يستقبل الجزائريون عام 2021، وكلهم خوف وقلق من تدهور الوضعية المعيشية والاجتماعية في البلاد، جراء انكماش الاقتصاد وموجات الغلاء المتتالية.
وتعقدت الأوضاع أكثر مع تواصل إجراء الغلق جراء تفشي وباء كورونا، الذي زاد من هموم الطبقة الهشة، بارتفاع عدد الفاقدين لمناصب عملهم منذ دخول فيروس "كوفيد 19" الجزائر، شهر مارس/آذار 2020.
كما أنهى الدينار الجزائري عام 2020 بتسجيل تراجع تاريخي أمام العملات الأجنبية، وهو الأمر الذي انعكس سلبا على أسعار السلع التي شهدت ارتفاعات كبيرة خلال الفترة الأخيرة.
تهاوي الدينار
تكتوي جيوب المواطنين في البلاد مع بداية 2021 بلهيب أسعار مختلف المواد الاستهلاكية والغذائية، ليضاف عبء آخر على الجزائريين المنهكين بتهاوي سعر صرف الدينار، المنتظر أن يتواصل سنة 2021 بوتيرة متسارعة.
ومع كل تهاوٍ للدينار وارتفاع للأسعار، يتجدد السجال حول القدرة الشرائية للجزائريين، فمنذ بداية أزمة النفط، منتصف 2014، تعرضت جيوب المواطنين للعديد من الامتحانات والضغوط، عبر ارتفاع الضرائب وأسعار الطاقة والمواد واسعة الاستهلاك.
وكان الدينار الجزائري قد أنهى سنة 2020 بتسجيل تراجع تاريخي أمام العملات الأجنبية، مواصلا بذلك انزلاقه إلى أدنى مستوى في 9 أشهر.
وسجل سعر الصرف في التعاملات الرسمية الثلاثاء 29 ديسمبر/كانون الأول، 166 دينارا مقابل اليورو الواحد، و182 دينارا للجنيه الإسترليني الواحد، و137 دينارا للدولار الواحد، في تراجع هو الأكبر في تاريخ العملة الجزائرية.
وقبل 3 أسابيع، سجّل سعر العملة الأوروبية، اليورو، في البنك المركزي الجزائري، 155.75 ديناراً لليورو الواحد للشراء، و173 ديناراً للجنيه الإسترليني. أما الدولار فسجل 129.2 ديناراً للشراء.
وقبلها، خسرت العملة الجزائرية أكثر من 4 دنانير أمام الدولار، مطلع إبريل/ نيسان الماضي، مع بداية الأزمة الصحية، إذ بلغ سعر الصرف 127.02 ديناراً للدولار الواحد، بعدما كان عند 123 ديناراً، مطلع مارس/ آذار الماضي، كذلك قفز اليورو من 135 ديناراً خلال مارس/آذار الماضي إلى 137 ديناراً في إبريل/ نيسان المنصرم.
وترجع خسارة الدينار لشيء من بريقه أمام العملات الأجنبية، إلى تبنّي البنك المركزي سياسة تعويم الدينار، عند الضرورة، إذ سبق أن فقد الدينار جزءاً كبيراً من قيمته خلال العام الماضي، لمواجهة تبعات تراجع عائدات النفط وكبح فاتورة الواردات.
موجات الغلاء
وانعكست هذه التراجعات في أسعار الدينار سلباً على أوضاع المواطنين المعيشية، حيث شهدت أسعار العديد من المواد الاستهلاكية، وخاصة الغذائية منها، ارتفاعات كبيرة، أثرت مباشرة على السلوك الإنفاقي والاستهلاكي للمواطن، بدافع المخاوف من ارتفاع الأسعار.
وفي هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي، جمال نور الدين، إن "ما كان يشتريه المواطن الجزائري مقابل 400 دينار سنة 2013 أصبح يشتريه بـ1000 دينار اليوم، وبالتالي فإن القدرة الشرائية للمواطن الجزائري فقدت قرابة 60 في المائة، من قوتها في 5 سنوات، وهو أمر خطير إذا ما أخذنا بالاعتبار أن الحكومة لم تقم باتخاذ إجراءات مقابلة، كرفع الرواتب أو زيادة الدعم لأسعار المواد واسعة الاستهلاك".
ويضيف الخبير الجزائري في حديث مع "العربي الجديد"، أن "جيوب المواطنين ستكون أمام اختبار جديد سنة 2021، مع بدء تداعيات تعويم الدينار، وأبرزها التضخم الذي سيدفع المركزي الجزائري للتدخل مجدداً وخفض قيمة العملة".
