع القاهرة أداءه بفعالية في سياقات استراتيجية متعددة. ولهذا السبب فإن هذه الاتفاقيات تمثل قيمة كبيرة بالنسبة لإيطاليا وسياستها الخارجية".
وعلى هامش مؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي، الذي استضافته القاهرة تحت رعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وبحضور رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين على مدار يومي 29 و30 يونيو/حزيران، وقعت مصر وإيطاليا 4 اتفاقيات مهمة في قطاعي البنى التحتية والنقل المستدام في إطار خطة ماتّي للتنمية في أفريقيا. ووقعت الهيئة القومية لسكك حديد مصر اتفاقاً مهماً، تبلغ استثماراته الإجمالية قرابة الـ150 مليون يورو، مع شركة أرسنالى الإيطالية لإطلاق أول قطار سياحي فاخر (صناعة إيطالية) في مصر يحمل اسم "حارس النيل". ومن المنتظر أن يعبر هذا القطار الأيقوني، الذي يضم أربعين كابينة فاخرة تتسع لثمانين راكباً، البلاد من القاهرة إلى أسوان في تجربة حصرية، اعتباراً من عام 2027.
من جانبه، صرح رئيس مجلس إدارة شركة أرسنالى باولو بارليتّا بأن "هذا المشروع يمثل خطوة مهمة للأمام في إطار التعاون بين إيطاليا ومصر في مجال السياحة الفاخرة التي تمثل ضفة ناشئة لتطور قطاع السياحة. هذا التعاون يهدف إلى إدخال نموذج جديد للسياحة المستدامة في مصر لجذب السائحين من جميع أنحاء العالم". ويسهم الاتفاق الثاني الذي وقعته الهيئة القومية لسكك حديد مصر مع شركة ميرمك الإيطالية بقيمة 130 مليون يورو من أجل تنفيذ أعمال نظم الإشارات والاتصالات والقوى الخاصة بخط (الفردان-بئر العيد/بالوظة-ميناء شرق بورسعيد) في تحسين مستويات السلامة والأمان وخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بما يتواءم مع خطة رؤية مصر 2030 والصفقة الأوروبية الخضراء.
ومن المقرر أن تنشئ ميرمك، بدعم من المؤسسات الإيطالية، في مصر مركزاً على أعلى مستوى للإشارات وتخطيط البنى التحتية في إطار أنشطتها لتعزيز وجودها في البلاد. ومن ناحية أخرى، وقعت وكالة SACE الإيطالية للخدمات التأمينية والمالية مذكرتي تفاهم مع وزارة النقل المصرية والبنك التجاري الدولي بقيمة 920 مليون يورو، بهدف دعم مشروعات النقل ذات الأثر البيئي المنخفض وتسهيل الصادرات الإيطالية عبر برامج تأمين وضمان ائتمان الصادرات. وشدد المدير التنفيذي للاستثمار الدولي بوكالة SACE ميشال رون على أهمية هذه المبادرات من أجل تهيئة فرص للتنمية الاقتصادية المستدامة سواء في مصر أو في إيطاليا.
وأخيراً، وقعت شركة موفيون الإيطالية مذكرة تفاهم مع شركة السويدي المصرية لتطوير وسائل نقل ذكية ومستدامة. ويتضمن التعاون بين الشركتين إنشاء شركة جديدة لإدارة صيانة وتشغيل أنظمة النقل الذكي على الطرق المصرية لمدة 10 سنوات، باستثمار 200 مليون يورو. وصرح الرئيس التنفيذي لشركة موفيون لورينزو روسي بأن "هذه الاتفاقية الاستراتيجية من شأنها تحسين إدارة حركة المرور والسلامة على الطرق في محاور النقل الرئيسية في البلاد، من خلال جلب المعايير التكنولوجية الأكثر تقدمًا الموجودة في السوق العالمية إلى الطرق المصرية السريعة".
