لا يبدو شتاء التونسيين سهلاً هذا العام، مع إعلان حكومة نجلاء بودن، بدء تطبيق إصلاحات اقتصادية سيجري بمقتضاها تقليص دعم المواد الأساسية والطاقة تدريجياً، بينما يزحف الغلاء على جيوب الأسر خاصة من الطبقة المتوسطة التي تشكل عمود الاستقرار الاجتماعي في البلاد.
وتسجل الأسعار في تونس قفزات غير مسبوقة بالأساس، ما يزيد من سحق الطبقات الضعيفة والمتوسطة، بينما يقدر خبراء الاقتصاد تراجع القدرة الشرائية للمواطنين بنسبة 40% السنوات العشر الماضية. وارتفع التضخم خلال أكتوبر/ تشرين الأول الماضي إلى 9.2% مدفوعا بارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 12.9% ومواد البناء بنسبة 10.3% والملابس والأحذية بنسبة 9.7% وفق بيانات رسمية نشرها معهد الإحصاء الحكومي أخيراً.
يقول رمضان بن عمر، المتحدث الرسمي باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة مدنية) إن شتاء التونسيين سيكون قاسياً هذا العام في ظل أزمة عالمية وتوتر سياسي واجتماعي داخلي، مشيراً إلى أن الاحتجاجات الاجتماعية تشهد منحى تصاعدياً مع زيادة الغلاء وارتفاع نسب الفقر وتدهور الخدمات العامة الناجم عن أزمة المالية العمومية.
وأضاف بن عمر لـ"العربي الجديد" أن كل الأسباب الداخلية والخارجية تؤكد أنه مع تراجع القدرات الشرائية للكثير من المواطنين تفقد الأسواق قدرتها على التوازن أيضا مع اختفاء مواد أساسية من الأسواق، مضيفا أن اعتزام الحكومة الشروع في تنفيذ إصلاحات اقتصادية لا تحظى بتأييد شعبي ينذر بخروج الناس إلى الشارع.
واعتبر أن أزمة تأخر دفع الأجور لشهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والتي من المرجح استمرارها لفترات مقبلة تشير إلى أن البلاد مقدمة على صعوبات كبيرة، إلى جانب تواصل العوامل المناخية غير الملائمة للتساقطات المطرية وتأثير الجفاف على حياة شرائح واسعة من التونسيين.
وتاريخياً يسجل فصل الشتاء في تونس أعنف الاحتجاجات المتعلقة بالمطالب الأساسية للعيش، حيث غالباً ما يخيف شهر يناير/كانون الثاني الحكومات قبل الثورة وبعدها مع تصاعد الاحتجاجات الاجتماعية بين نهاية عام وبداية آخر.
وتستعد تونس في ديسمبر/ كانون الأول المقبل لإجراء انتخابات برلمانية على قاعدة الدستور الجديد، الذي أصدره الرئيس قيس سعيد، في ظل مقاطعة واسعة للقوى السياسية للانتخابات ورفضها للمؤسسة التشريعية القادمة.
وتعاني تونس من أزمة اقتصادية ومالية فاقمتها تداعيات الأزمة الصحية والحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما أدى إلى ارتفاع تكلفة استيراد الطاقة والمواد الأساسية، وسط توقعات بمزيد من الصعوبات المعيشية، مع بدء تطبيق الإصلاحات الاقتصادية التي يفرضها صندوق النقد الدولي من أجل منح الحكومة القروض المتفق عليها.
وتوصلت الحكومة نهاية الشهر الماضي إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي لصرف قرض جديد بقيمة (1.9 مليار دولار) مقابل حزمة إصلاحات، من بينها خفض دعم الغذاء والطاقة، وإعادة هيكلة شركات عامة تعاني عجزاً، وتقليص كتلة الأجور وتحسين التحصيل الضريبي.
ويتخوف مواطنون من زيادة الأعباء حال توجه الحكومة لزيادة العائدات من بنود تتعلق بالاستهلاك مثل فرض المزيد من الضرائب على السلع والخدمات.