ضربت الفوضى أسواق العملات في السودان، وسط غياب الدور الحكومي في ضبط المعاملات بسبب شح الدولار، الأمر الذي أدى إلى عودة السوق السوداء مجدّداً وتوسعها بعد اختفائها لفترة محدودة عقب توحيد سعر الصرف وتطبيق سياسات ضخ البنك المركزي العملة الأميركية في البنوك التجارية.
وزادت في وسط العاصمة السودانية الخرطوم عمليات تجارة العملات بجميع الطرق، خلال الفترة الأخيرة، دون أي مساءلة قانونية أو رقابة من الجهات المختصة في ظل انشغال السلطة بالصراعات السياسية والاضطرابات الأمنية.
وفي الوقت الذي حافظت فيه أسعار الدولار على ثباتها أمام العملة المحلية رسميا في الصرافات عند نحو 570 جنيها وفي البنوك ما بين 571 و575 جنيها مع عدم توفيره بسبب قلة المعروض، ارتفع سعر العملة الأميركية في السوق السوداء إلى أكثر من 580 جنيها.
ويقول تجار ومتعاملون في السوق السوداء إن ندرة العملة الصعبة أدت إلى زيادة الطلب عليها وارتفاع أسعارها يوميا، الأمر الذي جعل السوق تخضع للعرض والطلب وفقا لما يهوى كبار التجار.
ويعاني السودانيون أوضاعا معيشية صعبة في ظل توالي ارتفاع أسعار السلع الضرورية بصورة كبيرة مع فقدان الجنيه قيمته دون إجراء إصلاحات حقيقية.
ولا يزال الجنيه يواصل رحلة الانهيار غير المسبوقة أمام العملات الأجنبية وسط صمت للسلطات المالية التي قامت بتعويم العملة المحلية وتركت البنوك تتسابق على شراء العملات الأجنبية بقيادة السوق الموازية في ظل استمرار الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد منذ أشهر طويلة.
وصنف الجنيه السوداني ثاني أسوأ عملة أداء في أفريقيا، يليه الجنيه الجنوب سوداني، هذا في وقت احتل فيه الدولار الزمبابوى المركز الأول، وفقاً لموقع "بزنيس إنسايد" الأفريقي.
وتتعاظم المخاوف من الآثار الصعبة لقرارات الحكومة الأخيرة وتحرير سعر الصرف من واقع أثرها البالغ على أسعار المنتجات والخدمات بشكل عام، حسب تصريح مراقبين لـ"العربي الجديد".
ورغم تطمينات الحكومة بوجود مخزون من النقد الأجنبي بالبنك المركزي من خلال عمليات شراء الذهب، إلا أن مصادر متعددة من البنك المركزي أكدت لـ"العربي الجديد"، أنه لا يملك أي احتياطات نقدية، خاصة بعد قطع المساعدات الدولية إثر الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.
ويرى الخبير المصرفي محمد عبد الرحمن أبو شورة في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن المؤشّرات الاقتصادية في البلاد لم تتحسن، كما أن صادرات السودان لا تزال ضعيفة، وقال إن ارتفاع مُعدّل التضخم من أهم الانعكاسات لتدني قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية.
وأضاف: كما أن حساب التجار عند استيراد السلع دائما ما يكون مرتفعا بقدر كبير، حيث يقومون باحتساب زيادة لا تقل عن 100 جنيه لكل دولار على سعره الرسمي لتوقعاتهم المستمرة بارتفاع أسعاره حتى لا يعرضوا بضائعهم للخسارة، مؤكدا أهمية مراجعة معدلات التضخم التي يتسبب فيها عجز الميزانية.
يعاني السودانيون أوضاعا معيشية صعبة في ظل توالي ارتفاع أسعار السلع الضرورية بصورة كبيرة مع فقدان الجنيه قيمته دون إجراء إصلاحات حقيقية
وحذر أبو شورة من اعتماد الحكومة على طباعة النقود والتي تؤدي إلى ارتفاع التضخم لمستويات كبيرة.
وتوقع مختصون أن تنخفض قيمة الجنيه مجددا في ظل الظروف الراهنة التي يمر بها السودان في ظل الصمت الحالي عن المستويات القياسية المتدهورة التي تشهدها العملة السودانية.
وشهدت السنوات الأخيرة تراجعا للعملة السودانية أمام الدولار في وقت واجه فيه النظام المصرفي صعوبات في توفيره وعجزت الحكومة عن مواجهة زيادة معدل التضخم.
وأرجع المختصون تراجع الجنيه أمام الدولار رغم تحرير سعر الصرف إلى السياسات الحكومية التي اعتمدت على وصفة صندوق النقد الدولي دون أن تتحسب لإصلاحات داخلية مطلوبة، الأمر الذي أدى إلى زيادة معدلات التضخم بصورة غير مسبوقة إلى أكثر من 360 بالمائة، قبل أن تتراجع أخيرا.
ولا يتفاءل الخبير الاقتصادي عبد العزيز إسحاق، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بالأوضاع الحالية لكنه يرى أن الفوضى في السياسات غير المدروسة ربما تصل بالدولار إلى مستويات عالية تزيد من معاناة السودانيين وتقلل من قدرتهم الشرائية وتزيد عدد الفقراء وتصبح معادلة الإصلاح صعبة، مشيرا إلى عدم وجود تقدم في ما يتعلق بالإجراءات التي اتخذتها الحكومة بالنسبة لتعويضات الأسر الفقيرة.
ويرى أن تخفيض قيمة الجنيه عبر توجيهات صندوق النقد الدولي يتطلب إصلاحات هيكلية في بنك السودان المركزي والحصول على وديعة أو منحة دولاريه لضمان تنفيذ السياسات المطلوبة.