البنوك الخليجية في 2024... أرباح قياسية تواجه تحديات متصاعدة

19 سبتمبر 2024
أرباح قياسية حققتها البنوك الخليجية في 2024، الدوحة 25 أكتوبر 2023 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- توقعت وكالة "ستاندرد آند بورز" استمرار الأداء القوي للبنوك الخليجية في 2024 بفضل زيادة الإقراض وارتفاع دخل الرسوم واستقرار الهوامش.
- تواجه البنوك الخليجية تحديات مثل تقلبات أسعار الفائدة الأميركية وأسعار النفط، وتعمل على تعزيز احتياطاتها المالية والتحول الرقمي لمواجهة المنافسة.
- ستواجه البنوك الخليجية تحديات في 2024 و2025، منها تأثير أسعار الفائدة الأميركية وأسعار النفط والاستقرار السياسي، لكن رسملتها ونسب السيولة المرتفعة تعزز استقرارها المالي.

تنبأت وكالة التصنيف الائتماني الأميركية "ستاندرد آند بورز" باستمرار الأداء القوي للبنوك الخليجية رغم استمرار المخاطر الجيوسياسية في المنطقة، موضحة أن "الأداء الجيد لهذه البنوك الخليجية مرشح للاستمرار خلال 2024، في حال عدم تعرضها لتحديات غير متوقعة، وذلك بفضل زيادة أحجام الإقراض، وارتفاع دخل الرسوم، واستقرار الهوامش والكفاءة القوية لإدارة التكاليف".

وشهدت البنوك الخليجية أداءً قوياً، وزادت أرباحها بشكل قياسي، حيث سجلت مجتمعة 14.4 مليار دولار من الأرباح الصافية في الربع الأول من العام الجاري، بزيادة 10.5% على أساس سنوي، حسب ما أورده تقرير الوكالة الأميركية المنشور في 5 سبتمبر/أيلول الجاري، ما عزز التوقعات المتفائلة بشأن أدائها المستقبلي، وقدم مؤشراً على محدودية تأثير المخاطر الجيوسياسية القائمة على القطاع المالي الخليجي.

وأفادت مصادر مصرفية "العربي الجديد" بأن البنوك الخليجية تعمل على تعزيز احتياطاتها المالية وتنويع محافظها الاستثمارية لمواجهة تحديات تقلبات أسعار الفائدة الأميركية وتذبذب أسعار النفط، مشيرة إلى أن عملية التحول الرقمي تشكل أولوية استراتيجية للقطاع المصرفي الخليجي في ظل المنافسة المتزايدة من شركات التكنولوجيا المالية.

البنوك الخليجية وقوة الرسملة 

ويشير الخبير الاقتصادي، عميد كلية إدارة الأعمال بالجامعة الأميركية للتكنولوجيا في لبنان، بيان الخوري، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن الاقتصاد الخليجي يعتمد بشكل كبير على موارد الطاقة، خاصة النفط والغاز ومشتقاتهما، وهو ما يجعل هذه الاقتصادات عرضة لتقلبات السوق العالمية، لافتا إلى أن هذا التحدي يؤثر بشكل مباشر على البنوك الخليجية التي تقرر أحجام التمويل المتاح لديها بناءً على ارتفاع أو استقرار أو انخفاض أسعار هذه الموارد. 

شهدت البنوك الخليجية أداءً قوياً، وزادت أرباحها بشكل قياسي، حيث سجلت مجتمعة 14.4 مليار دولار من الأرباح الصافية في الربع الأول

وفي ظل هذا الوضع، تحتاج البنوك الخليجية إلى توفير موارد إضافية من الأرباح غير الموزعة لتمويل عملية التحول الرقمي، وهي عملية ضخمة تتطلب التوافق مع أحدث التقنيات العالمية، ومع وجود منافسة متزايدة بين البنوك والمؤسسات المالية تشكل التكنولوجيا المالية تهديداً كبيراً لقدرتها على الاستحواذ على حصة السوق، حيث أصبح بإمكان المؤسسات تجاوز الحدود الجغرافية واستقطاب الأموال من جميع أنحاء العالم، بحسب الخوري. 

وفي السياق، يؤكد الخوري أن البنوك الخليجية تواجه تحديات كبيرة نتيجة تشديد القواعد التنظيمية في دولها، مقرا بأن هذا التشديد يهدف إلى ضبط العمل المصرفي وتقليل المخاطر، لكنه يؤدي في الوقت ذاته إلى تقليص ربحية البنوك. 

وإضافة لذلك، لا يمكن تجاهل المخاطر الجيوسياسية التي تسيطر على المنطقة، حيث تظل احتمالات اندلاع صراعات واسعة قائمة، مما يؤثر بشكل مباشر على التوقعات المستقبلية للاستثمارات، بحسب الخوري، مشيرا إلى أن الاستقرار الجيوسياسي يشكل عاملاً رئيسياً في تعزيز الثقة في البنوك الخليجية والمؤسسات المالية الأخرى في تلك الدول، وهو ما يساعد على استقطاب الودائع والرساميل. 

