الاحتلال يشن حرب إبادة زراعية وبيئية جنوبي لبنان

05 يونيو 2024
ألسنة اللهب تتصاعد من مبنى زراعي في سهل الخيام بعد القصف الإسرائيلي (جلاء مرعي/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الأراضي الزراعية في لبنان تعاني من خسائر فادحة بسبب استخدام الفوسفور الأبيض من قبل الجيش الإسرائيلي، مما أدى إلى احتراق ملايين المترات المربعة من الأراضي والغابات، وتسبب في أضرار بيئية واقتصادية كبيرة.
- الفوسفور الأبيض يلوث التربة ويجعلها غير صالحة للزراعة لفترات طويلة، مهدداً التنوع البيولوجي والنظم البيئية، ويتطلب دراسات مفصلة لتحديد مدى الضرر وإمكانية إعادة تأهيل الأراضي.
- الاعتداءات تسببت في تهديد حياة الحيوانات والطيور والحشرات، مؤثرة سلباً على النظم البيئية والتنوع البيولوجي، وتعرض قطاع تربية النحل والأشجار المعمرة لأضرار جانبية تؤثر على الإنتاج الزراعي.

 

تتزايد خسائر القطاع الزراعي في لبنان يومياً في ظلّ استمرار المواجهات العسكرية على الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة واعتماد جيش الاحتلال الإسرائيلي سياسة الأرض المحروقة، مستخدماً بكثافة قنابل الفوسفور الأبيض المُحرَّم دولياً في اعتداءاته المباشرة على الأحراج والأراضي الزراعية، حيث فاقت المساحة الإجمالية للحرائق الـ15 مليون متر مربع.

وخلال الأيام الماضية، كثّف جيش الاحتلال استخدامه قنابل الفوسفور الأبيض خلال قصفه القرى والبلدات الحدودية جنوبي لبنان، ما أدى إلى اشتعال حرائق ضخمة وإلحاق أضرار كبيرة بالأنظمة البيئية، مع تسجيل المزيد من التدمير للمحاصيل الزراعية التي تعتبر مصدراً رئيسياً للعديد من الأسر والعائلات الجنوبية.



خسائر زراعية بسبب الاحتلال


تُقدّر خسائر القطاع الزراعي بمليارات الدولارات، علماً أنّ الأرقام لا يمكن تحديدها بدقة ولا تحديد طبيعة الضرر في ظلّ استمرار الحرب وقبل سحب جميع العيّنات من التربة والأراضي التي يتم قصفها، حيث إن القصف الإسرائيلي يطاول نحو 55 بلدة جنوبية ويؤدي إلى إحراق مساحات شاسعة من الغابات، والقضاء على آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية، إضافة إلى نفوق أعدادٍ كبيرة من الماشية والطيور، وتضرّر خيم زراعية وتدمير كلي لمستودعات الأعلاف، حسب ما أكدت وزارة الزراعة في أكثر من بيان.

وتبعاً لوزارة الزراعة اللبنانية، فإنّ "القطاع الزراعي يشكل ركناً أساسياً ومصدر دخل لحوالي 70 في المائة من سكان الجنوب، ويعتمد العديد من المزارعين في معيشتهم مائة في المائة على القطاع الزراعي، من خلال تربية الأبقار والأغنام والنحل".
في هذا الإطار، تقول الأمينة العامة للمجلس الوطني للبحوث العلمية تمارا الزين لـ"العربي الجديد"، إنّ "نحو 1570 هكتارا هي المساحة الإجمالية التي طاولتها حرائق نتجت عن القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حتى الخامس من مايو/ أيار الماضي، وذلك حسب أحدث بيان صادر عن المجلس الوطني في 21 مايو". وأشارت الزين إلى أن "القصف أدى إلى احتراق عشرات الآلاف من أشجار الزيتون والسنديان والأشجار المثمرة".
وحسب تقرير المجلس، فإنّ مساحة الحرائق (هكتار بحسب كل نوع)، بلغت: 763 في غابات سنديان كثيفة، 376 غابات سنديان قليلة الكثافة، 204 أرض شجيرات تتضمن بعض الأشجار الكبيرة المتفرقة، 105 زيتون، 32 موز، 37 حمضيات، 37 مراعٍ، 9 شجيرات، 3 أشجار فاكهة.



