ما إن تودّع الجزائر قضية فساد حتى تشهد قضية فساد أكبر من حيث الأرقام والتأثير، وفي الوقت الذي لم تودع فيه البلاد تداعيات قضية فساد شركة سوناطراك الحكومية للنفط والتي تورط فيها وزير الطاقة السابق شكيب خليل، أبرز المقربين من الرئيس بوتفليقة، وبلغت كلفة الفساد بها من عمولات ورشاوي مليارات الدولارات، حتى وجدنا أن حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، والذي يتزعمه بوتفليقة، شهد قبل أيام قضية فساد أخرى، حيث أقال الحزب عضوة في المكتب القيادي له، بعد تورطها في قضية رشوة تتعلق بالانتخابات البرلمانية المقبلة.
أما قضايا الفساد الأبرز في تاريخ البلاد فهي ما تكشفه يومياً الجهات الرقابية وفي كل القطاعات، فهناك مشروعات بنية تحتية يتم رصد مليارات الدولارات لها من موازنة الدولة ولا ترى النور، وهناك صفقات استيراد أسلحة وأغذية لصالح الدولة بأسعار مبالغ فيها، وهناك فضيحة الطريق السيار شرق غرب، والتي أهدرت فيها الحكومة 6 مليارات دولار، ومع ذلك لم يرى الطريق النور رغم مرور أكثر من 10 سنوات على تدشينه في العام 2006.
ونظرة للتقارير الصادرة عن مجلس المحاسبة، وهي الهيئة الرقابية الأولى بالبلاد، نجدها تعج بقضايا الفساد، وضياع عشرات المليارات من الدولارات من مستحقات الدولة لدى مستثمرين ورجال أعمال وتجار، وتجاوزات بالمليارات في إنفاق الميزانية العامة، وعجز الحكومة عن تحصيل 110 مليارات دولار قيمة تهرب ضريبي في عام.
ومساء أمس، تفجرت فضيحة فساد جديدة تتعلق هذه المرة بقطاع السيارات، حيث وجدت الحكومة نفسها في أزمة حقيقية عقب الكشف عن فضيحة مصنع هيونداي الوهمي لتركيب السيارات، وقيام المصنع بالتهرب من الضرائب والتحايل على قانون الاستثمار وتهريب العملة إلى الخارج.
ببساطة، يهتز المجتمع الجزائري، من وقت لآخر، على وقع حلقات متواصلة من فضائح الفساد، التي بات أبطالها وزراء ومسؤولين بالدولة، وارتبطت المافيا واللوبيات المالية الفاسدة بالسلطة الحاكمة ودوائر صنع القرار.
وباتت قيادات سابقة بالمؤسسة العسكرية والأمنية تسيطر على كبريات الشركات والقطاعات الاقتصادية والتجارية، وبات تمرير مشروع استثماري وترخيص أوراقه بحاجة لدفع عمولات وسمسرة كبيرة لشخصيات نافذة بالدولة، والنتيجة النهائية توغل البلاد أكثر في مستنقع الفساد العفن، إذ حلّت الجزائر في المركز 108 عالمياً و17 أفريقياً، و10 عربياً في العام 2016، وفق إحصاءات منظمة الشفافية الدولية، مقابل المركز 88 عالمياً في العام 2015.
ومع هذا التوغل وتداخل المال بالسياسة، والعسكر بالسلطة، وسيطرة الدوائر الأمنية على دائرة صنع القرار نجد أن 69% من الجزائريين يعتقدون أن جهود الحكومة سيئة في محاربة الفساد، حسب منظمة الشفافية الدولية، وخاصة أنه في الوقت الذي تهتز فيه البلاد على وقع فضائح فساد مستمرة وضخمة، تكتفي السلطات بمعالجات سطحية وغير حاسمة، من تشكيل لجان تحقيق وتحويل القضايا لقضاة حبالهم طويلة.
ومع تلاحق الكشف عن قضايا الفساد، يقف الشباب الجزائري في حالة ذهول، ويشعر بحالة احتقان شديدة، يسأل عن سر ضياع المليارات من إيرادات بلاده، ويستغرب سكوت الحكومة على فساد مستشر يصعّب من مهمته في الحصول على فرصة عمل أو وحدة سكنية، أو حتى أسعار سلع أساسية بسعر مناسب.