- الفساد في قطاع النفط: شهد قطاع النفط فسادًا كبيرًا خلال حكم الأسد، حيث لم تُدرج عائدات النفط بشكل كامل في الميزانية، وتم بيع كميات كبيرة في السوق السوداء مع تقليل تقدير الاحتياطيات.
- آفاق قطاع النفط: تمتلك سوريا موارد نفطية واعدة في دير الزور والحسكة، ويمكن أن تسهم بشكل كبير في إنعاش الاقتصاد إذا استُغلت بشكل فعال بعد رفع العقوبات.
ترك الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد خزينة الدولة خالية من النقد الأجنبي. وعقب تسلمه مهامه بشكل رسمي، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال في سورية محمد البشير إنه لا توجد في خزائن البنك المركزي سوى الليرة السورية التي لا تساوي شيئاً، وإن مصرف سورية المركزي لا يحتوي على احتياطيات نقدية أجنبية.
وتحتاج سورية الجديدة إلى تدبير موارد مالية مستدامة لتمويل خطة إعادة الإعمار، المقدرة بنحو 300 مليار دولار. وهي مهمة شاقة لعلاج ما أفسدته عائلة الأسد خلال 53 سنة، وبناء البنية التحتية التي دمر بشار 70% منها خلال سنوات الثورة، وترميم نسيج المجتمع الذي ضربه الخوف والفقر، وبناء مساكن ومستشفيات ومدارس لتلبية حق العودة لنحو 13 مليون سوري جرى تهجيرهم، من 24 مليوناً هم عدد سكان سورية، منهم 7.2 ملايين نازح داخلياً، و6.5 ملايين لاجئ في الخارج، لم يدخر بشار جهداً لحرمانهم من حق العودة بتدمير ممتلكاتهم، أو الاستيلاء عليها بأحكام قضائية صورية، أو نقل الملكية والتأميم والمنع من التصرف بموجب قوانين مكافحة الإرهاب.
سورية الجديدة في حاجة ملحة لتدبير الأموال لبناء سبعة ملايين شقة سكنية، ونحو ألف منشأة صناعية، و300 مدرسة، قامت قوات الأسد بتدميرها جميعاً. وفي حاجة ماسة لموارد مالية لإنشاء مشاريع خدمية وإنتاجية زراعية وصناعية لتشغيل العاطلين الذين بلغت نسبتهم نحو 51.8% من قوة العمل، وارتفعت نسبة الفقر في البلاد إلى نحو 86% من السكان.
بترول سورية لعائلة الأسد
في عهد حافظ الأسد، كان الفساد طاغياً، وموارد البترول لا تدخل موازنة الدولة، وحجم إنتاج النفط غير معلن، بحجة أنها من أسرار الأمن القومي. وفي بداية عهد بشار الابن، أعلن عن اعتماد مبدأ الشفافية في الحكم، وكشف لأول مرة عن أن حجم الإنتاج وصل إلى أعلى إنتاجية له في منتصف التسعينيات، بمعدل 700 ألف برميل، وأن حجم الصادرات بلغ 4.6 ملايين برميل شهرياً خلال الفترة 2005-2010. ولكن الخبراء أكدوا أن الأرقام المعلنة وما يدخل خزينة الدولة منها كانت أقل بكثير من الحقيقة.
ويقدر خبراء سوريون الإنتاج الحقيقي للنفط في سورية منذ منتصف الثمانينيات وحتى 2008 ما بين 1.4 و1.6 مليون برميل يومياً، وكان حافظ الأسد يدخل 300 ألف برميل فقط إلى خزينة الدولة والباقي يدخل إلى جيبه وفق مصادر سورية. وبعد تولي الأسد الابن رئاسة سورية، كان الإنتاج الحقيقي 850 ألف برميل يومياً، ويدخل إلى خزينة الدولة 150 ألفاً والباقي يدخل في حسابه الشخصي كما رددت مصادر في المعارضة. أما موقع إيكونوميست إنتليجنس يونيت فيقول إن غالبية الكمية التي كانت تنتجها سورية قبل عام 2011 لا يجرى تسجيلها في منظمة أوبك، لأنها تباع في السوق السوداء بسعر 85 دولاراً للبرميل، في وقت كان فيه سعر البرميل في أوبك وقتها وصل إلى 110 دولارات.
