استمع إلى الملخص
- انخفاض المساحة المزروعة بالحبوب بنسبة 42.5% وتوقعات بانخفاض محصول الحبوب، مما يشير إلى الحاجة الماسة لتنويع مصادر الدخل وتشجيع الزراعات البديلة.
- الحكومة المغربية تسعى لتحفيز التشغيل في الأرياف ومواجهة تداعيات الجفاف من خلال تشجيع الزراعات الخريفية وتعزيز دور التعاونيات، وتوفير فرص عمل جديدة لمحاصرة البطالة.
دق فقدان فرص العمل في الزراعة وارتفاع معدل البطالة في الأرياف، ناقوس الخطر في ظل الجفاف الذي يعرفه المغرب في الأعوام الخمسة الأخيرة، ما يدفع الحكومة إلى التوجه نحو البحث عن بلورة برنامج للتشغيل في الأرياف.
وتلاحظ المندوبية السامية للتخطيط، في تقريرها حول سوق العمل في الربع الأول من العام الجاري، أن سوق الشغل لا تزال تعاني من آثار الجفاف، إذ سجلت ما بين الفصل الأول من 2023 والفصل نفسه من العام الجاري، فقدان 159 ألف فرصة عمل. ويتجلى أن معدل البطالة في الأرياف انتقل من 5.7% في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الماضي إلى 6.8% في الفترة نفسها من العام الحالي، بينما عرف معدل التشغيل تراجعاً من 47% إلى 45.6%. وتظهر بيانات المندوبية السامية للتخطيط التي اطلعت عليها "العربي الجديد" استمرار تداعيات الجفاف على معدلات التشغيل في الأرباف، التي فقدت بالأساس 198 ألف فرصة عمل على مدار العام الماضي.
وتجلى تأثير الجفاف على الاقتصاد المحلي أكثر في الأعوام الخمسة الأخيرة. فقد سبب الجفاف في العام الحالي انخفاض المساحة المزروعة بالحبوب بنسبة تقدر بـ 42.5%، مقارنة بمتوسط السنوات الخمس. ويرتقب أن ينخفض محصول الحبوب في العام الحالي، بحسب تقديرات البنك المركزي إلى 2.5 مليون طن، بينما تقدره وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات بنحو 3.12 ملايين طن، مقابل 5.5 ملايين طن في 2023، بينما كانت الحكومة تراهن على حصد 7.5 ملايين طن، ما يؤشر إلى تراجع القيمة المضافة الزراعية.
تدمير فرص العمل في الأرياف
وتدمير فرص العمل في الأرياف يثير قلق الأوساط الاقتصادية، خاصة أن الزراعة تمثل 12% من الناتج الإجمالي المحلي وتستوعب 38% من الساكنة النشيطة. ويجري فقدان فرص العمل في الأرياف في ظل تأكيد تقارير مؤسسات دولية ومحلية أن المغرب هو أحد أكثر البلدان شحاً في المياه في العالم. فقد سجل البنك الدولي في تقريره حول التنمية والمناخ، أن المغرب يقترب بسرعة من الحد المطلق لندرة المياه البالغ 500 متر مكعب للفرد سنوياً. ويضيف البنك الدولي أن تزايد حالات الجفاف وشدتها يشكلان مصدراً رئيسياً لتقلبات الاقتصاد الكلي، وتهديداً للأمن الغذائي في المملكة، فمن الممكن أن يؤدي انخفاض توافر المياه وانخفاض غلة المحاصيل بسبب تغير المناخ إلى خفض الناتج الإجمالي المحلي بنسبة تصل إلى 6.5%.
ويلاحظ البنك أن الزراعة البعلية (تعتمد على الأمطار) تتأثر سلباً بالجفاف وشح المياه، مشيراً إلى أنه نظراً لكون تلك الزراعة لا تزال تمثل 80% من المساحة المزروعة وتشغل معظم القوى العاملة الزراعية، فإن التغيرات الناجمة عن تغير المناخ على الزراعة البعلية قد تؤدي إلى هجرة 1.9 مليون مغربي إلى المناطق الحضرية.
وتساهم وضعية البطالة في الأرياف في زيادة الضغط على سوق العمل في المغرب في بطالة وصلت في العام الماضي إلى 13%، حيث يلاحظ المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (مؤسسة دستورية مستقلة) في تقرير اطلعت عليه "العربي الجديد"، أن نمو النمو الحالي ليس دامجاً بالشكل الكافي، ما دام الاقتصاد لا يخلق فرص عمل كافية لاستيعاب 300 ألف شاب من الوافدين على سوق العمل سنوياً.
