قديماً قيل إذا عطس الدولار الأميركي أصيبت أسواق الصرف الأجنبي والعملات في كل دول العالم بالزكام، وإذا عطست الولايات المتحدة أصيب الاقتصاد العالمي بنزلات برد شديدة، وإذا عطست أسواق "وول ستريت" أصاب رذاذها الشديد بورصات العالم، وأصاب مؤشراتها صداع حاد.
ينطبق ذلك على ما حدث في سورية خلال الأيام الماضية، فقد عطس لبنان، اقتصاداً ومصارف وعملة ومؤشرات وتصنيفات ائتمانية، فأصاب الاقتصاد السوري وعملته، الليرة، وأسواقه التجارية ومحاله ومصانعه في مقتل، وأصاب الجنون الأسعار داخل البلد المحاصر بالعقوبات الغربية منذ سنوات، إذ زادت بنحو 35% في غضون أيام قليلة.
منذ يوم 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي شهد لبنان انتفاضة شعبية ضد فساد النخب الحاكمة والفساد والضرائب والبطالة وزيادة الأسعار، وبسبب غيوم المشهد اللبناني وعدم وجود حلحلة للأزمة السياسية اندفع اللبنانيون نحو البنوك لسحب أربعة مليارات دولار ووضعها تحت البلاطة في منازلهم.
ولاحتواء قلق المودعين واختفاء الدولار من الأسواق، سارع مصرف لبنان المركزي إلى وضع قيود شديدة على عمليات السحب النقدي وتحويل الأموال إلى الخارج.
وانعكس ذلك بشكل سريع على الاقتصاد السوري، خاصة أن حجم ودائع السوريين في مصارف لبنان تقدر بنحو 20 مليار دولار كانت تحولت بعض عوائدها إلى داخل سورية، وبسبب وقف تدفق الأموال من بيروت إلى دمشق، وإقبال رجال أعمال لبنانيين على شراء الدولار من سورية لتمويل أنشطتهم التجارية والاستثمارية، تهاوت الليرة السورية بشكل سريع، لتفقد ثلث قيمتها أمام الدولار في فترة لا تزيد على شهر ونصف الشهر.
ما يحدث في لبنان، الذي كان لسنوات أحد أبرز مصادر النقد الأجنبي لسورية، ليس هو فقط ما يغذي أزمات الاقتصاد السوري ويقضي على ما تبقى منه خلال الفترة المقبلة، فهذا الاقتصاد بات تحت سيطرة إيران وروسيا الداعمين الرئيسيين لنظام بشار الأسد، وكذا الصين.
والممولون الدوليون لنظام الأسد باتوا يعانون من مصاعب مالية حادة، وفي المقدمة النظام الإيراني الذي جففت العقوبات الأميركية المفروضة على قطاعه النفطي إيراداته من النقد الأجنبي وطردت الاستثمارات الأجنبية منه. والاحتياطي النقدي لدى مصرف سورية نفد أو أشرف على النفاد.
والنفط السوري بات في يد الولايات المتحدة كما قال دونالد ترامب قبل أيام، حين أعلن أن بلاده وضعت النفط في سورية تحت سيطرتها وبات بمقدورها التصرف به كما تشاء.
ونظام بشار الأسد، الذي يواصل قتل شعبه بدم بارد، يقف متفرجاً على نهب ثروات بلاده، بل يشارك في أكبر عملية نهب منظم ومتواصل لثروات بلد عربي، وراح يوزع ما تبقى من ثروات ومشروعات على داعميه الإقليميين وبالأمر المباشر، كما أعلن وزير الأشغال العامة والإسكان السوري، سهيل عبد اللطيف قبل أيام.
ولم يحرك بشار ساكنا تجاه نهب ثروات بلاده من قبل إدارة ترامب، واكتفى باتهامها بسرقة النفط، كما يكتفي بالتنديد كلما هاجمت قوات الاحتلال الإسرائيلي الأراضي السورية من وقت لأخر. كما اكتفت روسيا، الداعم الأساسي للنظام بوصف عمليات نهب النفط السوري بأنها "لصوصية دولية".
حتى الأموال التي كانت تتدفق من إيران والعراق على نظام الأسد وعبر الحدود السورية العراقية تراجعت بشدة بسبب الانتفاضة الشعبية التي تمر بها العراق.
الاقتصاد السوري مرشح للانهيار خلال الفترة المقبلة إذا ما تواصلت أزمات لبنان والعراق وإيران والعقوبات الغربية، والمواطن السوري بات على موعد مع قفزات جديدة في الأسعار وانهيار متواصل في عملته التي تراجعت قيمتها من 47 لليرة للدولار في العام 2011 إلى ما يقرب من ألف ليرة حاليا.