رغم امتلاك كل من مصر والسودان إمكانيات زراعية تجعلهما سلالاً لغذاء العرب، إلا أن إهمال القطاع الزراعي حول مصر إلى أكبر مستورد للقمح في العالم.
أما السودان، الذي يمتلك أكبر مساحات قابلة للزراعة في الوطن العربي، فإن إنتاجه لا يكفي سوى نسبة محدودة من الاحتياجات المحلية.
وفي الموسم الجاري زادت الحكومة المصرية من اهتمامها بمحصول القمح في ظل أزمة الإمدادات العالمية بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا، إذ أعلنت عزمها زيادة مشترياتها من القمح المحلي، ورفعت الأسعار بهدف إغراء المزارعين لتوريد محاصيلهم للمخازن الحكومية.
مصر: الشروط الحكومية وديون المزارعين
كانت وزارة التموين والتجارة الداخلية في مصر، قد أعلنت عن تجهيز أكثر من 400 نقطة لاستقبال الأقماح المحلية الموردة لموسم 2022، على أن تصرف مستحقات المزارعين خلال 48 ساعة بحد أقصى، وذلك بالتنسيق مع وزارة المالية.
واشترطت الوزارة على كل مزارع بتوريد 12 إردب قمح عن كل فدان كحد أدنى، مع حظر بيع ما تبقى من القمح الناتج عن الموسم الحالي لغير جهات التسويق إلا بعد الحصول على تصريح من وزارة التموين، مع عدم جواز نقل القمح من مكان لآخر.
وحذرت الوزارة المزارعين من أن مخالفة تلك الاشتراطات تعرضهم للحرمان من صرف الأسمدة المدعمة موسم الزراعة المقبل، وكذلك من أي دعم يقدم من البنك الزراعي.
وتستهدف الحكومة هذا العام توريد نحو 6 ملايين طن من القمح المحلي بتكلفة إجمالية تبلغ نحو 36 مليار جنيه (الدولار = نحو 18.3 جنيهاً)، بواقع 885 جنيهًا للإردب كأعلى درجة نقاوة، في حين تحتاج لرغيف الخبز المدعم نحو 10.5 ملايين طن. وتعد مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، حسب بيانات رسمية.
ومن جانبه، أكد نقيب الفلاحين، حسين أبو صدام، أن معدلات توريد القمح من قبل المزارعين للحكومة تسير بوتيرة مرتفعة، تصل إلى 200 ألف إردب يوميًا (الطن = 6.67 إردب) في الوقت الحالي، وذلك نظرًا لحاجتهم الماسة لسيولة نقدية لسداد ما عليهم من الديون، بالإضافة لارتفاع معدل الإنفاق على تكاليف المعيشة.
وقال في تصريحات لـ"العربي الجديد": "على الرغم من أن الحكومة اشترطت على المزارعين للحصول على دعم الأسمدة توريد 12 إردبا (155 كغ) عن كل فدان، فمعظم الفلاحين سيتخطى هذا المستهدف، خاصة أن إنتاج القمح هذا العام يصل في المتوسط إلى 20 إردبا في الفدان".
وأضاف أنّ الاشتراطات التي وضعتها الحكومة من عدم نقل القمح وعدم السماح ببيعه للتجار دون تصريح، ستجعل الكميات المخزنة على قدر الحاجة الشخصية فقط للمزارعين. وأشار إلى أن بعض المزارعين سيحتفظون بكميات من القمح على أمل ارتفاع الأسعار مجددًا من قبل أصحاب شركات القطاع الخاص، كمصانع المكرونة والمخابر السياحية.
وأوضح المزارع، محمد أبو عقيد، أن معظم الفلاحين مضطرون لتوريد كل إنتاجهم من القمح هذا الموسم، لسداد ما عليهم من ديون وخاصة أن إيجار الفدان وصل إلى 12 ألف جنيه في العام، لافتًا إلى أن ثلثي المزارعين هم من فئة المستأجرين الذين يعتمدون سنويًا على تسديد الإيجار من حصيلة بيع القمح، ما يخفف عنهم التكاليف في موسم زراعة الذرة.
وأشار المزارع حاتم عبد الحميد، إلى أنه باع 75 في المائة من الإنتاج للحكومة وادخر الباقي علفًا للمواشي، مبيناً أنه لولا الضائقة المالية التي يمر بها لادخر كل الكمية المنتجة من القمح هذا الموسم علفًا للمواشي، وذلك عقب ارتفاع أسعار الأعلاف.
توجس المزارعين في السودان
تصاعدت التحذيرات في السودان من تداعيات تقاعس الحكومة عن شراء القمح من المزارعين الموسم الجاري، رغم حاجة البلاد إلى تأمين مخزونات كافية من أجل مواجهة أزمة الإمدادات العالمية.
وحسب بيانات رسمية يستهلك السودانيون أكثر من مليوني طن سنوياً، يتم تغطية نسبة كبيرة منها عبر الاستيراد إذ يبلغ متوسط الإنتاج نحو 300 ألف طن.
تستهدف الحكومة هذا العام توريد نحو 6 ملايين طن من القمح المحلي بتكلفة إجمالية تبلغ نحو 36 مليار جنيه
ولا يزال الشد الجذب يراوح مكانه بين منتجي القمح في السودان والحكومة الانتقالية حول عروض شراء القمح.
ومع التطمينات التي أعلنها مدير المخزون الاستراتيجي السوداني عبد المطلب عبد الرحمن للمنتجين عبر حديثه لـ"العربي الجديد" بالبدء في شراء آلاف الأطنان من القمح والذرة من المنتجين كدفعة أولى قريبا، إلا أن عدم التزام الجهات الرسمية، خاصة وزارة المالية، بوعودها للمنتجين بالشراء وبأسعار تضاهي السعر العالمي، خلق أزمة ثقة حادة بين الجانبين بدأت تتزايد حدتها مع الإخلال المتكرر بالمواقيت التي تقطعها المالية بالشراء.
وأبدى مزارع قمح بمشروع الجزيرة مصطفى الطريفي، عدم تفاؤله بإعلان مؤسسة المخزون بالبدء في الشراء، قائلاً لـ"العربي الجديد" إن المنتجين أصابهم عدم ثقة من تحديد مواقيت الشراء.
وأشار إلى أن الكمية المنتجة من القمح بلغت نحو مليوني طن بمشروع الجزيرة وحده، ولم يتم بيع جوال واحد منها حتى الآن رغم موافقة المنتجين على الأسعار التي أعلنتها المالية بواقع 43 ألف جنيه للجوال، لافتا إلى تسرب بعض القمح المنتج للأسواق واستغلال التجار والسماسرة حاجة المنتجين للمال بالشراء من المنتجين بأسعار متدنية تتراوح بين 20 و30 ألف جنيه للجوال.
ورغم توجيهات المجلس السيادي الحكومي لوزارة المالية خلال اجتماع خاص بمناقشة مشكلة القمح، بشراء كامل المنتج من المزارعين، الا أن معلومات تلقتها "العربي الجديد" من مصادر مطلعة، تؤكد عدم وجود سيولة كافية لدى الحكومة للشراء.
واحتجزت السلطات الأمنية الولائية مؤخرا، منتج القمح بمشروع الجزيرة محمد الجنيد لشروعه في ترحيل إنتاجه لبيعه بالخرطوم للإيفاء بالتزاماته البنكية، عقب رفض البنك الزراعي بالجزيرة شراءه منه بسبب عدم صدور توجيه حكومي رسمي بالشراء من المنتجين.