لجأت الجزائر كما كان متوقعاً ومنتظراً إلى إقرار موازنة تكميلية لتغطية العجز المسجل في الموازنة العادية الجارية 2022 والذي لامس 30 مليار دولار، بالإضافة لرفع التجميد عن مئات المشاريع، وتستفيد الحكومة بذلك من انتعاش عائدات النفط منذ مطلع السنة الحالية، في وقت يتأهب مجلس الأمة (الغرفة الثانية من البرلمان)، الأسبوع المقبل، لمناقشة ودراسة موازنة 2023 التي تعد الأكبر في تاريخ الجزائر.
ومن أجل حماية القدرة الشرائية المتآكلة للمواطن الجزائري بخاصة محدودي الدخل والفقراء، أقرت الحكومة جملة من القرارات لتفادي انفلات الأسعار، كما تجنبت الموازنة التكميلية فرض ضرائب جديدة تمس المواطن.
وبات لجوء الحكومات المتعاقبة في الجزائر إلى إقرار موازنات تكميلية، تقليداً تلوذ به أثناء العطل البرلمانية، وذلك بتمرير الموازنة الثانية بأوامر رئاسية مباشرة، على أن تعرض على غرفتي البرلمان للتصويت (الشكلي) دون مناقشة كون الموازنة الثانية تكون قد صدرت في الجريدة الرسمية.
وفي السياق، يرى النائب عن حركة مجتمع السلم في البرلمان، أحمد صادوق، أنّه "من حيث المبدأ لا يمكن معارضة اللجوء إلى موازنة ثانية أو تكميلية في السنة المالية، كون المتغيرات والمعطيات تتغير، لكن المرفوض هو أن يتحول الاستثناء إلى عادة، كما هو الحال في الجزائر، التي عجزت الحكومات فيها في السنوات الأخيرة عن وضع موازنة تغطي 12 شهراً، وبات الأمر عادياً أن تقر موازنة ثانية دون أن تمرر بأمر رئاسي، وتعرض على البرلمان كأمر واقع ومُقدر، ورغم أنّ موازنة 2022 التكميلية لم تحمل أعباء إضافية على جيوب الجزائريين لكن هناك أموراً أخرى تتعلق بإنفاق المال العام يجب الحديث عنها".
وأضاف البرلماني لـ"العربي الجديد" أنّ "النواب خلال مناقشة موازنة السنة الحالية نهاية 2021، حذروا الحكومة من التقديرات المالية الخاطئة والاعتماد في ما بعد على موازنة ثانية لتغطية سوء التسيير، كلّ الدول تقر إضافات وموازنات تكميلية لكن في ظروف استثنائية وليس دورياً، يجب على الحكومة استشراف طرق تسيير وإنفاق المال العام حتى نضع موازنة تغطي 12 شهراً، وليس 5 أو 6 أشهر ثم نلوذ بموازنة ثانية لتغطية النصف الثاني، لأنّنا عندما نوقع موازنة لسنة كاملة وننفق الأموال في نصف المدة فهذا يعني وجود مشكل كبير في التسيير".
وقصد حماية القدرة الشرائية للمواطن الجزائري، المتآكلة بسبب انهيار الدينار وما تبعه من ارتفاع للضخم، أقرت الحكومة الجزائرية جملة من القرارات لتفادي انفلات الأسعار، بخاصة المواد واسعة الاستهلاك، من خلال إعفاء استيراد السكر من الرسوم الجمركية، وإلغاء الرسم على القيمة المضافة على السكر المنتج محلياً خلال عمليات توزيعه محلياً، بالإضافة إلى تخفيض الرسوم الجمركية المطبقة على استيراد المواد الموجهة لإنتاج زيوت الأكل، مع إلزام منتجي القمح ببيع محاصيلهم من القمح والشعير حصرا لدواوين الحبوب، لتفادي المضاربة والاحتكار، اللذين قفزا بأسعار القمح محلياً، ما أثر على أسعار العجائن واسعة الاستهلاك في الجزائر.
إلى ذلك، أكد الخبير الاقتصادي والنائب السابق هواري تغرسي، أنّ "الموازنة التكميلية اللافت فيها أنّها لم تأتِ بضرائب جديدة، وذلك قصد امتصاص شيء من التضخم والقفزات التي مسّت أسعار السلع والخدمات، فالحكومة فهمت أنّها ليست بحاجة لفرض توسع ضريبي في هذا الظرف الاقتصادي الذي تمر به البلاد، المتأثر بمخلفات الأزمة المالية وبعد "كورونا" والآن الحرب الروسية- الأوكرانية".
