انتخابات أميركا... أسواق المال تحبس أنفاسها انتظاراً لحسم قد يطول

05 نوفمبر 2024
ترامب وهاريس خلال مناظرة بينهما في فيلادلفيا، 10 سبتمبر/أيلول 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشهد الانتخابات الرئاسية الأمريكية توتراً غير مسبوق، مما يثير قلق الأوساط الاقتصادية والمالية بسبب احتمالية عدم حسم النتيجة وتأثيرها على تقلبات الأسواق المالية.
- المستثمرون في "وول ستريت" يتخذون مواقف دفاعية، محتفظين بالسيولة حتى تتضح الرؤية بشأن القيادة الاقتصادية المستقبلية، مع توقع تقلبات كبيرة في الأسواق.
- الترقب يتجاوز الولايات المتحدة ليشمل العالم، حيث تترقب الأسواق الآسيوية والأوروبية سياسات ترامب المحتملة وتأثيرها على الرسوم الجمركية وقوة الدولار، مما يعكس القلق العالمي من نتائج الانتخابات.

أميركا تصوت والعالم ينتظر. هكذا يبدو المشهد في الانتخابات الرئاسية، الأكثر حساسية وربما توتراً في تاريخ الولايات المتحدة، اليوم الثلاثاء، إذ تترقب الأوساط الاقتصادية والمالية داخلياً وخارجياً نتائجها وسط قلق بالغ من احتمالية عدم حسم النتيجة، ما يرفع مؤشر التقلبات في أسواق الأسهم والعملات والسلع، وسط اتساع الهوة بين سياسات المرشحين الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية كامالا هاريس.

ويسود العالم قلق بالغ من حالة "المرحلة الانتقالية"، إذ يترقب أصدقاء أميركا وأعداؤها من سيكون زعيم القوة العظمى، وإلى أن تُحسم هذه المسألة، لا يمكن لأي شيء أن يتحرك أو يُحل بشكل جدي بالنسبة لملفات اقتصادية حيوية وكذلك تحركات الأسواق مثلما هو الحال سياسياً.

وبدت تحركات المستثمرين في "وول ستريت" تعبر عن حالة من التحوط لما هو قادم عبر الاحتفاظ بجزء من السيولة لحين اتضاح الرؤية بالنسبة لمن سيسكن البيت الأبيض والذي سترسم سياساته مسار أكبر اقتصادي في العالم للسنوات الأربع المقبلة وتأثيرات ذلك على الاقتصادات الدولية.

وراقب المتداولون عن كثب نتائج أحدث استطلاعات الرأي وحركة أسواق الرهانات الانتخابية قبل أيام، لتحديد المتقدم بين ترامب وهاريس، وتأثير ذلك على مراكزهم الاستثمارية. لكن الخطأ في هذه الرهانات يحمل مخاطر عالية ما يجعل الكثيرين متحوطين وهادئين في اتخاذ القرار.

وفي مقابلة لوكالة بلومبيرغ الأميركية مع إريك ديتون، رئيس ومدير إدارة مؤسسة "ذا ويلث أليانس" الاستثمارية: "نحن لا نحدد مراكزنا الاستثمارية بناءً على التكهنات بنتيجة الانتخابات؛ لأنها أشبه بلعبة الحظ. فلا معنى للمراهنة".

ويتوقع معظم المتداولين تقلبات هذا الأسبوع، مع احتمالية كبيرة لنتيجة غير محسومة من الجولة الأولى قد تؤخر فرز الأصوات لأسابيع أو حتى أشهر. ويفسر هذا سبب ارتفاع مؤشر الخوف أو التقلبات للثلاثين يوماً المقبلة، المعروف اختصاراً بـ"فيكس" فوق 20 نقطة في جلساته الأربع الأخيرة، وهو مستوى يشير عادة إلى زيادة التوتر في سوق الأسهم. ولهذا السبب، ينحسر حماس المستثمرين لاختيار الفائزين والخاسرين بناءً على من يعتقدون أنه سيكون الرئيس المقبل للولايات المتحدة.

وقال ديف لوتز، محلل الاقتصاد الكلي في شركة الوساطة المالية "جونز تريدينغ": "كانت استطلاعات الرأي خاطئة جداً في الماضي، فلا توجد أي ميزة لمعرفة من سيفوز". والتحدي الآخر في تحديد المراكز الاستثمارية بالأسهم، هو عدد المحفزات الإضافية المحيطة بالتصويت، والتي من المحتمل أن تحرك السوق. وسيتبع يوم الانتخابات بسرعة قرار أسعار الفائدة من قبل البنك الفيدرالي الأميركي، يوم الخميس المقبل، ومؤتمر صحافي لرئيسه جيروم باول، حيث سيقدم تفاصيل عن مسار أسعار الفائدة.

كما لا يزال عدد كبير من الشركات الأميركية في خضم الإعلان عن نتائجها المالية. وهذا يفسر سبب عدم تحديد لوتز المراكز قبيل الانتخابات، بل ويوصي بدلاً من ذلك بالاحتفاظ ببعض السيولة، التي يمكن استخدامها عند ظهور فرص قصيرة الأجل، مثل ردود الفعل السريعة للأسهم الفردية أو القطاعات مع الإعلان عن الفائز في الانتخابات.

ووفق تقرير بلومبيرغ فإن روبرت شاين، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة غدارة الثروات "بلانك شاين ويلث مانجمنت" زاد من حيازاته المكافئة للنقد إلى 10% قبل الانتخابات، مقارنة بـ5% المعتادة.

