وافق البرلمان التونسي أخيراً على قانون الإنعاش الاقتصادي الذي يتضمن تسوية لمخالفات الصرف الأجنبي للشركات والأفراد والسماح لكل التونسيين بفتح حسابات بالعملة الأجنبية لأول مرة، بعدما فشل في جولة سابقة في المصادقة عليه بسبب جبهة رفض شديدة شكلتها المعارضة البرلمانية ومنظمات مدنية طلبت عدم تمريره.
وأعلنت المعارضة البرلمانية تقديم طعن رسمي بقانون الإنعاش. حيث أكد عضو الكتلة الديمقراطية ورئيس لجنة المالية هيكل المكي أن الكتلة وعدداً من المستقلين تقدموا بعريضة طعن بالمشروع لدى الهيئة الوطنية لمراقبة دستورية القوانين.
وقال المكي في تصريحات إعلامية، إن مشروع القانون يتضمن فصولاً ترتقي إلى جريمة تبييض الأموال، مؤكدا الرفض القطعي لقبول نصوص تشريعية تفسح المجال لمبيضي الأموال والمهربين بإضفاء مشروعية على أموال مجهولة المصدر.
ويسمح مشروع القانون، الذي عجّلت الجائحة الصحية النظر فيه، للشركات بالحصول بسهولة على قروض لمواجهة المصاعب الاقتصادية، وسيسمح للدولة التي تعاني من أسوأ أزمة اقتصادية باستقطاب أموال أكبر من السوق السوداء عبر مصالحة مع مخالفي قوانين الصرف والمهربين، بحيث يمكنهم إيداع أموالهم في البنوك مقابل حسم في حدود 10 في المائة من قيمتها.
كما تضمن القانون فصولاً تنص على توفير الحكومة خط تمويل للمؤسسات المتضررة من جائحة كورونا بقيمة 3 مليارات دينار، بنسبة فائدة سنوية لا تتجاوز 3 في المائة مع فترة سداد لسبع سنوات. وتضمن قانون الإنعاش الاقتصادي فصلا لتحريك قطاع التطوير العقاري بتمكين التونسيين من شراء مساكن بقروض لا تزيد فائدتها عن 3 في المائة مع فترة سداد تمتد إلى 40 عاماً.
تشكيك ومخاوف
وانتقد الخبير المالي وليد بن صالح الفصل المتعلّق بجرائم الصرف، مؤكداً في حديث مع "العربي الجديد"، أن مشروع القانون يفسح المجال أمام المهربين والناشطين في السوق السوداء لتبييض أموالهم عبر إيداعها في البنوك وإعادة التصرف بها لاحقاً.
وأشار إلى أن هذا الإجراء خطير ومخالف لمبدأ العدالة الجبائية التي تفرض ضرائب بأكثر من 20 في المائة على أموال العاملين في القطاعات المنظمة. واعتبر الخبير الاقتصادي أيمن الوسلاتي أن الإجراءات الخاصة بتنشيط القطاع العقاري غير قابلة للتطبيق نظراً إلى غياب خطوط التمويل لتوفير سيولة كافية للبنوك لإقراض العملاء بنسبة فائدة منخفضة وفترة سداد تصل إلى 40 سنة.
ورجح أن تبقى هذا الإجراءات حبراً على ورق نتيجة عدم قدرة الحكومة على التدخل لتوفير السيولة للقطاع المصرفي. وقال الوسلاتي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة تقترض من البنوك لتمويل الموازنة بنسبة فائدة تصل إلى 8.5 في المائة، وهي غير قادرة على توفير خطوط تمويل طويلة الأمد، مرجحاً أن تكون الإجراءات الجديدة مقيدة بشروط سيتم ضبطها في نصوص ترتيبية مقبلة.
في المقابل، قال عضو اتحاد الصناعة والتجارة ورئيس غرفة المطورين العقاريين فهمي شعبان إن قانون الإنعاش الاقتصادي خطوة مهمة نحو تحريك واحد من أهم القطاعات في البلاد، معتبراً أن تيسير إجراءات شراء المساكن عبر تخفيف أعباء الفوائد البنكية والنزول بها إلى حدود 3 في المائة سيدخل ديناميكية جديدة في قطاع يوفر أكثر من نصف مليون فرصة عمل.
