مضى خمس سنوات على إعادة فتح دور السينما بالسعودية، حققت خلالها المملكة النمو الأسرع في الشرق الأوسط بإيرادات شباك التذاكر للعام الماضي، وارتفعت حصتها الإقليمية من 15% إلى 40%.
وعلى مدى السنوات الخمس تربعت السعودية على صدارة إيرادات شاشات السينما في المنطقة، حسب إحصاءات رسمية أوردتها وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، مشيرة إلى أن إيرادات فيلم "باتمان"، الذي عرض عام 2019، حصلت على المركز الثاني عشر عالمياً.
ويقتصر كل هذا التقدم على عدد دور سينما يبلغ 63 داراً حتى نهاية 2022، مقابل 54 في 2021، ما يؤشر إلى "سوق بكر" في المملكة، من المتوقع أن تدر مليارات الدولارات خلال السنوات القادمة.
ويعزز من تلك التوقعات تخطيط حكومة المملكة لزيادة عدد دور العرض إلى 350 داراً تعرض 2500 فيلم في عموم المملكة، وفقاً لبرنامج "رؤية 2030"، واستهدافها زيادة رأسمال صناعة السينما إلى مليار دولار، حسبما أورد تقرير لشركة برايس ووتر هاوس كوبرز (PWC) الاستشارية.
ووفقًا للرئيس التنفيذي لهيئة الأفلام السعودية، عبد الله آل عياف، فإن إيرادات المملكة من شباك التذاكر ستشهد نموًا سريعًا استنادا إلى الاهتمام المتزايد بإنتاج القصص المحلية، التي تُروى عبر مجموعة جديدة من صانعي الأفلام المتحمسين، وبالتعاون مع صناعة السينما الدولية، وفقا لما نقلته صحيفة عكاظ.
تحديث اقتصادي
ويشير الخبير الاقتصادي، حسام عايش، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن السينما أوقفت في السعودية بنهاية سبعينيات القرن الماضي على خلفية أحداث أمنية مختلفة، ولمراعاة متغيرات دينية مختلفة داخل وخارج السعودية، خاصة التحول الذي طرأ على أفغانستان بعد الغزو الروسي لها، والآلية الإسلامية التي استخدمت لمواجهة هذا الغزو.
ويرى عايش أن عودة السينما إلى الحضور في المملكة مؤخرا تمثل أحد مظاهر التغيير الاجتماعي والثقافي، فضلا عن أبعاده الاقتصادية.
ومن شأن ذلك الدعم لإقامة صناعة الأفلام السعودية أن يصب في إطار تحقيق رؤية 2030 وبنودها الخاصة بالتحديث الاجتماعي والثقافي، فضلا عن التنويع الاقتصادي، باعتبار أن السينما جزء من منظومة الترفيه الأكبر، التي تعبر عنها المشروعات السياحية الضخمة في المملكة مؤخرا، وعلى رأسها مشروع البحر الأحمر السياحي، الذي يقام على مساحة 28 ألف كيلومتر مربع، وهي مساحة تعادل مساحة دولة مثل بلجيكا، حسبما يرى عايش.
السياحة والترفيه
ويلفت الخبير الاقتصادي إلى وجود ارتباط شرطي بين نمو هكذا مشروعات في المملكة وبين نمو صناعة السينما، إذ تجتذب الأفلام فئة السياح، إضافة إلى فئة الشباب، التي تمثل 60% من المجتمع السعودي.
والسياحة الترفيهية تمثل أحد أهم مصادر التغيير في المنظومة الجديدة للاقتصاد السعودي، بحسب عايش، مشيرا إلى أن العائدات الحالية من السينما لا تزال بسيطة، إذ لا تتجاوز الـ120 مليون دولار، لكن هذا الرقم يؤشر إلى عائد مستقبلي كبير، ولذا فهي واحدة من أهم القطاعات الناشئة في المملكة، والتي يتوقع أن توفر الآلاف من فرص العمل.
ومن شأن توفير فرص العمل دعم تحقيق هدف رؤية 2030 بخفض البطالة إلى نسبة 7%، وهي النسبة التي اقتربت المملكة بالفعل من تحقيقها، إذ تبلغ نسبة البطالة الحالية نحو 8% فقط.
منصة سينما عالمية
ويلفت عايش، في هذا الصدد، إلى أن نمو قطاع السينما في السعودية من شأنه استقطاب نجوم السينما العالمية في فعاليات مستقبلية، ما قد يسحب البساط من بلدان إقليمية أخرى تنظم المهرجانات السينمائية، على رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة.
صحيح أن بعض العوائق الثقافية والتشريعية لا تزال حجر عثرة أمام استكمال منظومة السينما والترفيه بالمملكة، لكن التجارب السينمائية السعودية في السنوات الأخيرة تشي بأن السعودية تتحضر لأن تكون "منصة سينما عالمية"، خاصة في ظل توفير بنية تحتية لا تضاهيها دولة أخرى، سواء إقليميا أو عالميا، حسبما يرى عايش.
ولذا يتوقع عايش أن يكون الترفيه، خاصة السينما، أحد أهم قطاعات الإيرادات المالية بالاقتصاد السعودي خلال السنوات السبع القادمة، حتى عام 2030، مشيرا إلى أن النمو الكبير في قطاع السياحة بالمملكة سيكون داعما رئيسيا لنمو مواز بقطاع الترفيه.