الاتفاقيات من منظور خطة ماتّي
من جانبه، رأى سفير إيطاليا بالقاهرة ميكيلى كواروني أن "هذه المشروعات الأربعة تؤكد التزام إيطاليا بدعم نمو وتحديث البنى التحتية المصرية وتعزيز الاستدامة البيئية والابتكار التكنولوجي، كما تعتبر وسيلة عملية للاستثمار في مصر بطريقة مسؤولة ولصالح السوقين الإيطالي والمصري من منظور خطة ماتي التي أطلقتها رئيسة الوزراء جورجا ميلوني".
بدوره، قال سيد نصر، المؤسس والمدير التنفيذي لمنظمة "إيجيبت وايد"، ومقرها مدينة بولونيا الإيطالية: "لقد نددنا بأن الركائز الاستراتيجية للشراكة الأوروبية-المصرية سوف يكون من شأنها تعزيز التعاون مع قطاعات تخضع من الناحية الاستراتيجية لسيطرة المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية المصرية التي تمارس عملها في ظل غياب آليات حقيقية للرقابة الديمقراطية".
وأوضح نصر، في حديث خاص لـ"العربي الجديد" أن "هذا يعني من ناحية تعزيز الاستبداد في مصر، ومن ناحية أخرى، فإنه يشكل مخاطر تتعلق بسوء إدارة الحزمة المالية الكبيرة التي من المفترض نظريًا أن تساعد البلاد على التعافي من الأزمة الاقتصادية، والتي نجمت أيضًا عن السياسات المالية السيئة والفساد المستشري في ظل حكم السيسي"، مشيراً إلى أن "شريحة مهمة من المساعدات المالية التي وعد بها الاتحاد الأوروبي تأتي من إيطاليا (قرابة مليار يورو من أصل 7.4)، وعلى وجه الخصوص من كيانات، الدولة الإيطالية هي المساهم الأكبر فيها (مثل وكالة SACE للخدمات التأمينية والمالية)، وهذه الحقيقة تعد مؤشرا على دور القاطرة الذي تلعبه الحكومة الإيطالية، وستظل تلعبه في السنوات المقبلة، في اتجاه التعاون الاستراتيجي بين الاتحاد الأوروبي والسيسي".
وأضاف: "هذا إن دل فإنما يدل على التعاظم المتنامي لدور إيطاليا الرئيسي في التعاون بين الاتحاد الأوروبي والقاهرة، من دون الأخذ في الاعتبار كيف أن هذا الدور قد تسبب، وما زال، في تفاقم أوضاع حقوق الإنسان في البلاد". ورأى الحقوقي المصري أن "الدعم المقدم للحكومة المصرية لم يجلب قدراً أكبر من الاستقرار السياسي أو الرفاه الاجتماعي والاقتصادي"، مشدداً على "أن دعم الاستبداد في مصر يعني منح أفضلية لأرباح عدد محدود من المستثمرين على حساب الشعب المصري، وحقوقه الأساسية، والمجتمع المدني والحريات الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية وكذا المناخ، "لأنه إذا دققنا النظر في الاستثمارات المعلنة من قبل الاتحاد الأوروبي في إزالة الكربون من وسائل النقل في مصر، فسوف نكتشف أنها ليست سوى عملية غسل أخضر"، وفقاً لقوله.
وأضاف أن "الشراكة بين الطرفين تتضمن، علاوة على ما تقدم، إجراءات من شأنها إشراك مصر في السيطرة على تدفقات الهجرة نحو أوروبا، وهذا من دواعي قلقنا لأن مصر ليست بلداً آمناً للمهاجرين". وختم المدير التنفيذي لـ"إيجيبت وايد" بقوله إن "ما نطلبه من الاتحاد الأوروبي هو إعادة التفكير في أولوياته الاستراتيجية للتعاون مع مصر، وأخذ العبرة أيضًا من الدروس المستفادة من هذا العقد من حكم السيسي، والامتثال لمبادئ الاتحاد الأساسية، المتمثلة في احترام الحقوق والكرامة الإنسانية والشفافية والحكم الرشيد، ووضعها في قلب أجندته".