هزت الكشوفات المسربة للحوالات المعمرة أو المعلقة غير المستلمة، القطاع المصرفي في اليمن، لتصب المزيد من الزيت على النار المشتعلة في البلاد التي تعيش على وقع انحدار متواصل للاقتصاد الوطني والعملة المحلية، وأكبر أزمة إنسانية على مستوى العالم.
وقام موظف سابق في إحدى شركات التحويلات المالية بنشر كشوفات تضم نحو 62 حوالة مالية معلقة لم يجر استلامها، تقدر بحوالي 6 مليارات ريال يمني، مبرراً ما قام به من إجراءات وتسريبات، والتي لا تتعدى نسبتها 25 في المائة من العدد الإجمالي لكل الحوالات؛ بالخطوة الصحيحة لإرجاع الأموال لأصحابها، وبشكل يحفظ خصوصية بيانات الناس، ولا يتسبب في الإضرار بشبكات التحويل والبنوك.
في حين علق خبراء في القطاع المصرفي بأن هذا فقط في شركة محدودة لا يتجاوز عمرها في السوق المصرفية أكثر من ثلاثة أعوام، فيما توجد شركات ضخمة أخرى تستقطب أكثر من 80 في المائة من كعكة التحويلات المالية في اليمن ومنتظر أن تبادر بالإعلان عما لديها من حوالات معلقة منذ سنوات.
تحويلات ضخمة
ويقدر متعاملون في سوق الصرف المحلية في اليمن عدد الحوالات الصادرة كل يوم في جميع الشبكات بحوالي 150 ألفاً إلى 250 ألف حوالة يومياً بما يعادل 72 مليون حوالة كل عام، أي إن هناك 360 مليون حوالة مالية خلال الخمسة أعوام الماضية، وهي المدة القانونية للاحتفاظ بسندات الحوالات المستلمة قبل إتلافها بموجب محضر رسمي.
كما ترجح مصادر "العربي الجديد" أن يكون هناك 160 ألف حوالة غير مستلمة في السوق المصرفية اليمنية، بالنظر إلى التحول والتوسع في استخدام القطاع المصرفي وشبكة التحويلات المالية في مختلف المعاملات التجارية والخدمات العامة.
رئيس جمعية البنوك اليمنية محمود ناجي في تصريح لـ"العربي الجديد"، يقول عن الحوالات الواردة غير المسلمة للأشخاص هي في الأساس قضية قانونية تتعلق بالحقوق، ويتوجب على السلطات النقدية وسلطات تنفيذ القانون في البلاد أن تتولى البت بشكل عاجل فيها حفاظاً على حقوق أصحابها، وحتى لا تهتز ثقة المتعاملين، خصوصاً المغتربين، بالقطاع المصرفي والمؤسسات المالية المحلية في اليمن.
وينوه ناجي بأن جزءا من هذه الحوالات بالأخص المرسلة بالنقد الأجنبي كان لها أثر إيجابي تحقق عند دخولها البلاد، أو عند إضافة قيمتها بالنقد الأجنبي إلى حسابات البنوك والشركات المالية المحلية مع مراسليها في الخارج، وأصبحت تشكل مورداً مهماً من موارد النقد الأجنبي في البلاد، سواءً سلمت تلك الحوالات، أو ظلت معلقة لسبب أو لآخر في حسابات البنوك وشركات الصرافة.
رسائل نصية
ويؤكد عدد من المستفيدين وجدوا أسماءهم في الكشوفات المسربة، لـ"العربي الجديد"، أنهم استلموا رسائل نصية من قبل إحدى شركات التحويلات المالية تدعوهم للحضور إلى فروع الشركة لاستلام حوالاتهم، وصنفت جمعية الصرافين اليمنيين هذه الحوالات المالية غير المدفوعة، بالحوالات التي لم تدفع بسبب عدم حضور المستفيدين لاستلامها وعدم حضور المرسلين لاسترجاعها.
ويوضح مسؤول في جمعية الصرافين لـ"العربي الجديد"، أن جميع أرصدة تلك الحوالات غير المدفوعة مودعة من قبل شبكات التحويل المالية في حسابات طرف البنوك المحلية ومخصصة لهذا الشأن، وذلك وفق تعليمات البنك المركزي بالمنشور رقم (6) لسنة 2021.