ومن مظاهر الفساد في قطاع البترول، أن نظام الأسد قدر احتياطيات سورية من النفط في سنة 2018 بنحو 2.5 مليار برميل. وهي أرقام منخفضة للغاية إذا ما قورنت بما أعلنته شركة إنسيس النرويجية لاستكشاف البترول في المياه السورية في البحر الأبيض المتوسط، في العام 2005، عن وجود احتياطيات نفطية تتجاوز ثلاثين مليار برميل من النفط في 13 حقلاً. وفي منتصف عام 2021، قدر النظام قيمة خسائر قطاع النفط في الفترة من مارس/آذار 2011 حتى نهاية عام 2020 بنحو 93 مليار دولار.
وهي أرقام منخفضة أيضاً، حيث تؤكد تقارير أن قطاع النفط كان يغطي 25% من الناتج المحلي الإجمالي، الذي بلغ 67.5 مليار دولار في سنة 2011. وبالتالي، فإن وفورات النفط السوري التي لم تستغل تصل إلى 220 مليار دولار خلال السنوات الـ13 الماضية.
التنافس يكشف النفط
تنافس روسيا والولايات المتحدة على النفط السوري يكشف أهميته. فعندما استولى تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" على حقول النفط في شرق سورية في سنة 2014، نجح في تصدير النفط، وكانت تدر نحو 40 مليون دولار شهرياً في العام 2015، وفقاً لوزارة الدفاع الأميركية. وفي 2017، ساعدت الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي يقودها الأكراد للسيطرة على حقول النفط المنتشرة في شمال شرق سورية وعلى طول نهر الفرات.
ومن كثرتها، أسالت حقول النفط السوري لعاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في ولايته الأولى، الذي أعلن عن توظيف شركة نفط أميركية لإدارة حقول النفط السوري، وقال إنه يعتزم عقد صفقة مع شركة إكسون موبيل أو إحدى أكبر شركات الولايات المتحدة للذهاب إلى سورية لاستخراج النفط والاستفادة منه.
وأرسل الجيش الأميركي قوات عسكرية إلى محافظة دير الزور، شرقي سورية، الغنية بالنفط، في سنة 2019، لحماية آبار النفط، ما دعا وزارة الدفاع الروسية لوصف سيطرة الولايات المتحدة على حقول النفط شرقي سورية بأنها تصرف قطاع طرق وممارسة لصوصية على مستوى عالمي، ما دعا مساعد وزير الدفاع الأميركي جوناثان هوفمان للرد بأن إيرادات حقول النفط لن تذهب إلى الولايات المتحدة؛ بل ستذهب إلى تمويل قوات سوريا الديمقراطية.
النفط السوري من وفرته وكلفة استخراجه المنخفضة، أثار شهية الحليف الروسي، الذي لم يتدخل لإجهاض الثورة من أجل عيون بشار الأسد. وقد أعطى الأسد شركات بترول روسية حق الإستكشاف والحفر والتنقيب عن البترول والغاز قبالة سواحل غرب سورية في مياهه الإقليمية، في منطقة تبلغ مساحتها 2,250 كيلومتراً مربعاً، رداً لجميل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الحيلولة دون إسقاط نظام الأسد، أو تسديداً لفاتورة إجهاض الثورة.
كما أبرمت شركات أمنية ومرتزقة روسية كانت تحارب مع قوات الأسد اتفاقاً مع الحكومة السورية تحصل بموجبه على 25% من عائدات حقول النفط والغاز التي تحررها من قبضة تنظيم داعش. كل ذلك يدل على أن مقدرات النفط السوري كبيرة، وأكبر بكثير مما تعلنه حكومة بشار عن إمكانات سورية النفطية.
