يعود المحققون الأوروبيون إلى بيروت للمرة الثالثة لاستئناف التحقيقات بملف حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، والشبهات الواسعة التي تدور حول ثروته وارتكابه جرائم مالية، على أن تطاول في هذه المرحلة شخصيات سياسية ومصرفية ومالية، أبرزها وزير المال الحالي في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل، المحسوب سياسياً على رئيس البرلمان نبيه بري.
وأعلن المرصد الأوروبي للنزاهة في لبنان عن وصول فريق المحققين الأوروبيين إلى بيروت، والذي يضمّ القاضية الفرنسية أود بورسي، على أن يباشروا اليوم الثلاثاء عملهم، بحيث ستستمر التحقيقات على مدار الأيام العشرة المقبلة، وستطاول سياسيين ومصرفيين.
وترتكز التحقيقات الأوروبية التي تشمل بالدرجة الأولى فرنسا، وألمانيا ولوكسمبورغ، على العلاقة بين البنك المركزي اللبناني وشركة "فوري اسوشييتس" المسجلة في الجزر العذراء، ولها مكتب في بيروت، ويملكها رجا سلامة، شقيق حاكم مصرف لبنان، والذي تغيب عن جلسة الاستجواب متقدما بمعذرة طبية.
وهذا وسط شبهات بأنها شركة صورية استخدمت لتحويل أموال من لبنان إلى دول أوروبية، تزيد على 330 مليون دولار، يزعم اختلاسها من البنك المركزي من خلال عقد منح للشركة المذكورة، ونيلها عمولات غير مشروعة من بنوك محلية.
وبدأت جولة المحققين الأوروبيين الأولى في يناير/كانون الثاني الماضي، وشملت نوابا سابقين لحاكم مصرف لبنان، وموظفين ماليين وكبار المصرفيين، وشخصيات سياسية مالية، أبرزها الوزيران السابقان مروان خير الدين وريا الحسن.
واستأنف الوفد الأوروبي تحقيقاته في منتصف مارس/آذار الماضي، حيث مثل رياض سلامة للمرة الأولى أمام القضاء، وخضع لجلستي استماع، وأجاب على أكثر من 200 سؤال أوروبي، تولى طرحها عليه قاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة شربل أبو سمرا، المسؤول عن ملف حاكم البنك المركزي أمام القضاء اللبناني.
في السياق، قال الكاتب الاقتصادي منير يونس، لـ"العربي الجديد"، إن أبرز المطلوبين للتحقيق أمام وفد المحققين الأوروبيين في المرحلة الثالثة وزير المال يوسف الخليل، الذي كان يتولى منصب مدير العمليات المالية في مصرف لبنان، ورجا سلامة، ورجا أبو عسلي، الذي شغل منصب مدير التنظيم والتطوير في مصرف لبنان، وماريان الحويك المستشارة التنفيذية الممتازة لحاكم مصرف لبنان، ووليد نقفور من شركة "إرنست أند يونغ"، وندى معلوف من شركة "ديلويت"، وهما ضمن الشركات التي تدقق في حسابات مصرف لبنان.
ولفت يونس إلى أن "التحقيق جداً معقد، وعلى مدى زمني طويل، إذ فتح من قبل ست دول أوروبية على الأقل منذ عام 2020، وتتبع المسار المتشابك للأموال يحتاج إلى وقتٍ، وليس بسيطاً".
وأشار الكاتب الاقتصادي في المقابل إلى أن "التحقيقات تقدمّت كثيراً، بدليل أن رئيس مجلس إدارة بنك الموارد مروان خير الدين وضع فرنسياً رهن التحقيق الرسمي، هو المشتبه بتورطه في منظمة إجرامية وغسل أموال، وممثلو الادعاء الفرنسي أبلغوا سلامة أنهم يعتزمون توجيه اتهامات مبدئية له بالتزوير وغسل الأموال، وغيرها، علماً أن هناك تباطؤا على صعيد تعاون لبنان مع القضاء الأوروبي، ولولا ذلك لكانت التحقيقات قطعت شوطاً كبيراً".
ويرى يونس أن أسئلة المحققين سترتكز على علاقة الأشخاص الذين سيصار إلى الاستماع إليهم بقضية "فوري"، منهم مثلاً وزير المال، الذي سيسأل تبعاً لمنصبه الذي كان يتولاه كمدير العمليات في البنك المركزي، وما لديه من معلومات حول العمولات التي أخذتها الشركة المذكورة، في ظل شبهات باختلاس، وأن العمولات لا تتوافق مع أي خدمة حقيقية أدتها شركة "فوري".
ويعتبر الكاتب الاقتصادي اللبناني أن "كل الشبهات التي يجري التحقيق بها اليوم حتماً ستتبلور تدريجياً، ومجرد وضع شخصيات رهن التحقيق الرسمي، وما يُعرف فرنسياً بـ"mis en examen"، يعني أن التحقيق متقدّم، وهناك معلومات وأدلة موثوقة وخطيرة وكافية لتوجيه الاتهام".
تجدر الإشارة إلى أنه في 22 إبريل/نيسان الجاري، عاد مروان خير الدين إلى بيروت، آتياً من باريس، مع وضعه تحت المراقبة القضائية الأوروبية، بعد توجيه اتهام رسمي إليه في القضية المتفرغة عن ملف التحقيق بأصول وثروة سلامة، وشركة "فوري".
خير الدين، الذي خسِر في الانتخابات النيابية الأخيرة العام الماضي بعدما ترشح على لائحة "حركة أمل" و"حزب الله"، في أبرز معاقلهما بالجنوب اللبناني، حاز رغم ذلك على استقبال لافت من جانب رئيس "الحزب الديمقراطي اللبناني" طلال أرسلان، وقد فتح له صالون الشرف في مطار الرئيس رفيق الحريري الدولي في بيروت، وسط ترحيب من مناصرين ورجال دين وحزبيين.
وتتجه الأنظار الشهر المقبل إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وما إذا كان سيمثل أمام القضاء الفرنسي، بعدما استدعته القاضية الفرنسية للمثول أمامها في 16 مايو/أيار، علماً أنه لا يزال ينفي التهم الموجهة إليه.
وكان سلامة أصدر بياناً بعد خضوعه لجلستي الاستماع في قصر العدل في بيروت، قال فيه إنه "تقدم إلى القضاء بوثائق وكشوفات تبين أن المبالغ الدائنة المدونة في حساب المقاصة المفتوح لدى مصرف لبنان، والذي حولت منه عمولات إلى شركة "فوري"، كانت قد سددت من أطراف أخرى، ولم يدخل إلى هذا الحساب أي مال من مصرف لبنان، ولم يكن هذا الحساب مكشوفاً في أي لحظة".
وتابع: "كما يتبين من هذه الكشوفات أن حسابي الشخصي في مصرف لبنان غير مرتبط بالحسابات التي تودع فيها الأموال العائدة إلى المصرف، ولم تحوّل إلى حسابي أموال من مصرف لبنان، وأن التحاويل إلى الخارج الخاصة بي ومهما بلغت، مصدرها حسابي الشخصي".
ويتمسك سلامة، الذي تنتهي ولايته في أواخر يوليو/تموز المقبل، بعد ثلاثة عقود على رأس الحاكمية، بأن هناك حملة سياسية وإعلامية عليه، للضغط على القضاء والمزايدة عليه.