استمع إلى الملخص
- الحزبان الرئيسيان، المحافظون والعمال، يقدمان وعوداً بتعزيز نظام المعاشات وخفض الضرائب، رغم التحديات المالية الكبيرة مثل الديون العالية وأسعار الفائدة المرتفعة.
- تحليلات تشير إلى أن تغييرات جذرية في السياسة المالية لحزب المحافظين قد تعتمد على نمو اقتصادي ملموس، بينما يركز حزب العمال على الإنفاق على الخدمات العامة في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة.
مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية البريطانية في الرابع من يوليو/تموز، يعيش البريطانيون في ترقّب لما قد تفرزه هذه الانتخابات من تغييرات تؤثر بشكل مباشر على أوضاعهم المعيشية، حيث تتجه الأنظار إلى السياسات الاقتصادية والمالية التي قد تنتهجها الحكومة القادمة، سواء بقي حزب المحافظين في الحكم أو فاز حزب العمال بالأغلبية.
ويحاول الحزبان استقطاب الناخبين بوعود تتعلق بتعزيز نظام المعاش (التقاعد) وخفض الضرائب، إلا أن الواقع المالي للبلاد التي تقرب فيها الديون من 100% من الناتج المحلي الإجمالي، يجعل الكثير من الوعود مجرد حبر على ورق وبعيدة عن التحقق على أرض الواقع. وأياً كان الفائز، فسيكون محاصراً بتلال من الديون وأسعار الفائدة المرتفعة ومعدل نمو منخفض.
وتعد حالة الاقتصاد، القضية الأهم بالنسبة لمعظم الناخبين اليوم، وفقاً لاستطلاعات الرأي، في أعقاب أزمة تكلفة المعيشة والتضخم القياسي، الذي وصل إلى ذروته عند 11.1% في عام 2022 قبل أن يتباطأ أخيراً. كما تعد الخدمة الصحية الوطنية، وهي نظام الرعاية الصحية الممول من الدولة، والذي يوفر رعاية مجانية في جميع أنحاء البلاد، أولوية قصوى أخرى بالنسبة للناخبين، وفقاً للاستطلاعات. وشهدت البلاد عقداً من التقشف المالي الذي بدأ في عهد رئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون بعد الأزمة المالية العالمية عام 2009، ما جعل الخدمات العامة تعاني من نقص شديد في التمويل، وتواجه نقصاً مزمناً في عدد الموظفين.
وبما أن معاش الدولة التقاعدي قد يكون ورقة مساومة لأي من الطرفين، تعهّد كل من "المحافظين" و"العمال" بزيادة المدفوعات بمتوسط نمو الأجور أو التضخم، أو 2.5% سنوياً، وفق أيهما أعلى. وتأتي الوعود بإجراء إصلاحات اقتصادية وتحسين الخدمات والظروف المعيشية عبر خفض التضخم، في وقت يزعم الحزبان أن خطط الطرف الآخر غير قابلة للتنفيذ.
تواصلت "العربي الجديد"، مع كامل الحواش، الأكاديمي والمرشّح للانتخابات النيابية عن دائرة في مدينة برمنغهام وسط البلاد، لاستطلاع توقّعاته في حال فوز أي من الحزبين الرئيسيين. وقال الحواش إن السياسة المالية لحزب المحافظين لن تتغير بشكل جذري إلا في حالة حدوث نمو اقتصادي ملموس. وأشار إلى أن سياسات الحزب المتعلقة بالرفاهية وإعانة الطفل ستبقى كما هي، حيث تشمل حالياً إعانة لطفلين فقط في العائلة.
وفي ما يخص الضرائب، أشار إلى أن حزب المحافظين عادة يتعهد بتخفيض الضرائب كجزء من برنامجه الانتخابي. مع ذلك قد يرغمه الوضع المالي الحالي في البلد على الابتعاد عن هذا الالتزام. لكنه أضاف أن الحزب قد يلجأ إلى تحفيز الناخب من خلال تخفيض الضرائب بطريقة أو بأخرى خلال هذه الفترة، مع أن ذلك يحدث عادة في نوفمبر/تشرين الثاني قبل إعلان الميزانية.
وفي ما يتعلّق بالسياسات التجارية، أكد الحواش أن سياسة البضائع المستوردة من أوروبا والمصدرة إليها، لن تشهد تغييرات كبيرة في حال استمرار حزب المحافظين في الحكم. وتطرّق أيضاً إلى موضوع معاش التقاعد الحكومي، موضحاً أن حزب المحافظين يلتزم بما يعرف بـ"القفل الثلاثي". وهذا يعني أن المعاشات التقاعدية ستزداد سنوياً إما بنسبة التضخم، أو نسبة نمو الأجور، أو بنسبة 2.5%، أيهما أعلى.