موارد نفط واعدة
من المفارقات السارة لسورية، أنها الدولة الوحيدة المنتجة للنفط من بين دول شرق البحر الأبيض المتوسط الأربع. والاكتشافات النفطية في سورية تعود إلى خمسينيات القرن الماضي، وبدأ الإنتاج في حقول الحسكة الواقعة في شمال شرق البلاد عام 1968 بواسطة شركة النفط السورية المملوكة للدولة.
وبدأ الإنتاج يتزايد بعد دخول الشركات الأجنبية في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، وتحقيق اكتشافات كبيرة في محافظة دير الزور. ولعب إنتاج النفط وصادراته دوراً كبيراً في إخراج سورية من أزمتها الاقتصادية الخانقة خلال النصف الثاني من ثمانينيات القرن العشرين.
وتمتلك سورية مصفاتين لتكرير النفط تكفي احتياجات سورية من المشتقات، الأولى مصفاة حمص المؤسسة في عام 1959 باعتبارها أول مصفاة لتكرير النفط بطاقة 5.7 ملايين طن سنوياً، أو ما يعادل 100 ألف برميل يومياً، والثانية مصفاة بانياس على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، شمالي مدينة بانياس، وهي شركة سورية عامة أنشئت في عام 1975، بطاقة 120 ألف برميل يومياً. وتشير تقديرات شركة بريتش بتروليم البريطانية ومعهد الطاقة إلى أن إنتاج الغاز الطبيعي في سورية وصل إلى 8.7 مليارات متر مكعب عام 2011، وإن كان قد انخفض إلى ثلاثة مليارات متر مكعب في 2023، لكنه قطاع واعد يغري الشركات الدولية للاستثمار فيه وتنميته.
تتركز حقول النفط في سورية في محافظتي دير الزور في الشرق بالقرب من الحدود العراقية، وتمتلك 75% من احتياطي بترول سورية، والحسكة في شمال شرق البلاد، ومنطقة تدمر التابعة لمحافظة حمص، وبعض الحقول النفطية في محافظة الرقة.
ويُعد حقل العمر أكبر الحقول في محافظة دير الزور، وكان ينتج 80 ألف برميل يومياً قبل عام 2011. وحقل التنك، الواقع في ريف دير الزور الشرقي، وكان ينتج 40 ألف برميل يومياً، وحقلا التيم والور، وكانا ينتجان 50 ألف برميل يومياً لكل منهما. وفي محافظة الحسكة، يوجد حقل رميلان ويضم أكثر من 1322 بئراً للنفط، و25 بئراً للغاز.
الآمال معقودة على موارد سورية البترولية لإعادة بناء سورية الجديدة. وسينعش قطاع النفط السوري الاقتصاد الذي ضربه الشلل، ويعيد الرفاه إلى مدنها بعد أن أدى نقص الوقود لاستخدام الحمير وسيلة للمواصلات في شوارع العاصمة دمشق، وظهور الطوابير الطويلة أمام محطات الوقود، وسيدفع خطوط المواصلات للعمل بشكل طبيعي بين المدن، وسيضيء التيّار الكهربائي بيوت الشام بعدما كان يصل ما بين ساعة أو ساعتين كل 24 ساعة.
وبعد سقوط الأسد، تنتظر شركات النفط التي كانت تعمل في سورية، مثل "شل" و"توتال"، رفع العقوبات التي كانت مفروضة على نظام بشار لاستئناف نشاطها النفطي. وهناك شركات طاقة عالمية تنتظر الفرصة للاستحواذ على عقود لاستكشاف وإنتاج النفط والغاز في سورية الجديدة. ومن المبشرات بمستقبل واعد للنفط السوري، أنه لم تنفذ عمليات استكشاف عن النفط والغاز والثروة المعدنية في سورية لأكثر من 50% من أراضيها، وما زال النصف الآخر ينتظر عمليات التنقيب والاستكشاف. ولو حسن استغلالها في المرحلة المقبلة، فستكون مورداً مالياً وشرياناً اقتصادياً لبناء سورية الجديدة.