حالة من عدم الاستقرار يعيشها السودان امتدت إلى تسعة أشهر منذ انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حيث لم تتوقف الاحتجاجات والتظاهرات الرافضة للحكم العسكري والتي بدورها ألقت بظلال سالبة على الاقتصاد، وشلت الحركة في العاصمة الخرطوم، ما أثر بحركة البيع والشراء في الأسواق.
حينما تُعلن لجان المقاومة تنظيم تظاهرة، تتخذ سلطات الأمن السودانية عدداً من التحوطات الأمنية، أهمها إغلاق الجسور التي تربط مدن العاصمة الثلاث، الأمر الذي يؤدي إلى عزل سكان تلك المدن ويعرقل حركة المواطنين، وتلقائياً تخلو الأسواق من المواطنين، وتُغلَق المحال التجارية، وتتأثر مصالح كثيرين، وخاصة الفئات التي تتكسب رزقها من الأعمال اليومية، مثل الباعة الجائلين والعمالة المؤقتة.
رئيس تجار الجملة في أم درمان، فتح الله حبيب الله، يقول إن الأسعار مستقرة، لكن الركود سيد الموقف. ويضيف حبيب الله لـ"العربي الجديد" أن كثيراً من التجار المعروفين تركوا المهنة لأسباب متعددة، من بينها عدم الاستقرار السياسي والأمني وإغلاق الطرق وفرض الحكومة رسوماً جديدة تحت بنود جديدة مثل "النفايات، العوائد، تجديد رخصة، مساهمات وطنية"، ما جعل التجار يتخوفون من الخسارة المؤكدة وفقد رأس المال.
ويقول التاجر إسماعيل محمدين لـ"العربي الجديد" إن الأزمات المجتمعة التي لحقت بالاقتصاد في البلاد وسياسة التحرير أدت إلى حدوث موجة تضخمية ضربت الاقتصاد، وأصبح يعاني من الانكماش، وهذا أدى إلى تراجع مظاهر التجوال في الأسواق، التي باتت حزينة تبحث وهي عن زبائنها.
وواصلت الأسواق ركودها في ظل موجة الغلاء التي ضربت معظم السلع والخدمات، ما أدى إلى انحسار القوة الشرائية وإحجام المواطنين عن الشراء، حسب التاجر السوداني.
وبالتوازي أرجع عدد من التجار وخبراء اقتصاد الركود الذي ضرب الأسواق والقطاعات الإنتاجية بالبلاد، وانخفاض القوة الشرائية إلى الارتفاعات الكبيرة في التضخم.
وكشفت أحدث إحصائية رسمية عن التضخم استمرار تحليق الأسعار إلى مستويات قياسية. وتباطأ نمو التضخم السنوي في السودان إلى 192 بالمئة خلال مايو/ أيار الماضي، نزولاً من 220.71 بالمائة خلال إبريل/ نيسان السابق له، حسب الجهاز المركزي للإحصاء (حكومي)، إلّا أنّ نسب التضخم في البلاد لا تزال عند مستويات هي الأعلى على مستوى العالم، بسبب مشاكل مركبة، مرتبطة بتراجع سعر الجنيه السوداني مقابل الدولار.
واصلت الأسواق ركودها في ظل موجة الغلاء التي ضربت معظم السلع والخدمات، ما أدى إلى انحسار القوة الشرائية
ويرى الخبير الاقتصادي بابكر محمود في حديثه لـ"العربي الجديد" أن الحكومة وضعت زيادات كبيرة بلغت أكثر من 600% على عدد من الخدمات بالأسواق، الأمر الذي أدى إلى تدهور حالة المواطنين بسبب للغلاء وعزوفهم عن الذهاب للأسواق، والنتيجة حدوث الركود الحالي الذي تشهده البلاد.
ويقول إن استمرار الوضع بهذا السوء سيؤدي إلى انهيار الاقتصاد. ويرهن الخروج من هذه الأزمات بوضع الحكومة استراتيجيات اقتصادية طويلة وقصيرة المدى، فضلاً عن عودة الأسعار بتحديد "التسعيرة" للمنتجات الضرورية.
ويؤكد الخبير الاقتصادي عبد الله الرمادي، أن الركود الحالي في الأسواق سيقود إلى شلل تام في الاقتصاد، ولا سيما مع زيادات الأسعار والرسوم والضرائب. ويشير في تصريح صحافي إلى أن البلاد تعاني الآن من اختلال اقتصادي يعرف بـ "الركود التضخمي"، الذي أدى إلى إغلاق كثير من المصانع أبوابها، وأوقف عدداً من خطوط الإنتاج.