وبالنسبة لحزب العمال، ذكر حواش أن الحزب يتوخى الحذر في الالتزام بالعديد من الوعود الانتخابية. وأشار إلى أن الحزب يركّز على إمكانية الإنفاق على الخدمات العامة، نظراً للحاجة الماسة إليها، في ظل الوضع المادي الصعب للمجالس المحلية بعد تخفيض الدعم الحكومي. كمثال، ذكر حواش أن مدينة برمنغهام تواجه الإفلاس تقريباً، مما دفع البلدية إلى رفع سعر ضريبة البلدية لمدة عامين والبدء في تقليص الخدمات المقدمة.
أما بالنسبة للتعامل مع البيئة والمناخ، فقد ألغى حزب العمال التزامه السابق بالإنفاق الكبير على هذه الملفات. ومع ذلك، أكد الحواش أن هذا لا يعني أن الحزب لن ينفق على البيئة، بل سيفعل ذلك ولكن بميزانية أقل مما كان متوقعًا في السابق.
وأشار إلى أن حزب العمال، يلتزم عادة بالإنفاق على الخدمات، لذلك قد يرفع الإنفاق عليها. وقال إن خدمات الصحة الوطنية ستكون من أولويات الإنفاق، لافتا إلى وجود توجه أكبر لاستخدام القطاع الخاص في هذا المجال، كما تحدّث وزير الصحة في حكومة الظل، ويس ستريتينج. وأكد أن التحديات الاقتصادية ستبقى قائمة، سواء استمر حزب المحافظين في الحكم أو فاز حزب العمال، وسيكون على الحكومة المقبلة اتخاذ قرارات حاسمة لتحقيق الاستقرار والنمو المستدام.
وشهدت بريطانيا أحد أسوأ أداء للاقتصادات الكبرى منذ تفشي جائحة كورونا في عام 2020، مع انخفاض النمو وارتفاع التضخم وضعف الاستثمار من نظيراتها. وتقع مسؤولية العديد من الأخطاء على عاتق المحافظين، خاصة قرار مغادرة الاتحاد الأوروبي. لكن هذا لا يعني أن أداء حزب العمال، الذي قد يشكل الحكومة المقبلة، سيكون أفضل، وفق تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال، هذا الأسبوع.
ويعد التضخم من بين أهم الشكاوى العامة في بريطانيا. وفي حين أن القراءة الأخيرة عند 2.3% ليست مرتفعة مقارنة بالدول الأخرى، فإن الزيادة التراكمية في الأسعار منذ فبراير/شباط 2020 كانت أكبر في بريطانيا منها في الولايات المتحدة أو منطقة اليورو. وارتفعت أسعار الطاقة لدى الجميع بعد غزو روسيا لأوكرانيا، ولكن بريطانيا ارتفعت أكثر من معظم الدول الأخرى، فقد استوردت كميات قليلة للغاية من الغاز من روسيا، لكن الكثير منها استوردته من النرويج والولايات المتحدة، اللتين رفعتا أسعارهما بعد أن قطعت روسيا الإمدادات عن أوروبا الغربية.
كذلك يشهد الاستثمار في بريطانيا تدهوراً. بين أوائل عام 2016 ونهاية عام 2023، انخفض الاستثمار البريطاني بنسبة 17% مقارنة بالاقتصادات المتقدمة الأخرى، وفقاً لبنك "جيه بي مورغان". ويمكن ربط نصف هذا المبلغ بشكل معقول بالحواجز الإدارية وحالة عدم اليقين الناجمة عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وقد وضعت دراسة شارك في كتابتها جوناثان هاسكل، أحد صانعي السياسات في بنك إنكلترا، الاستثمار في المملكة المتحدة أقل بنسبة 10% في عام 2022 مما لو كان الاتجاه قبل عام 2016 قد استمر. وهذا هو عكس ما راهن عليه المحافظون، بأنه خارج الاتحاد الأوروبي، يمكن لبريطانيا أن تصبح نقطة جذب للاستثمار الأجنبي، ومركزاً لتصدير الخدمات عالية القيمة، وشريكاً للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة والصين. وكان التصنيع يمثل 9% فقط من الناتج الوطني في السنوات الأخيرة، وهو أقل من نظيره في الولايات المتحدة بنسبة 11% وأقل من نصف الرقم في اليابان وكوريا الجنوبية والصين.
وتأتي الانتخابات وسط عدم يقين بشأن تحسّن الاستثمار. ويمكن أن تؤثر المؤشرات الاقتصادية، مثل نمو الناتج المحلي الإجمالي ومعدلات التضخم وأرقام التوظيف، على عوائد الاستثمار.
وأظهر تحليل أجرته مؤسسة "ريزولوشين" أخيراً أن سلوك ادّخار الأسر لم يعد إلى طبيعته بعد جائحة كورونا. ويرجّح أنّه إذا أدى تغيير الحكومة إلى تعزيز الثقة بما يكفي لتشجيع الإنفاق والاستثمار، فيمكن أن نرى تأثيراً إيجابياً على الناتج المحلي الإجمالي.