الاحتلال يستخدم الفوسفور المحرم دولياً


وقالت الزين إنّ "العدو الإسرائيلي يستخدم الفوسفور المحرَّم دولياً وبشكل متعمّد لأذية البيئة والإضرار بالمحاصيل الزراعية، وقد صعّد اعتداءاته في هذا الإطار، وهو ما يمكن ملاحظته عند مقارنة المساحات المحروقة بين إبريل/ نيسان ومايو، وقد ارتفعت خلال هذه الفترة فقط من عشرة ملايين متر مربع إلى 15 مليون متر مربع".
وأشارت إلى أنّ "الأرقام التي ينشرها المجلس الوطني دقيقة وتعتمد على تحليل صور الأقمار الصناعية، والمقارنة بين صور قديمة للمساحات وتلك الجديدة، وهذه الصور تبيّن بوضوح الأراضي المحروقة وتلك التي لا تزال خضراء، والمعطيات بالتالي علمية وليست مبنية على التقديرات".
في المقابل، تشير الزين إلى أنه "لا يمكن الآن معرفة أو تحديد متى يمكن للأرض أن تعود صالحة للزراعة، فهذا الأمر يحتاج إلى دراسة علمية مفصّلة، تحصي نسبة المعادن الثقيلة في الأرض نتيجة القصف، وكذلك الفوسفور في التربة، وغير ذلك، وهذه كلّها مطلوبة لمعرفة الأضرار غير المباشرة، بعكس الأضرار المباشرة التي يمكن إحصاؤها باحتساب المساحات المتضررة، لكن ذلك ينتظر معطيات شاملة لم تتوفر بعد، ولا سيما على صعيد البنى التحتية، وذلك في ظلّ استمرار القصف".

أما القرى التي كان لها النصيب الأكبر من الاعتداءات بالقنابل الفوسفورية والحارقة فهي الظهيرة، كفركلا، الخيام، حولا، ميس الجبل، يارين، مركبا، عيتا الشعب، عديسة، مرجعيون وعلما الشعب، جنوبي لبنان.
وأشارت الزين إلى أنّ "الأضرار التي أصابت القطاع جراء الاعتداءات الإسرائيلية العنيفة سترخي بتداعياتها على الزراعة وعلى الإنتاج الحيواني والثروة الحيوانية، ويتطلب الأمر خطة للنهوض مجدداً به تحتاج إلى تكاليف باهظة".

وحسب دراسة حديثة للمركز اللبناني للدراسات، تمثل الزراعة ما يناهز خمسة في المئة من إجمالي الناتج المحلي في لبنان، وتستأثر بثمانية في المئة من اليد العاملة الفعّالة. ويُعتبر القطاع، بالإضافة إلى إنتاجه الزراعي مساهماً رئيسياً في صناعة الأغذية الزراعية المهمة في لبنان والتي بدورها تساهم بنسبة خمسة في المئة إضافية في إجمالي الناتج المحلي، وتوفّر فرص العمل لشريحة إضافية من القوى العاملة الفعّالة بنسبة ثمانية في المئة، وباتت تشكّل مصدراً رئيسياً ومتزايداً للوظائف في الاقتصاد.
وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس الحاج حسن أكد في تصريحات سابقة أن "الضربات الإسرائيلية على جنوب لبنان منعت المزارعين في القرى الجنوبية المتاخمة للأراضي الفلسطينية المحتلة من الوصول إلى أراضيهم لجني الثمار أو زراعة المحاصيل ومواصلة النشاط الزراعي، وهو ما أثر على ما يصل إلى 30 في المئة من الإنتاج الزراعي اللبناني".



سياسة الأرض المحروقة


من جهته، يقول رئيس جمعية "الجنوبيون الخضر" هشام يونس لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأثر المترتّب على القطاع الزراعي كبير جداً، وبجانب رئيسيٍّ منه يطاول التنوّع البيولوجي"، لافتاً إلى أنّ "العدو الإسرائيلي يتقصّد مع بداية الحرب، وتحديداً منذ 10 أكتوبر الماضي، يوم استهدف سهل الماري، ومن خلال تكثيف استخدامه الفوسفور الأبيض المحظور، اعتماد سياسة الأرض المحروقة وارتكاب إبادة بيئية في الجنوب اللبناني".

ويشير يونس إلى أنّ "الخسائر البيئية والزراعية فادحة، إذ نتحدث عن احتراق وتدمير ما يفوق 2400 دونم من غابات السنديان وبساتين الزيتون والصنوبر وأنواع عدّة من الشجيرات والنباتات التي تغطي المساحات الحرجية"، لافتاً إلى أنّ "بعض الخسائر قد يستغرق سنين طويلة لمعالجته حتى يعود صالحاً للزرع والحياة، علماً أن تقدير الوقت يتصل بجملة دراسات يجب القيام بها، ومعرفة درجة التعرض للتلوث الذي لحق بالتربة، ما يستدعي معالجة معقدة ومكلفة، ويمكن للمخلفات السامة في التربة أن تؤثر على نمو المحاصيل".

