أصبحت الصفقات الضخمة التي خططت لها إسرائيل قبل اندلاع الحرب على قطاع غزة، في مهب الريح، ولا سيما التي ترتبط بقطاع الغاز الطبيعي في البحر المتوسط الذي استقطب اهتمام شركات إماراتية ودولية.
وتسببت الحرب في توقف صفقة ضخمة تقوم على استحواذ شركتي بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) و"بريتش بتروليوم" (بي بي) البريطانية على 50% من شركة "نيوميد" للطاقة الإسرائيلية، مقابل ملياري دولار وفق العرض المقدم والذي كانت الشركة الإسرائيلية تتمنع عن قبوله وتطالب بزيادته في السابق.
وقالت "نيوميد" في إفصاح لبورصة تل أبيب، أمس الأربعاء، إن أطراف الصفقة اتفقت على تأجيلها بسبب الغموض الذي يكتنف "البيئة الخارجية"، في إشارة إلى الحرب في غزة والاشتباكات الدائرة على الحدود الشمالية مع حزب الله اللبناني والتي يُتخوف من اتساع نطاقها. وأضافت "نيوميد" أنه "ليس هناك يقين باستئناف المناقشات أو التوصل إلى اتفاق في المستقبل، كما ليس هناك يقين بشأن بنود الاتفاق".
وبعد الإعلان عن توقف صفقة الاستحواذ، أمس، هوت أسهم شركة "نيوميد" بنسبة 7% خلال التعاملات في بورصة تل أبيب، وتراجعت أسهم مجموعة "ديليك" للطاقة بنسبة 4%، ليهبط مؤشر النفط والغاز بنسبة 2%، وفق صحيفة كالكاليست الاقتصادية الإسرائيلية.
ولم تضرب الحرب فقط خطط الشركة الإسرائيلية للحصول على سيولة مالية ضخمة وكذلك مساعي شركتي "أدنوك" و"بي بي" لتوسيع حضورهما في قطاع الغاز بمياه البحر المتوسط وإنما أيضا أموال صناديق الاستثمار العالمية التي تدفقت على الشركة الإسرائيلية آملا بتحقيق مكاسب من وراء إبرام تلك الصفقة التي جرى الترويج لها على أنها نتاج لافت للتطبيع بين الإمارات وإسرائيل. وكان عدد من صناديق التحوط بما في ذلك "دافيد كيمبنر كابيتال مانجمنت" قد زاد حصته في "نيوميد" أخيراً إلى نحو 5%.
وقدمت "أدنوك" و"بي بي" العرض قبل عام بهدف إقامة مشروع مشترك يتيح لهما الوصول إلى المناطق الغنية بالغاز في شرق البحر المتوسط قبالة سواحل فلسطين المحتلة.
وقالت "نيوميد" في إفصاحها لبورصة تل أبيب وفق ما نقلته صحيفة "غلوبس" الإسرائيلية: "تم تعليق العملية حتى موعد تجديدها أو انتهاء أجلها".
تعد الحرب على غزة، أحدث القضايا التي تواجه الصفقة الشرق أوسطية التاريخية، وفق وصف وكالة بلومبيرغ الأميركية، إذ ألقت محاولة شراء الشركة الإسرائيلية في مارس/آذار من العام الماضي 2023 الضوء على العلاقات المالية المزدهرة بين الإمارات وإسرائيل منذ تطبيع العلاقات.
وقالت أبوظبي وتل أبيب آنذاك إن الاتفاق السياسي سيفتح المجال لاستثمارات بمليارات الدولارات في إسرائيل. وقال مصدر مطلع على تفاصيل الصفقة في تصريحات لـ"غلوبس": "لو لم تكن هناك حرب، لكان هناك اتفاق".
