فوضى عارمة تشهدها تونس هذه الأيام، معظم المدن تعاني من نقص حاد في رغيف الخبز، فيما يشهد بعضها ندرة شديدة في الدقيق والسلع الغذائية الضرورية، البلاد تعيش على وقع أزمة كبيرة في توفير أهم سلعة حياتية مرتبطة بالمواطن، مع غلاء في تكلفة المعيشة.
طوابير تصطف أمام عدد كبير من المخابز للحصول على حصتها اليومية من الخبز الحكومي، هناك نقص في الدقيق والسكر والقهوة والأرز أدى إلى زيادة حدة المضاربة والاحتكار، وخلق مشاكل كبيرة للأسر في توفير المواد الغذائية التي لا تخلو منها عادة الموائد.
آلاف المخابز تغلق أبوابها في عدة مناطق، لعدم توافر المواد الأساسية لصناعة الخبز المدعم، وأخرى تبحث التوقف عن الإنتاج
آلاف المخابز تغلق أبوابها في عدة مناطق، لعدم توافر المواد الأساسية لصناعة الخبز المدعم، وأخرى تبحث التوقف عن الإنتاج.
وفي مناطق عدة نجد أن شبح الإغلاق يخيم على عدد كبير من المخابز، في ظل اضطراب تزودها بالدقيق من قبل المؤسسات الرسمية، الأزمة قابلة للتفاقم مع بطء الإجراءات الحكومية لإنقاذ قطاع المخابز.
الأرقام تشير إلى أن أكثر من 40% من المخابز أغلقت بالفعل أبوابها، والباقي في الطريق. فمعظم المخابز تشكو نقصاً في الدقيق، بعد أن ندر هو والسميد والزيت النباتي لدى المتاجر والأسواق.
السلطات عاجزة عن احتواء الأزمة وتخفيف حدة العجز في السلع الأولية وتغطية الاحتياجات الغذائية الضرورية. مادة القمح الصلب لا تتوافر بالقدر الكافي في الأسواق، وهو ما لا يتيح للأسرة صناعة خبز في البيوت.
عدد من المخابز يعاني من عدم صرف إعانات الدعم لمدة تقترب من عام ونصف، ما دفع عدداً منها إلى الوقوع في نفق التعثر المالي والتوقف التام عن إنتاج رغيف الخبز ابتداءً من شهر يونيو القادم، وهو ما يعني تسريح آلاف العمال.
اتحادات مخابز تعلن تنظيم إضرابات خلال الأسابيع المقبلة والتوقف عن تزويد المؤسسات العمومية بالخبز، ما قد يخلق أزمة كبيرة في تزويد المدارس والسجون والمستشفيات ودور الإيواء باحتياجاتها من الخبز المدعم.
أزمة كبيرة في تزويد المدارس والسجون والمستشفيات ودور الإيواء باحتياجاتها من الخبز المدعم
هناك انتعاش كبير في السوق السوداء المتعلقة بالمواد والسلع الغذائية الضرورية وتوزيع الحبوب، وما يرافقها من فساد وضغط على موازنة الأسرة والقدرة الشرائية للمواطن.
ديوان الحبوب، وهو المؤسسة الحكومية المكلفة توريد الحبوب والمزود الوحيد للمخابز، يقترب من الإفلاس بعد أن تجاوزت ديونه 3 مليارات دينار (أي ما يقارب 986 مليون دولار).
كذلك ارتفعت ديون الديوان بنسبة 27% خلال عام واحد، وتأخرت الدولة في صرف ميزانية الدعم الموجهة إلى القطاع، في ظل أزمة مالية خانقة تعاني منها البلاد منذ سنوات.
الحكومة عاجزة عن استيراد احتياجات السوق من القمح الصلب وغيره من الحبوب، وقد تعجز لاحقاً عن استيراد منتجات الوقود من بنزين وسولار وغاز طهو وغيره.
هناك احتقان وتوتر اجتماعي كبير ومتزايد في تونس العاصمة والقيروان وصفاقس وغيرها من المدن الرئيسية بسبب ندرة الخبز الذي يمسّ كل سكان الولايات، زاد من الاحتقان غلاء الأسعار وبيع بعض المخابز نوعاً خاصاً من الخبز بـ 2000 مليم، وهو سعر يفوق قدرات معظم الأسر التونسية.
في مقابل تلك الأزمة المحتقنة والمتفاقمة، يعيش الرئيس التونسي قيس سعيّد في حالة إنكار للأزمات، يرافقها فشل ذريع في إدارة شؤون الدولة.
ومن وقت لآخر يخرج ليسرد علينا كلمات من قاموس عفن عفا عليها الزمن، لكن يلجأ إليه عند تبرير إخفاقاته وفشله في إدارة الملف المعيشي والأوضاع الاقتصادية.
احتقان وتوتر اجتماعي كبير ومتزايد في تونس العاصمة والقيروان وصفاقس وغيرها من المدن الرئيسية بسبب ندرة الخبز
فقد أرجع أزمة الخبز وغيرها من الأزمات المتعاقبة إلى مؤامرة سياسية تقودها قوى وتيارات حزبية مناوئة له وتريد إثارة رجل الشارع ضده وتأجيج المجتمع لغايات سياسية واضحة، وأن على الدولة أن تتصدى للمحتكرين والعابثين بقوت التونسيين.
بل ويزعم أنه يعرف أسماء كل من يقفون وراء الأزمة الحالية، وأنه لن يسكت عن تجويع الشعب التونسي!
ومرة أخرى يخرج ليعلن أنّ سبب أزمة الخبز الحالية هو الاحتكار والمضاربة غير المشروعة وسيطرة بعض اللوبيات على مسالك التوزيع بهدف التنكيل بالشعب، أو يزعم أنها أزمة مفتعلة إلى آخر تلك الكلمات التي لم تعد تجدي نفعاً مع المواطن الجائع الباحث عن رغيف حتى ولو "عيش حافي".
حلّ أزمة الخبز وغيرها من القضايا الملحّة المتعلقة بالمواطن مثل غلاء المعيشة وتراجع الدينار هي آخر ما يشغل قيس سعيّد، فهو مهتم بقضايا أهم من وجهة نظره تطيل بقاءه في الحكم.
مهتم مثلا بتوسيع سلطاته، وممارسة الاستبداد على نطاق واسع، والقذف بالمعارضين السياسيين في غياهب السجون، وسجن زعيم حركة النهضة راشد الغنوشى، واعتقال الصحافيين وأصحاب الرأي، وعزل القضاء.
حلّ أزمة الخبز وغيرها من القضايا الملحّة المتعلقة بالمواطن هي آخر ما يشغل قيس سعيّد، فهو مهتم بقضايا تطيل بقاءه في الحكم
مهتم أيضا بكبت الحريات العامة، وانتهاك الدستور والقانون، وفبركة التهم ضد رموز القوى السياسية، والجري وراء الدائنين الدوليين، وفي مقدمتهم صندوق النقد الدولي، لعلهم يعطفون عليه ويمنحونه عدة ملايين من الدولارات تؤجل إعلان الدولة إفلاسها والدخول في ذات التعثر المالي المظلم.
وبدلاً من أن تعمل حكومته على احتواء تلك الأزمة الشعبية ويتحمل قيس سعيد المسؤولية كاملة عن هذا الفشل، راح يلقي بالأزمة على "أعداء الوطن"، وغيرها من التهم التي يدرك هو نفسه قبل غيره أنها غير صحيحة ويفبركها بقصد الإلهاء وشغل الرأي العام ليس إلّا.