غير أن المجلس يلاحظ في تقريره الصادر في وقت سابق من مايو/أيار الجاري، أن نقص الفرص الاقتصادية يكون أكثر حدة في الأرياف، حيث تتركز الأنشطة بشكل رئيسي حول الزراعة، مما يجعل هذه الفرص عرضة لتقلبات المناخ، سيما في ظل ضعف الاهتمام بالأنشطة غير الزراعية وتنويع مصادر الدخل البديلة. ولم يفوت رئيس الحكومة عزيز أخنوش، فرصة بمناسبة مناقشة الحصيلة المرحلية للحكومة بالغرفة الثانية من البرلمان، كي يعلق على بيانات البطالة الذي تعتبر قياسية مقارنة بالمستويات المسجلة في الأعوام السابقة، حيث ربط ذلك بندرة المياه في ظل الجفاف، فهو يؤكد على أن شح المياه يؤثر على الإنتاج وفرص العمل.
غير أن مصدراً مطلعاً يؤكد أن الحكومة تعكف على بلورة رؤية لتحفيز التشغيل الأرياف، خاصة في ظل توالي سنوات الجفاف الناجم عن التغيرات المناخية، التي ستؤثر على الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالزراعة. ويضيف المصدر لـ"العربي الجديد" أن الهجرة من الأرياف إلى المدن من أجل تأمين فرص عمل لم تعد ممكنة في السياق الحالي في ظل ضعف النمو، الذي لا يتعدى 3%، وقلة فرص العمل في المدن التي قفزت فيها البطالة من 15.8% إلى 16.8%.
في السياق، يقول الكاتب العام للجمعية المغربية للتنمية الفلاحية في جهة "الدار البيضاء - سطات" الفاطمي بوركيزية، إن توفير فرص عمل ومحاصرة البطالة في الأرياف، يستدعي تشجيع الزراعات الخريفية التي تتمحور بشكل كبير حول الحبوب، والتي تؤمن بشكل خاص قوت المزارعين الصغار وإيراداتهم من تسويق المحاصيل.
ويؤكد بوركيزية في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه يمكن تشجيع المزارعين على الانتظام في تعاونيات من أجل توفير مطاحن صغيرة وإتاحة جزء من مدخلات الأعلاف التي أضحت أسعارها مرتفعة، بشكل يؤثر على مربي المواشي، مشيراً إلى ضرورة الانخراط في مسار للتنمية القروية يأخذ بعين الاعتبار التغير المناخي الزاحف. ويضيف أنه يفترض تثمين بعض المحاصيل في بعض المناطق مثل تلك التي توفر الزيتون أو الحمضيات، حيث سيؤدي ذلك إلى توفير فرص عمل لأبناء الأرياف الذي يضطرون في بعض الأحيان إلى الهجرة إلى المدن بحثاً عن فرص عمل هشة وتوسع دائرة الفقر.
وأفضى التباين الكبير في درجات الحرارة الدنيا والقصوى في المغرب إلى اضطرابات في دورات إنتاج المحاصيل. وأدى ارتفاع درجات الحرارة خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، المقترن بقلة تساقط الأمطار، إلى تفاقم الإجهاد المائي في العديد من مناطق زراعة الحبوب في المملكة وتسبب في خسائر كبيرة في زراعة الحبوب، لا سيما في جهة الدار "البيضاء ـ سطات". وتستمر تداعيات الجفاف، إذ بلغ متوسط تساقط الأمطار في 22 مايو/أيار الجاري حوالي 237 ملم، بانخفاض بلغت نسبته 31% مقارنة بموسم عادي (349 ملم)، وبزيادة قدرها 9% مقارنة بالموسم السابق (217 ملم) في نفس التاريخ. وتبلغ نسبة ملء السدود للاستخدام الزراعي على المستوى الوطني حوالي 31% مقابل 30% في الموسم السابق في التاريخ نفسه، وفق البيانات الحكومية.
ويؤكد محمد الإبراهيمي، عضو جمعية مكثري الحبوب، أن الجفاف أدى إلى ضعف نمو القمح في المناطق التي تعرف تاريخيا بإنتاح يتيح للمغرب تأمين جزء كبير من حاجته. وأشار الإبراهيمي إلى أن مستوى المحصول في العام الحالي، يدل على الصعوبات التي يعاني منها مزارعو الحبوب بسبب الجفاف، ما يفرض التوجه أكثر نحو توفير بذور مقاومة للجفاف.