عاد هاجس الغلق وفرض الحجر الصحي الكلي، ليخيم على يوميات الجزائريين، خاصة الفقراء وأصحاب الطبقة الوسطى الذين يتخوفون من العودة إلى غلق الاقتصاد، بعد اعتراف الحكومة الجزائرية بدخول البلاد في ما يُعرف بـ "الموجة الثانية" عقب ارتفاع مستوى العدوى وتصاعد مطالب نشطاء وأطباء بالعودة إلى الحجر الصحي الشامل.
وتعتبر العودة إلى الغلق للطبقات الهشة والعمال في القطاعات الحرة (باليومية) وصغار الحرفيين، بمثابة الإحالة القسرية إلى البطالة بعد أن دفعت هذه الطبقات كلفة باهظة من جراء قرار الغلق الشامل الذي طبقته الحكومة السابقة في مارس/ آذار الماضي لنحو 6 أشهرٍ.
وسط العاصمة الجزائرية، وبعد قرابة ثلاثة أشهرٍ من العودة إلى نشاطه، يؤكد عثمان البرودي سائق الأجرة لـ "العربي الجديد" الذي يسعى لتأمين الحد الأدنى من مصاريفه اليومية، أن "عودة الغلق الاقتصادي تعني إطلاق رصاصة الرحمة على ضعيفي الدخل وأصحاب الدخل اليومي، بالكاد نجد ما تغطي مصاريف اليوم، وتيرة العمل ليست كما كانت عليه الحال قبل كورونا". ويبدي البرودي مخاوف أيضاً من ارتفاع عدوى الفيروس الذي يزيد من انحسار نشاطه بسبب مخاوف المواطنين من الاختلاط وانتقال العدوى إلى بيوتهم، مقابل استعداده لتقديم مختلف أنواع التضحيات بما في ذلك خطر التعرض للعدوى لتأمين رزقه اليومي.
ويضيف أنه "يقسم "اليومية" (مداخيل اليوم) على ثلاثة أقساط، جزء لمصاريف البيت، وقسط ثان لوقود السيارة والجزء الثالث يدخره لتسديد دينه الذي تراكم طيلة فترة الحجر الصحي المنصرم، "الوضع لا يحتمل أي غلق ليس لي وحدي، بل لملايين من الجزائريين، منهم من قل مدخوله ومنهم من انقطعت مداخيله بعد فقدان عمله".
وارتفعت معدلات الإصابة بالفيروس، خلال الأيام العشرة الأخيرة بشكل لافت، لتنتقل من 121 إصابة، إلى 642 إصابة، في ما اعتبر مؤشراً على حدوث موجة ثانية، وأعلنت اللجنة العلمية لرصد ومتابعة تفشي وباء كورونا في الجزائر، ارتفاع العدد الإجمالي إلى أكثر من 60 ألف إصابة.
ولم تستبعد الحكومة الجزائرية في بيان صادر عنها في 5 نوفمبر/تشرين الثاني، اللجوء إلى اتخاذ مزيد من تدابير الحجر الاستهدافية إذا استمر الوضع الوبائي في التدهور، وكلفت الدوائر الوزارية بمنع تنظيم الملتقيات أو الندوات أو الاجتماعات أو أي تجمع آخر، يشكل عاملا من عوامل انتشار الوباء، وذلك إلى غاية إشعار آخر.
وفي نفس اليوم، قال وزير الصحة الجزائري عبد الرحمان بن بوزيد إن "الجزائر دخلت في الموجة الثانية من تفشي وباء كورونا على غرار العديد من الدول في العالم، ويبقى قرار فرض حجر صحي شامل من صلاحيات رئاستي الجمهورية والحكومة".
من جانبها، طالبت وزارة الداخلية المواطنين بالالتزام الصارم بالإجراءات الوقائية والبروتوكولات الصحية المفروضة للحد من تفشي الوباء في البلاد، بالتزامن مع الاستئناف التدريجي للنشاطات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية.
وفاقمت تداعيات كورونا معاناة عمال الجزائر، الذين يواجهون صعوبات معيشية منذ عدة سنوات في ظل الغلاء، بينما لا تقوى الأجور الزهيدة على مواجهة الضغوط. فأكثر من مليون ونصف المليون عامل يتقاضون أجوراً لا يتعدى متوسطها 30 ألف دينار شهريا (290 دولارا)، وفق البيانات الرسمية، التي تشير إلى أن نحو ثلثهم لا يتمتعون بعقود عمل نهائية، بينما جاءت جائحة كورونا لتدفع عشرات آلاف العمال نحو البطالة.
كمال بوساحية واحد من العمال الذين اضطرهم الفيروس واسع الانتشار إلى البقاء من دون عمل قسرا، بعدما توقفت شركة المقاولات التي يعمل فيها، واضطر إلى العمل في أحد المقاهي لتأمين قوت يومه، يقول لـ "العربي الجديد" إنه توقف عن العمل منذ 22 مارس/آذار الماضي، "بسبب تجميد مشاريع البناء بقرار حكومي"، مضيفا أن آخر أجر تقاضاه كان في ذلك الشهر بينما لم يحصل بعده على دينار واحد، ما دفعه إلى البطالة إلى غاية إعادة رفع التجميد عن الأنشطة التجارية، ما سمح له بالظفر بعمل في أحد المقاهي بأجرة يومية بـ 700 دينار (5.42 دولارات) ساعدته على امتصاص جزء من مصاريف بيته، خاصة مصاريف التمدرس لأبنائه الثلاثة.
ويتخوف كمال بوساحية من فرض الحكومة لحجر صحي جزئي أو شامل، حيث يؤكد أن أي غلق يعني ضربة موجعة له ولعائلته، فمداخيله الشهرية هوت منذ خسارته لعمله في قطاع البناء، ولا يقدر على عيش سيناريو الغلق للمرة الثانية.
وكانت وزارة العمل الجزائرية قد كشفت عن تضرر نحو نصف مليون عامل من جائحة كورونا الجديد، جراء الغلق الأول للاقتصاد، الذي ألقى بظلاله السلبية على مختلف الأنشطة الاقتصادية في الدولة.
وقالت الوزارة في تقرير، حصل "العربي الجديد" على نسخة منه، إنه جرى إحصاء 200 ألف عامل من دون مداخيل مالية منذ مارس/آذار إلى يوليو المنصرمين، و50 ألفاً فقدوا عملهم نهائياً، و180 ألف عامل شهدت رواتبهم تأخراً بين شهرين وثلاثة أشهر.
وشمل التقرير عينة من العمال بلغ حجمها نصف مليون عامل في القطاعين العام والخاص، ما يجعل النتائج نسبية، كون سوق العمل يضم قرابة 10 ملايين عامل.