أقرّ البرلمان اللبناني، اليوم الإثنين، اقتراح القانون المُعجَّل المُكرَّر القاضي بتعليق العمل بالسرية المصرفية لمدّة سنة، وفقاً للقرار الذي صدر عن مجلس النواب رداً على رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون.
ويدمج الاقتراح أربعة اقتراحات مقدَّمة من كتل "التنمية والتحرير"، "الجمهورية القوية"، "اللقاء التشاوري"، والنائب فؤاد مخزومي. وقال رئيس البرلمان نبيه بري خلال الجلسة العامة التشريعية التي عقدت اليوم الإثنين في قصر الأونيسكو وعلى جدول أعمالها 68 بنداً، إن المجلس له الحق في اتخاذ 3 أمور كردّ على رسالة رئيس الجمهورية، وقد اتخذ الأقصى بإصدار القرار، وذلك على أساس أن تكون مؤسسات الدولة كافةً، من مصرف لبنان والوزارات والإدارات والمؤسسات العامة خاضعة للتدقيق المالي أو الجنائي، ونحن اليوم مدعوون للوصول الى موقفٍ نؤكد من خلاله أننا كمجلس نواب نحترم ما قرّرناه".
ووجه الرئيس اللبناني بتاريخ 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، رسالة إلى مجلس النواب بواسطة رئيسه نبيه بري، من أجل "التعاون مع السلطة الإجرائية بهدف تمكين الدولة من إجراء التدقيق المحاسبي الجنائي في حسابات البنك المركزي، وانسحاب التدقيق بمعاييره الدولية كافةً على سائر مرافق الدولة العامة، تحقيقاً للإصلاح المطلوب وبرامج المساعدات التي يحتاج إليها لبنان في وضعه الراهن والخانف".
وعرض الرئيس عون في رسالته، المراحل التي قطعها إقرار التدقيق المحاسبي الجنائي منذ 24 مارس/آذار الماضي والقرارات التي اتخذها مجلس الوزراء في هذا الصدد، وصولاً إلى التعاقد مع شركة "الفاريز ومارسال" للقيام بمهمة التدقيق الجنائي، وأبرز العراقيل التي ظهرت وحالت دون مباشرة الشركة لمهمتها ولا سيما موضوع السرية المصرفية والتمنّع عن تسليم المستندات والمعلومات المطلوبة بالرغم من الحماية القانونية التي توافرت لهذا التسليم وصولاً إلى حدّ طلب الشركة إنهاء العقد في 20 نوفمبر /تشرين الثاني الماضي.
في السياق، قال رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان، إنّ "المجلس النيابي أثبت جديته بالتدقيق الجنائي وترجم طلب رئيس الجمهورية قانوناً وقد أخذت حماية أموال المودعين مسارها العملي الصحيح وما حصل اليوم بداية تجب متابعتها".
وأشار كنعان إلى أنّ الحكومة مطلوبة في أقرب فرصة، لأنها الأساس في عملية التطبيق والتنفيذ على مستوى الشفافية ومكافحة الفساد لاستعادة الثقة.
من جهته، شدد رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان، على أنّ اقتراح رفع السرية المصرفية أصبح قانوناً اليوم ولا أحد يستطيع التذرع بأي شيء لرفض التدقيق الجنائي. وبتحقيق هذا الهدف، سنعلم بكل المخالفات والفساد الحاصل في الماضي، وهذا الأمر هو بمثابة إنجاز.
ويعد إطلاق ورشة التدقيق الجنائي في حسابات البنك المركزي من أهم البنود الواردة في خطة الإنقاذ الاقتصادي التي أقرّتها الحكومة اللبنانية في إبريل/نيسان الماضي، والتي واجهتها المصارف برؤية خاصة بها، ما جعل لبنان في موقفٍ ضعيف جداً ومشتّت خلال المحادثات التي كان يجريها مع صندوق النقد الدولي، وأدت الخلافات الداخلية إلى عرقلتها.
ولا يزال اللبنانيون يعانون من القيود التي وضعتها المصارف قبل أكثر من سنة، ولا سيما حجز ودائعهم بالعملة الصعبة، في وقتٍ فاحت رائحة التحويلات الخارجية والأموال المنهوبة وتلك التي حوِّلت للخارج بملايين الدولارات بينما كان اللبناني يقف في طوابير بانتظار الحصول على ما لا يتعدى الـ500 دولار من الوديعة، قبل أن يصبح ممنوعاً عليه السحب بالدولار.
وقد نزل اللبنانيون إلى الشارع في مناسبات كثيرة للمطالبة بمعرفة من هرّب الودائع وسرق أموالهم ووضعهم رهن تجار السوق السوداء الذين يتاجرون بالعملات ويتحكمون بسعر الصرف الذي وصل سابقاً إلى 10 آلاف ليرة لبنانية للدولار وهو يعاود اليوم ارتفاعه وتجاوزه خطّ الـ8000 ليرة لبنانية، ما انعكس غلاءً في الأسعار يرجح ارتفاعها الكارثي بالتزامن مع خطة ترشيد أو رفع الدعم عن سلع ومواد أساسية في حياة المستهلك اللبناني.
في الإطار، قرّر مجلس النواب اليوم تحويل اقتراح القانون المعجَّل المُكرَّر الرامي إلى استرداد الأموال النقدية والمحافظ المالية المحوَّلة إلى الخارج، إلى اللجان المشتركة على أن ينجز بمهلة 15 يوماً في اللجان.
من ناحية أخرى، أشار الرئيس ميشال عون خلال لقاءاته اليوم، إلى أنّ "الفساد هو الكارثة الأكبر في لبنان، لأنه كالمرض المزمن مستمر في الزمان، ولا إصلاح في لبنان إذا لم يتم القضاء عليه"، لافتاً، إلى أنّ "هذه الآفة لها جمهورها في لبنان لكن لها أيضاً قادتها. واليوم نحن في صراع ليس فقط في تأليف الحكومة، لكن في معركة محاربة الفساد التي توازيها معركة تأليف الحكومة".
وأضاف عون أن "معركة القضاء على الفساد دقيقة جداً، لكننا لن نتراجع أبداً. هذا وعد قطعناه على أنفسنا، وأقسمنا اليمين في شأنه ولن نتراجع"، مشيراً، إلى أنه "إن لم نقم بهذه المعركة اليوم فلا قيامة لنا أبداً، ودول العالمكافةً داعمة لنا بها".
وكشف "أن فرنسا التي تريد أن تساعدنا تطالب بالتدقيق المالي، والولايات المتحدة كذلك تماماً كالبنك الدولي. لكن هناك مقاومة لا تزال قوية بوجهه، لأن ما من أحد من الفاسدين يرضى بتسليم نفسه".