وتهدف هذه الاستراتيجية إلى أن يكون مستعداً للاستفادة من الأصول عندما تؤدي النتائج حتماً إلى تقلبات في بعض أجزاء السوق. وفي السياق قالت أنويتي باهوجونا، كبيرة مسؤولي الاستثمار في الأصول العالمية بشركة إدارة المخاطر "نورثرن ترست أسيت مانجمنت" إن "المستثمرين بحاجة إلى النظر إلى ما وراء مخاطر الانتخابات المستمرة.. لا يمكن للمتداولين حتى اتخاذ مراكز استثمارية في هذه المرحلة، لأنها مضاربة وتنطوي على مخاطر بالغة، ولا يعرف المتداولون ما هي المقترحات السياسية التي سيتم تمريرها من أي من المرشحين عبر الكونغرس".

الأسواق متوترة والمتداولون يتخذون مراكز دفاعية

وليس من المستغرب أن تبدو الأسواق متوترة. وقال روكي فيشمان، مؤسس شركة الاستشارات المالية "آسيم 500" إن بيانات أسواق الخيارات تُظهر أن المتداولين يتخذون مركزاً دفاعياً، حيث يضعون تقييمات أعلى من المعتاد للحماية ضد البيع السريع. ويُعزى ذلك جزئياً إلى سيل التقارير والبيانات المتوقعة في الأيام القليلة المقبلة، بما في ذلك قرار الاحتياطي الفيدرالي، وتقارير الأرباح، وأرقام التضخم.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

وأضاف فيشمان: "بينما تأخذ الأسواق في الحسبان بوضوح يوم الأربعاء بوصفه يوماً شديد التقلب، فإن الفترة المحيطة بها بعيدة عن الهدوء". ويتردد المطلعون في الشركات أيضاً في التداول بسوق الأسهم. فقد اشترى 261 رئيساً تنفيذياً فقط أسهماً في شركاتهم في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وهو الأدنى منذ 2017 على الأقل، مما دفع نسبة الشراء إلى البيع إلى ثاني أدنى مستوى منذ ربيع 2021، وفقاً لبيانات جمعتها شركة "واشنطن سيرفيس" المتخصصة في توفير بيانات التداول.

ويجب على المستثمرين الذين يبحثون عن استثمار أكثر أماناً في الأسهم أن يتجاوزوا ضجيج الانتخابات، وفقاً لبعض المحترفين في "وول ستريت". وفي ظل انتخابات لا يظهر فيها مرشح مفضل بشكل واضح، يبقى الخيار الأكثر أماناً للمستثمرين هو التحلي بالصبر. وقال مارك لوشيني، كبير استراتيجيي الاستثمار في مؤسسة "جاني مونتغومري سكوت" للاستشارات المالية: "لو كان القرار أكثر وضوحاً، لكانت السوق أخذته في الحسبان، ولم يتبقَ الكثير للاستفادة منه".

وأضاف: "لكن في موقف يشوبه عدم الوضوح، من الأفضل النظر إلى ما وراء الأفق والوضع في الاعتبار الحالة الاقتصادية الكلية في الفترة الزمنية من ستة أشهر إلى 18 شهراً من الآن، بدلاً من التركيز فقط على نتيجة الانتخابات في ذلك اليوم".

الأصدقاء والأعداء يترقبون نتائج الانتخابات

وتتخطى حالة الترقب الاقتصادية حدود الولايات المتحدة لتسيطر على أذهان الأصدقاء والأعداء على حد سواء، إذ يتحسب الجميع لسياسات ترامب في حال وصوله إلى البيت الأبيض مجدداً، لا سيما ما يتعلق بالرسوم الجمركية وقوة الدولار وغيرها من الملفات الأكثر تأثيراً في الاقتصادات.

وشهدت أسواق السندات الآسيوية حالة من الترقب، قبيل الانتخابات الأميركية. ولم تشهد سوق السندات الدولارية في آسيا صفقات جديدة، صباح أمس الاثنين، إذ ينتظر المستثمرون نتائج الانتخابات. ويترقب المتداولون أيضاً هذا الأسبوع قرارات البنوك المركزية بشأن أسعار الفائدة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا وعدة دول أخرى.

يتساءل حلفاء أميركا، مثل اليابان وألمانيا، عما إذا كانوا سيجدون صديقاً في البيت الأبيض العام المقبل، أم قومياً يفرض الرسوم الجمركية على صادراتهم ويهدد بتركهم يواجهون أعداءهم. وتترقب الصين بشدة ما ستسفر عنه الانتخابات لاسيما مع تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 60% على السلع الصينية. يتجلى هذا التوتر أيضاً في النظام متعدد الأطراف، المتمثل في الأمم المتحدة والمؤسسات المالية والقانونية الدولية.

ولم تشهد الولايات المتحدة ولا العالم وضعاً متوتراً كهذا. فقد كانت انتخابات عام 2000، التي فاز فيها جورج دبليو بوش على آل غور بفارق ضئيل وبعد الكثير من المناورات القانونية مشهداً مشوقاً، لكنه جرى في وقت كانت فيه الهيمنة الأميركية شبه مطلقة. أما انتقال السلطة في 2020، فقد كان متوتراً وأكثر خطورة. وسيكون أي تنازع على انتقال السلطة في 2024 أشد خطورة، وفق مقال للكاتب والمحلل السياسي أندرياس كلوث، نشرته بلومبيرغ.

المساهمون