وعلى الرغم من ارتفاع أسعار الفائدة العالمية، يلفت الخوري إلى أن البنوك الخليجية لا تزال تحافظ على معدلات فائدة تنافسية تدعم الاقتصاد الوطني والشركات، وتؤثر إيجاباً على مؤشرات مثل البطالة والتضخم، كما أن أداءها القوي مكنها من تراكم احتياطات مالية قوية، ما يجعلها مستعدة لمواجهة أي أزمات محتملة.

على الرغم من ارتفاع أسعار الفائدة العالمية، يلفت الخوري إلى أن البنوك الخليجية لا تزال تحافظ على معدلات فائدة تنافسية تدعم الاقتصاد الوطني

وفي ما يتعلق بصغار المودعين الخليجيين، يشير الخوري إلى أن التحديات التي يواجهونها هي تقليدية، مثل ضعف قدرتهم على التفاوض بشأن أسعار الفائدة، إلا أن الأداء القوي لأغلب البنوك الخليجية يمنحهم ثقة أكبر في استقرار ودائعهم، رغم انخفاض العائد.

أما بالنسبة لأصحاب المشاريع الصغيرة، فيرى الخوري أن قوة الرسملة في البنوك الخليجية توفر لهم تمويلاً مستقراً، خاصة أن العديد من هذه المشاريع تحصل على دعم حكومي وتستفيد أيضاً من بيئة الفوائد المعتدلة التي تميز السوق الخليجية.

البنوك الخليجية تواجه 3 تحديات 

وفي السياق، يشير الخبير الاقتصادي والمستشار المالي، علي أحمد درويش، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن البنوك الخليجية ستواجه تحديات ملحوظة خلال العامين 2024 و2025، تتمثل بعدة عوامل، على رأسها نسبة فائدة الأساس في البنوك الأميركية، إذ ترتبط عملات دول الخليج بأسعار تلك الفائدة. 

وإزاء ذلك، إن أي انخفاض أو صعود في قيمة الدولار الأميركي سيؤثر مباشرة على استقرار العملات الخليجية والتدفقات النقدية، التي ترتبط بدورها بأسعار الفائدة، وعندما تنخفض أسعار الفائدة، تزيد التدفقات النقدية، وهذا قد تكون له تأثيرات ملموسة على المصارف الخليجية، بحسب درويش. 

كما تمثل أسعار النفط تحديا ثانيا أمام البنوك الخليجية، إذ يؤدي انخفاض الأسعار إلى تقليل تدفق السيولة والعملات إلى البنوك، بينما ينعكس ارتفاع الأسعار إيجابياً، خصوصاً في دول الخليج التي تعتمد بشكل كبير على الإيرادات النفطية، بحسب درويش، الذي أشار إلى أن النفط هو الركيزة الأساسية لاقتصادات الخليج، وبالتالي فإن "التقلبات في أسعاره تؤثر بشكل مباشر على أداء القطاع المصرفي في هذه الدول". 

ورغم التركيز المتزايد في دول الخليج على تنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط، إلا أن هذا التوجه يتطور بشكل تدريجي، حيث تشجع الدول الخليجية الاستثمارات غير النفطية في محاولة لتنويع محفظة الاستثمار، وهذا التحول هو جزء من الاستراتيجية المستقبلية لتقليل الاعتماد على النفط، و"لكنه ما زال في مراحله الأولى" حسب تقدير درويش.

يعد الاستقرار السياسي في المنطقة التحدي الثالث أمام البنوك الخليجية حسب تحليل درويش، الذي يؤكد أن عدم الاستقرار الحالي من شأنه أن يؤثر سلبا على أداء البنوك

ويعد الاستقرار السياسي في المنطقة التحدي الثالث أمام البنوك الخليجية حسب تحليل درويش، الذي يؤكد أن عدم الاستقرار الحالي من شأنه أن يؤثر سلبا على أداء البنوك الخليجية، ومع ذلك يشير إلى أن رسملة البنوك الخليجية ونسب السيولة المرتفعة تجعلها في وضع مستقر نسبياً. 

ويضيف: "بل إن الأرباح التي تحققها هذه البنوك تعزز الاستقرار المالي وتفتح فرصاً جديدة للاستثمار، سواء لصغار المودعين أو لأصحاب المشاريع الصغيرة"، مشيراً إلى أن "توافر السيولة العالية في البنوك الخليجية يسهم في تشجيعها على تقديم القروض، وهو أمر مهم لنمو المشاريع الصغيرة التي غالباً ما تعتمد على تمويل البنوك لتأمين السيولة". 

المساهمون