وأفاد شعبان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، بأن تونس محتاجة إلى كل أجنحتها من أجل الإقلاع الاقتصادي ما بعد الجائحة الصحية، مشدداً على ضرورة الإسراع بإصدار الأوامر الترتيبية للمرور سريعاً نحو تطبيق فصول القانون.
اعتراضات ومآخذ
وكانت منظمة "أنا يقظ"، المتخصصة في مكافحة الفساد، قد اعترضت على مشروع القانون، ودعت في بيان لها أعضاء البرلمان إلى عدم المصادقة عليه، معتبرة أنه يمثل التفافا على القوانين.
واعتبرت المنظمة أن مشروع القانون يؤدي إلى تراجع مهم في الإيرادات الضريبية للدولة في ظرف اجتماعي واقتصادي متأزم، تحتاج فيه تونس لأبسط الموارد حتى تتمكن من مواجهة عجزها الصحي عاجلا.
وشرح مهاب بن قروي، العضو في "أنا يقظ"، أن موقف المنظمة من قانون الإنعاش الاقتصادي كان واضحا منذ البداية، حيث تمت معارضته منذ مناقشته في اللجنة المالية.
وأكد بن قروي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن القانون يتعارض مع فصول الدستور المتعلقة بالعدالة الجبائية، ويفسح المجال للتهرب الضريبي ويشجع أباطرة التهريب والسوق السوداء الذين يستفيدون من تفكك أجهزة الدولة، معتبرا أن القانون منح لأموالهم الشرعية بالعفو عن جرائم الصرف.
وأفاد في سياق متصل بأنه لا يمكن لاقتصاد يعاني من صعوبات هيكلية أن ينتعش من أموال غير مشروعة وتهرب ضريبي، لافتاً إلى أن مشروع القانون يزيد من توسعة الاقتصاد غير الرسمي على حساب القطاعات المنظمة ودافعي الضرائب.
وقال وزير التجارة السابق والخبير في المالية محسن حسن، في تدوينة على "فيسبوك"، إن "الإجراءات المعلن عنها في قانون الإنعاش الاقتصادي وتسوية مخالفات الصرف ذات العلاقة، غير قابلة للتحقيق في ظل تردي المقدرة الشرائية للمواطن ووضعية السيولة البنكية وكذلك وضعية المالية العمومية".
وأضاف حسن أنه "كان من الأفضل اتخاذ إجراءات جبائية قابلة للتحقيق تتعلق بمعايير التسجيل ونسبة الأداء الضريبي على القيمة المضافة المرتبطة بشركات البعث العقاري أو دعم نسب الفائدة على القروض الممنوحة للشرائح الاجتماعية". ودخلت تونس في مفاوضات مع صندوق النقد بشأن برنامج قرض يساعدها في الخروج من أزمتها الخانقة وتسديد ديون خارجية حان أجل سدادها.
حاجة للدعم
وتسعى الحكومة إلى إقناع الدول الشريكة بجديتها في مكافحة الركود الاقتصادي، حيث عرض رئيس الحكومة هشام المشيشي على سفراء مجموعة الدول السبع الصناعية، وسفير الاتحاد الأوروبي في تونس، لمحة عن قانون الإنعاش الاقتصادي وتسوية مخالفات الصرف، الذي صادق عليه البرلمان، والإصلاحات الهيكلية التي تنوي تونس القيام بها لتجاوز آثار الأزمة الاقتصادية في ظل انتشار فيروس كورونا.
وكانت وكالة "فيتش" للتصنيفات الائتمانية قد خفضت تصنيف تونس من "بي" إلى "بي ناقص" مع زيادة مخاطر السيولة المالية الخارجية، بسبب التأخير في التوصل إلى اتفاق على برنامج تعاون مالي جديد مع صندوق النقد الدولي.
واعتبرت وكالة التصنيف "فيتش" أن التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد أمر ضروري للوصول إلى دعم الميزانية من قبل الدائنين الرسميين. وأضافت الوكالة أن عدم القيام بالإصلاحات الاقتصادية اللازمة والقوية يجعل إعادة هيكلة ديون البلاد أمرا ضروريا قبل تقديم أي دعم مالي إضافي لتونس.