انكماش الاقتصاد
زاد امتداد الأزمة المالية في الجزائر للسنة الخامسة، من انكماش الاقتصاد، بفعل تراجع مداخيل البلاد من بيع النفط إلى أكثر من الثلثين، ودخول فيروس كورونا على خط الأزمة، ما أدى إلى تجميد العديد من المشاريع وتجميد عمليات التوظيف في القطاعين العمومي والخاص، وهو وضع ألقى بظلاله على البطالة في البلاد، التي باتت تتفاقم يوماً بعد يوم.
كما كشفت الحكومة عن عجز تاريخي في موازنتها العامة فاق 22 مليار دولار، ومنذ الأزمة النفطية عام 2014، راوح عجز الموازنة العامة للجزائر بين 13 و17 مليار دولار. بينما توقعت الحكومة إيرادات بنحو 43.31 مليار دولار في 2021، ونفقات بقيمة 65.95 مليار دولار، ما يدفع العجز للوصول إلى 22.6 مليار دولار، بما يعادل 13.57% من إجمالي الناتج المحلي. ولا تقتصر الضغوط المالية على تسجيل عجز في الموازنة التي صادق عليها البرلمان نهاية الشهر قبل الماضي، وإنما تتوقع الحكومة تراجع احتياطي النقد الأجنبي إلى أقل من 46.8 مليار دولار، من 56 ملياراً حاليا، تغطي 16.2 شهراً من الواردات.
وأصبحت مخلفات جائحة كورونا على الاقتصاد الجزائري تهدد قوت الملايين من الجزائريين، حيث قالت وزارة العمل والتشغيل الجزائرية في تقرير، حصل "العربي الجديد" على نسخة منه، إنه جرى إحصاء 200 ألف عامل من دون مداخيل مالية في الفترة الممتدة من مارس/آذار إلى نهاية آب/أغسطس 2020، و50 ألفاً فقدوا عملهم نهائياً، و180 ألف عامل شهدت رواتبهم تأخراً بين شهرين وثلاثة أشهر، وهي أرقام تؤكد مصادر حكومية تضاعفها مرتين عند نهاية سنة 2020.
ولم تنشر الحكومة الجزائرية الأرقام الدورية المتعلقة بتطور البطالة، طيلة سنة 2020، حيث تعود آخر الأرقام إلى نهاية 2019، حيث بلغت نسبتها 12.5%، بما يعادل 2.5 مليون شخص، وفق الديوان الجزائري للإحصائيات.
ارتفاع قياسي للبطالة
وكان المجلس الاقتصادي والاجتماعي (هيئة حكومية) قد توقع، في دراسة له في يوليو/تموز2020، أن تتجه الدولة نحو تسجيل نسب غير مسبوقة للبطالة تتراوح بين 17 و20%.
وفي السياق، يقول الخبير الاقتصادي ومستشار الحكومة عبد الرحمان مبتول لـ "العربي الجديد" إن "أرقام البطالة في الجزائر دائما تكون سياسية أكثر منها واقعية، كما أن طريقة احتسابها من طرف ديوان الإحصائيات يشوبها الكثير من نقاط الظل المبهمة، فمثلا يعتبر الديوان "غير بطال" كل شخص اشتغل ولو ليومٍ واحدٍ في السنة، أي أن المعلومات غير دقيقة".
وأضاف: "كما لا يحتسب الديوان النساء المقيمات في البيت والمؤهلات للعمل، وما يهمنا هو الوضع الاقتصادي المتعثر والذي يهدد بخسارة الجزائريين لقوتهم سنة 2021، في ظل تبني الحكومة لسياسة شد الحزام، وتراجع الإنفاق الحكومي".
وقلما غادرت البطالة واجهة الأحداث في الجزائر في العقدين الأخيرين، وظلت ورقة سياسية تستعملها الحكومة من جهة والمعارضة من جهة أخرى، فيما يجمع المراقبون على أن الأسباب الحقيقية وراء انتشارها مرتبطة بأمور عدة منها السياسي والاقتصادي وحتى البيداغوجي والتكوين في الجامعات.
وحسب مبتول، فإن "سنة 2021 ستكون صعبة على الاقتصاد الجزائري، وينتظر تراجع عروض العمل وارتفاع نسب التسريحات في المصانع ولا سيما الخاصة التي لا تستطيع تحمل الخسائر، المتراكمة منذ دخول كورونا الجزائر".