وكان يوسي أبو، الرئيس التنفيذي لـ" نيوميد" قد قال في تصريحات صحافية عقب تقديم الشركتين الإماراتية والبريطانية عرض الاستحواذ على نصف الشركة، إن "العرض نتيجة العلاقات والجسور الدافئة التي بنيناها في السنوات الأخيرة مع شركات الطاقة العاملة في المنطقة وهو أهم تعبير عن الثقة في قطاع الغاز الإسرائيلي بشكل عام، وفي أنشطة نيوميد وأصولها بشكل خاص".
كما رحّب وزير الطاقة والبنية التحتية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، آنذاك بالعرض، قائلاً إنه يدل على إمكانات وجاذبية صناعة الغاز الطبيعي الإسرائيلية في جميع أنحاء العالم، إذ يمكن للصفقة أن تزيد من اهتمام شركات الغاز الطبيعي والنفط العالمية الكبرى.
وتمتلك "نيوميد" 45% من حقل ليفياثان، الذي يعد أكبر خزان للغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط، وأحد أكبر الأصول المنتجة في المنطقة، وفق نشرة "أويل برايس" الأميركية المتخصصة في الطاقة، إذ يحوي 22.9 تريليون قدم مكعبة من الغاز القابل للاستخراج. واكتشفت "نيوميد" وشركاؤها الحقل عام 2010. ويمتد على سواحل فلسطين المحتلة والحدود مع لبنان وقبرص وجمهورية شمال قبرص التركية. وتمتلك "شيفرون" الأميركية حصة 39.7% من الحقل و"ريشيو بتروليوم" الإسرائيلية 15%.
وبدأ الحقل بالإنتاج في نهاية عام 2019، وينتج 12 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، وتخطط إسرائيل لأن يصل إنتاجه إلى حوالي 21 مليار متر مكعب في السنة في الأجل الطويل.
وقبل الحرب أوصت لجنة مستقلة عينتها شركة "نيوميد" برفع السعر المطلوب للصفقة الإماراتية البريطانية بنسبة تتراوح بين 10% و12%، بقيمة تصل تقريباً إلى نصف مليون دولار فوق القيمة المعروضة البالغة ملياري دولار.
وتتعرض حقول الغاز في إسرائيل لتهديدات محدقة، ما دعا سلطات الاحتلال إلى مطالبة شركة "شيفرون" في التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بإغلاق حقل "تمار"، ثاني أكبر حقول الغاز التي يسيطر عليها الاحتلال الإسرائيلي، بسبب المخاوف من قذائف المقاومة الفلسطينية، قبل أن يجري استئناف الإنتاج بعد التوقف الذي دام نحو خمسة أسابيع، ولكن ليس بنفس المعدلات السابقة.
وتمتلك "شيفرون" الأميركية، التي تدير "تمار"، حصة 25% من الحقل، فيما تمتلك "إسرامكو" 28.75%، و"مبادلة" للطاقة الإماراتية 11%، و"يونيون إنرجي" 11%، و"تمار بتروليوم" 16.75%، و"دور غاز" 4%، و"إيفرست" 3.5%.
وتأتي المخاطر التي تطارد حقول الغاز في دولة الاحتلال، بينما تكتسب الاحتياطيات في شرق البحر الأبيض المتوسط بالفعل أهمية إضافية منذ الغزو الروسي لأوكرانيا نهاية فبراير/ شباط من عام 2022، خاصة في ظل سعي الدول الأوروبية إلى التخلي عن الإمدادات المنقولة عبر الأنابيب من موسكو.
وتُعَدّ مصر والأردن الوجهتين الرئيستين لصادرات الغاز الإسرائيلي من خلال خطوط الأنابيب المرتبطة بكلا البلدين، إذ تستعمله عمّان في تأمين الاحتياجات الداخلية، فيما تعيد القاهرة تصديره إلى الخارج بعد إسالته.
كما توجه الحرب على غزة ضربة لمساعي شركة بترول أبوظبي التي تخطط لتوسيع عملياتها في قطاع الغاز بالخارج، إذ قالت العام الماضي إنها ستنفق مليارات الدولارات لأجل ذلك.