ويُلزم ذلك شبكات التحويل المالية باشتراطات عدة، أهمها ضرورة إشعار كل من مرسل الحوالة والمستفيد منها عبر إرسال رسائل نصية بشكل دوري (كل 30 يوماً من تاريخ إرسال الحوالة)، وذلك لإبلاغهم بأن الحوالة ما زالت غير مدفوعة.
إضافة إلى حق مرسل الحوالة في استعادة مبلغ الحوالة في حال ما زالت غير مدفوعة للمستفيد، ويُعاد المبلغ بموجب طلب من المرسل، وبموجب وثائق الإثبات القانونية للهوية ولإرسال الحوالة من قبله.
ضعف رقابي
ويرى مصرفيون أن على المؤسسات النقدية المركزية، البنك المركزي في صنعاء، التحرك بمسؤولية وإرجاع الأرصدة الخاصة بهذه الحوالات للشبكات والتي احتجزها لسنوات، لكي يتسنى للشبكات صرف الحوالات المتأخرة دون الإضرار بمركزها المالي، وحتى لا يضطروا لتعقيد عملية صرف الحوالات كوضع شرط تعجيزي، مثل إحضار سندات الحوالة التي قد لا تكون متوفرة لدى الكثير بعد كل هذه الفترة.
ويقدر الباحث الاقتصادي والمصرفي وحيد الفودعي، لـ"العربي الجديد"، هذه الحوالات التي يصفها بالخاملة غير المستلمة بمليارات الدولارات والتي تضخمت بهذا الشكل الضار، بسبب غياب أي دور رقابي وإشرافي للمؤسسات النقدية العامة كالبنك المركزي اليمني في عدن، على وجه التحديد، والذي غاب عن مراقبة ومتابعة وعمل الحلول المناسبة للحوالات الخاملة، وهي واحدة من أهم واجباته ووظائفه في الرقابة والإشراف وحماية حقوق جمهور المتعاملين مع البنوك وشركات الصرافة.
ويقول الفودعي إن البنوك وشبكات التحويلات المالية وشركات ومحال الصرافة تستغل هذه الأموال لصالحها ولصالح الحوثيين، إضافة إلى استعمالها في المضاربة بالعملة، والتربح غير المشروع، وتمويل الإرهاب.
وكان البنك المركزي في عدن قد أعلن العام الماضي عن إنشاء شبكة موحدة للأموال كشركة مساهمة يمنية، برأس مال قدره 5 مليارات ريال يمني، وتضم جمعيتها التأسيسية 47 مؤسساً يمثلون 47 شركة صرافة من كبرى شركات الصرافة في اليمن، بهدف الحد من استخدام شبكات التحويلات المالية الحالية في الإضرار بالاقتصاد اليمني، والاختلالات المتسعة في السوق المصرفية.
وساهمت الحرب الدائرة في اليمن منذ عام 2015، وما رافقها من صراع طاحن وانقسام في توسع يصفه مراقبون بالمخيف للشركات والشبكات الخاصة بالتحويلات المالية، وسط تهاو متواصل للعملة المحلية وانخفاض قيمتها مع انخفاض سعر صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية.
الخبير الاقتصادي والمالي أحمد شماخ، يؤكد لـ"العربي الجديد"، أن تضخم السوق السوداء في اليمن طوال أعوام الحرب تركز جزء منها في المضاربة بالعملة اليمنية، لذا فإن مثل هذه الظواهر والاختلالات ستستمر بالتمدد ما لم يجر تحييد الاقتصاد، وإعادة توحيد المؤسسات المالية والنقدية.
ويتزايد ظهور شبكات التحويلات المالية وشركات الصرافة في عموم المناطق والمحافظات اليمنية الخاضعة لسلطات متعددة، بالرغم من الإجراءات المكثفة التي تنفذها السلطات النقدية في اليمن، وما يصدر عنها من بيانات وتعميمات ولوائح لتنظيم العمل، ومنح التراخيص لمزاولة العمل المالي والمصرفي.