ويلفت إلى أن "العدو يعيد قصف الأرض بالفوسفور، أكثر من مرّة، وبكثافة حتى بعد احتراقها، لتسميم وتلويث التربة بشكل كامل، وهو ما يدل على نواياه لضمان القضاء عليها وجعل المنطقة غير قادرة على الحياة، وعرقلة عودة أهالي القرى والبلدات الحدودية".



تدمير أشجار معمّرة


ويشدد يونس، في حديث لـ"العربي الجديد"، على أنّ "الخسائر ليست محلية فقط، ولا ترتبط بالعمق والمديين الطويل والقصير، إذ هناك تدميراً لا يمكن تعويضه، إذ طاول أشجاراً معمّرة توفّر المأوى أيضاً لأنواع من الحشرات والطيور، ما يعني القضاء على نظام بيئي صغير ضمن نظام بيئي أكبر، هناك أيضاً نباتات تحت الشجر مهددة بالانقراض، وبعضها متفرّد، كتلك الموجودة على سفوح جبل حرمون، ولا تقديرات لغاية الساعة بفعل تواصل الحرب لمدى الأضرار التي لحقت بها، عدا عن استهداف جبل صافي الذي يضمّ واحدة من أقدم وأجمل غابات السنديان المعمّرة، ومثله جبل الريحان".
ويردف: "على سبيل المثال، هناك خسائر كبيرة أصيب بها قطاع تربية النحل، في ظل تدمير مئات الأقفار (بيوت النحل)، على سبيل المثال منها أكثر من 400 في بلدة ميس الجبل وحدها، بحسب التقديرات الأولية التي وصلتنا، علماً أنّ تربية النحل ازدادت كثيراً خلال السنوات الخمس الماضية".

ويضيف: "هنا نتحدث عن أنشط حشرة بين الملقحات جرى تدمير واسع لها باستخدام الفوسفور الأبيض والحارق، الذي له ضرر زراعي كبير، من دون أن ننسى دور النحل وتأثيره على المنتج الزراعي وحيوية الغابات والتنوّع البيولوجي، كما جرى تدمير موائل طبيعية تاريخية للحيوانات اللاحمة الجوّالة، مثل ابن آوى الذهبي في منطقة اللبونة وحتى عيتا الشعب، وحيوانات لها حقوقها، وتُعَدّ جزءاً من حيوية النظام البيئي وإنتاج الأراضي الزراعية، لذلك نشدد على نية العدو في حرق نظم بيئية كاملة".



تهديد الحيوانات والطيور


ومن المعروف أن الاستخدام المتواصل لقوات العدو للقنابل الفوسفورية المحرّمة يؤدي إلى تدمير وقتل أو إصابة أنواع مختلفة من الكائنات الحية بما في ذلك الثدييات والطيور والحشرات التي تضمّها، كما يؤدي إلى فقدانها لملاذاتها، مع الإشارة إلى أنّ الحيوانات التي تتعرّض للفوسفور الأبيض تعاني من حروق وإصابات خطيرة يصعُب في أغلب الحالات الوصول إليها أو علاجها، وهو ما يؤدي إلى نفوقها بعد معاناة، ما يتسبب في المقابل بإلحاق ضرر كبير بالنظم البيئية واستدامتها.
وشرحت جمعية "الجنوبيون الخضر" مخاطر الفوسفور الأبيض على الحياة البرية والبيئة، قائلة: "تؤدي قنابل الفوسفور الأبيض عند تفجيرها في الجو إلى نشر 116 شظية مشتعلة مشربة بالمادة تشتعل عند ملامستها الأوكسجين وتنتشر، بحسب الارتفاع الذي تنفجر فيه وحالة الرياح، على مساحة كبيرة متسببة بآثارٍ مدمرة للحياة البرية والأراضي الزراعية كما على المحاصيل في المناطق المستهدفة، وفي هذه الحالة المنطقة الممتدة على طول الحدود مع فلسطين المحتلة، والتي تمتاز بأحراج السنديان المعمر وبساتين الزيتون المعمرة بالإضافة إلى الأنواع الحرجية الأخرى، من بينها الخرنوب والصنوبر".

كما أن من شأن استخدام الفوسفور الأبيض تلويث مصادر المياه وتهديد النظم البيئية المائية للأحواض والأنهر والجداول وبشكل أكثر خطورة نظام الأراضي الرطبة، ما يؤدي إلى تدهورها وإصابة أو نفوق الأنواع المائية من أسماك وطيور وحشرات وبرمائيات.

المساهمون