وأضاف المتحدث نفسه لـ"العربي الجديد" أنّ "المواطن فعلاً كان ينتظر دعماً مباشراً لقدرته الشرائية، الأمر الذي جاء عبر إلغاء وخفض الرسوم الجمركية المطبقة على عمليات استيراد وإنتاج مواد واسعة الاستهلاك كالزيت والسكر، ورفع أسعار شراء القمح دعماً للمنتجين المحليين وحماية قوت الجزائريين من المضاربين، على أن تكون موازنة 2023 حاملة لدعم مباشر من خلال رفع الأجور ومعاشات التقاعد وهو ما جاء في موازنة السنة القادمة التي تعد الأضخم في تاريخ البلاد بقرابة 94 مليار دولار".
واستغلت الحكومة انتعاش عائدات النفط، بفعل ارتفاع الأسعار عالمياً جراء الحرب الروسية – الأوكرانية، لرفع ميزانية المشاريع الحكومية الكبرى والبنى التحتية، التي طاولها التجميد سنوات "التقشف" و"شد الحزام"، وذلك برفع ميزانية التجهيز إلى 7697 مليار دينار أي حوالي 54 مليار دولار بعدما اعتمدت الحكومة 6311 مليار دينار ما يعادل 45 مليار دولار في الموازنة الأولى لسنة 2022، بالإضافة لرفع "ميزانية البرامج" (ميزانية المشاريع الكبرى) من 2448 مليار دينار أي 17.4 مليار دولار إلى 3079 مليار دينار وهو ما يعادل 21.9 مليار دولار، وذلك لبعث المشاريع المجمدة الخاصة المتعلقة بالطرق السريعة والمستشفيات وتوسعة خطوط سكك الحديد وغيرها من المشاريع.
وفي السياق، كشف عضو لجنة المالية والميزانية في البرلمان الجزائري زهير ناصري، أنّ "الغرفة التشريعية أقرت توصيات ملزمة رفعتها للحكومة في دراسة موازنة السنة الحالية التكميلية، في مقدمتها رفع التجميد عن المشاريع التي تقدمت بها الأشغال بخاصة منها المؤسسات التعليمية ومناطق النشاطات الصناعية وكذا المشاريع المتعلقة بقطاع الري والتهيئة الحضرية، مع إتمام وضبط الدراسات التقنية ودراسات الجدوى لمشاريع الاستثمارات العمومية بما يضمن التقليل في تخصيص الموارد المالية لإعادة تقييم المشاريع، وتخصيص مبالغ مالية لصيانة وترميم المنشآت المتضررة جراء الفيضانات أو الحرائق، وإلزامية إيجاد صيغ جديدة لتمويل المشاريع الاستثمارية خاصة منها الفلاحية".
استغلت الحكومة انتعاش عائدات النفط، بفعل ارتفاع الأسعار عالمياً جراء الحرب الروسية – الأوكرانية، لرفع ميزانية المشاريع الحكومية الكبرى والبنى التحتية
وأضاف: "كما طالبنا الحكومة بإصلاح المنظومة المصرفية لمواكبة التطورات البنكية الحاصلة على الصعيد العالمي والدولي، وفي ما يتعلق بقوت الجزائريين، شدّدنا على ضرورة ضبط السوق الوطنية واعتماد الصرامة في آليات محاربة كلّ أشكال الغش والمضاربة، ومكافحة الغش والتهرب الضريبيين، والحد من التوسع الضريبي الذي لا يخضع إلى دراسات الجدوى الاقتصادية والاجتماعية".
وتابع البرلماني لـ"العربي الجديد" أنّ "المهم بالنسبة لنا هو تحسين طرق الإنفاق المعتمدة، وهو ما كان محور وصلب نقاشنا مع وزير المالية؛ إذ طالبنا بإصلاح طرق الإنفاق الحالية المبنية على توقعات مجانبة للواقع، بالإضافة إلى إعادة تقييم المشاريع التي باتت تثقل كاهل الخزينة العمومية، من دون أن ننسى ملف الدعم الذي لا يزال يكلف الجزائر فاتورة ضخمة".