كثّفت أفغانستان وباكستان جهودهما، من خلال توقيع الاتفاقيات وتبادل الزيارات للمعنيين بقطاع الاقتصاد والتجارة في البلدين، لتطوير العلاقات بين الدولتين، بل وربط باكستان مع دول آسيا عبر شمال أفغانستان، مقابل ربط أفغانستان مع الهند عبر منفذ واهكه الحدودي بين باكستان والهند. غير أن كل الجهود الرامية إلى تطوير قطاع الاقتصاد والتجارة بين الجارتين التي تربطهما حدود تتجاوز 2500 كيلومتر مرهونة بأمن أفغانستان والمنطقة.
في هذا الصدد، قال الناطق باسم الرئاسة الأفغانية، دوا خان مينه بال، في تعليقات لـ "العربي الجديد"، إن باكستان تسعى إلى تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية مع بلادنا، لكننا أوضحنا لهم أن ذلك مرهون بتعاون إسلام أباد مع كابول في إحلال الأمن. ويضيف مينه بال أن الحكومة الأفغانية أوضحت خلال الزيارات الأخيرة للمسؤولين الباكستانيين أنه لا يمكن إحراز أي تقدم فيما يخص العلاقات التجارية والاقتصادية، حتى تقوم باكستان بدورها في إحلال الأمن والسلام في أفغانستان، وذلك من خلال إرغام الجماعات المسلحة على قبول المصالحة مع الحكومة الأفغانية، والتوقف عن مساندتها، مشيراً إلى أن ما فعلته الحكومة الباكستانية حتى الآن تكرار وعود لا صدى لها على أرض الواقع، من هنا لا يمكن أن تتكلل الجهود الرامية إلى تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية بنجاح حتى ترضخ باكستان لمطالب الشعب الأفغاني.
لكن السفير الباكستاني لدى كابول، زاهد نصر الله، يؤكد، في حوار خاص له مع قناة شمشاد الأفغانية، الأسبوع الماضي، أن باكستان تعمل على ثلاثة مسارات مختلفة لتطوير علاقاتها مع جارتها أفغانستان، وهي: توطيد علاقاتها التجارية والاقتصادية معها، وقد حصلت الكثير من الزيارات والتطورات بهذا الخصوص، كما أنها غيرت الكثير من الإجراءات لصالح التجار الأفغان. أما المسار الثاني فهو عملية السلام في أفغانستان.
ومعروف أن إسلام أباد تبذل قصارى جهدها لإحلال الأمن والسلام في أفغانستان، إذ أن الأمن فيها لا محالة ينسحب إيجاباً على الوضع في المنطقة برمتها. والمسار الثالث هو أن تكون أفغانستان بمثابة جسر بين باكستان ودول آسيا الوسطى. وبحسب نصر الله، تعمل باكستان مع الحكومة الأفغانية للربط بين الدول كلها، وأن تلعب كابول دورها في هذا الخصوص.
وتعليقا على العلاقات التجارية والاقتصادية بين كابول وإسلام أباد وما يتطلع إليه البلدان، يقول الخبير الأفغاني والمتخصص في الشؤون الاقتصادية الدكتور عبد الله صادق، في تعليق لـ "العربي الجديد"، إن أية محاولة لإحلال السلام في المنطقة عموماً وفي أفغانستان على وجه الخصوص لها آثار كبيرة على الوضع التجاري والاقتصادي، مشيراً إلى قضيتين مهمتين: إحداهما أن قطاع التجارة والاقتصاد في أفغانستان غير آمن، ما يعني أن الكثير من التجار والمتمولين لا يحبون استثمار أموالهم لتعزيز التجارة والاقتصاد بين الدولتين، "ونحن نعرف يومياً قضايا اختطاف واغتيال التجار" على حد تعبير صادق. أما القضية الثانية، فهي أن الشؤون التجارية والاقتصادية في البلدين تابعة للقضايا السياسية، ولا توجد حركة تجارية حرة كي تمضي إلى الأمام بشكل طبيعي.
وكما أشار السفير الباكستاني، كان الطريق إلى دول آسيا الوسطى من أهم مطالب باكستان خلال الزيارات الأخيرة، تحديدا زيارة وزير الاقتصاد الأفغاني نثار أحمد غورياني لإسلام أباد، الأسبوع الماضي، حيث طلب مستشار رئيس الوزراء الباكستاني عبد الرزاق داود من الجانب الأفغاني العمل لإتاحة الفرصة للربط بين باكستان ودول آسيا الوسطى، وأن تلعب كابول دور الجسر في هذا الخصوص، مؤكداً أن هناك فرصا كثيرة لتطوير قطاع التجارة بين البلدين وبين دول آسيا الوسطى.
لكن ثمة عائق في تحقق حلم باكستان وصول بضائعها إلى أسواق دول آسيا الوسطى وبضائع دول آسيا الوسطى إلى أسواق باكستان، وهو مطلب كابول بالحصول على طريق إلى أسواق الهند عبر باكستان، إذ تسعى حكومة الرئيس الأفغاني أشرف غني منذ البداية إلى أن يكون منح الطريق الباكستاني إلى دول آسيا مقابل منح إسلام أباد كابول الطريق إلى الهند عبر نقطة واهكه الحدودية، وهو الأمر الذي رفضته باكستان، ولا تزال. غير أن أفغانستان مصرة على ذلك، حيث أكد وزير الاقتصاد الأفغاني نثار أحمد غورياني، خلال زيارته الأخيرة، أن بلاده تسعى لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري مع باكستان، وكي تمنح الأخيرة لها طريقا إلى الهند كي تصل البضائع الأفغانية إلى الأسواق الهندية، والعكس صحيح. لكن يبدو أن إسلام أباد لن تلبي هذا المطلب بسبب العداء القائم بين إسلام أباد ونيودلهي.