كشف ناشطون مصريون عن تجريف نسبة كبيرة من المساحات الخضراء داخل محيط قصر القبة الرئاسي في العاصمة القاهرة، واستغلالها في إقامة تجهيزات ومنشآت خرسانية، من أجل تنظيم الحفلات الغنائية والمعارض العقارية، بغرض تحصيل الأموال نظير تلك الفعاليات، من دون الاكتراث بقيمة القصر التاريخية، والذي يعود تاريخ إنشائه إلى عام 1867 في عهد الخديوي إسماعيل، خامس حكام مصر من الأسرة العلوية.
وحسب مصدر مصري مطلع، فإن الرئيس عبد الفتاح السيسي أصدر تعليمات مباشرة بإزالة مجموعة من الأشجار والنباتات النادرة في حدائق قصر القبة، يرجع بعضها إلى تاريخ إنشاء القصر، واستغلال الأرض المقامة عليها في تنظيم الأنشطة الترفيهية، كالحفلات الغنائية والمعارض العقارية الكبرى، نظراً لعدم استقبال الرئيس المصري أي وفود أجنبية في القصر حالياً، منذ مراسم استقبال نظيره الفرنسي السابق فرانسوا هولاند عام 2016.
وتنطلق فعاليات النسخة الرابعة من "المعرض الوطني العقاري" في قصر القبة الرئاسي، لأول مرة في تاريخ مصر، خلال الفترة من 9 إلى 11 يوليو/تموز الجاري، تحت إشراف تحالف يضم ثلاث شركات كبرى في مجال التسويق العقاري وتنظيم المعارض، وهو التحالف الذي يحتكر عملية الترويج لـ"المشروعات القومية" التي تنفذها الدولة داخلياً وخارجياً، في ضوء متطلبات السوق العقاري، وتحديد اتجاهات الاستثمار.
وصرح المدير التنفيذي للتحالف العقاري معتز عسكر، يوم الأحد، قائلاً إن "السوق العقاري المصري كان مفتقداً لمعرض عقاري وطني، يتناسب مع حجم المشروعات القومية التي تنفذها الدولة في المدن الجديدة، ويمثلها بشكل لائق محلياً وخارجياً"، مدعياً أن "السوق كان معتمداً على معارض أجنبية لا تحقق المستهدفات البيعية للشركات العقارية، سواء في القطاع العام أو الخاص، إلى جانب افتقارها لمتطلبات السوق العقاري المصري".
وأضاف عسكر: "هذا المعرض سيكون بمثابة البداية لسلسلة معارض وطنية في الداخل والخارج، ترتكز على تسويق وترويج المشروعات القومية، وفي مقدمتها العاصمة الإدارية الجديدة، ومدن العلمين الجديدة، والجلالة، والسخنة، والمنصورة الجديدة، ودمياط الجديدة"، مستطرداً: "وضعنا خططاً تسويقية جديدة لصناعة المعارض الوطنية استجابة لتوجيهات القيادة السياسية ممثلة في الرئيس السيسي، في شأن الترويج للمشروعات العقارية الحكومية والخاصة، جذباً للمزيد من الاستثمارات إلى البلاد".
وفي 3 إبريل/نيسان الماضي، أحيت المطربة اللبنانية ماجدة الرومي أولى الحفلات الغنائية في حديقة قصر القبة، مستهلة الحفل بأغنية "على باب مصر" التي تغنت بها الراحلة أم كلثوم، بعدما ظل استخدام القصر مقتصراً لعقود طويلة على المناسبات الرسمية واستقبال ضيوف مصر الكبار. وتراوحت أسعار بطاقات الحفل بين 1500 و5000 جنيه للبطاقة الواحدة، علماً أن القصر الرئاسي سيشهد حفلاً غنائياً مرتقباً آخر للمطرب تامر حسني. ولطالما اتخذ الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي قصر القبة مقراً لإجراء المقابلات الهامة مع المسؤولين المصريين والأجانب أثناء عام توليه الحكم، إيماناً منه بأهمية القصر التاريخية، غير أن استقبال السيسي الدائم لضيوفه في قصر الاتحادية الرئاسي بحي مصر الجديدة، وشروعه في تشييد العديد من القصور الرئاسية المؤمنة، سواء في العاصمة الإدارية الجديدة أو مدينة العلمين الجديدة، دفعه إلى استغلال قصر القبة في إقامة الحفلات والمعارض.
وتمتلك مصر نحو ثلاثين قصراً واستراحة تابعة لرئاسة الجمهورية، أشهرها عابدين والعروبة وحدائق القبة والطاهرة في القاهرة، ورأس التين والمنتزه في مدينة الإسكندرية، بالإضافة إلى ثلاثة قصور واستراحات في الإسماعيلية، واستراحات أخرى في القناطر الخيرية وأسوان.
ورغم هذا الكم الهائل من القصور الرئاسية القائمة بالفعل، قال السيسي، خلال فعاليات المؤتمر الثامن للشباب في 14 سبتمبر/أيلول 2019: "أنا عامل قصور رئاسية، وهأعمل تاني... أنتم هاتخوفوني، ولا إيه، أنا أعمل وأعمل، لكن مافيش حاجة باسمي، ده باسم مصر... هو مش هايبقى موجود في مصر غير قصور محمد علي ولا إيه"، مضيفاً "أنا ببني دولة جديدة في العاصمة الإدارية الدنيا كلها هاتتفرج عليها، وهأعمل مدينة فنون وثقافة هي الأكبر في العالم في العاصمة الجديدة".
وكان الفنان المعارض من الخارج محمد علي قد أصاب أوتاراً حساسة لدى السيسي حينما فضح فساد نظامه بالأرقام والمعلومات، مستشهداً بإنشاء مجموعة من الفيلات والقصور الرئاسية في مناطق عديدة، عن طريق شركة مقاولات كبرى مملوكة له في مصر تعمل مع الجيش مباشرة، وذلك بتكلفة تبلغ مليارات الجنيهات من أموال الخزانة العامة للدولة لصالح السيسي وأسرته وحاشيته المقربة.
ويُعد قصر القبة أحد أهم القصور الملكية في عصر الأسرة العلوية التي حكمت مصر، وقد بُني على أطلال منزل إبراهيم باشا، وشيدته مجموعة من المهندسين المصريين والأتراك والفرنسيين والإيطاليين على مراحل مختلفة، واستغرقت عملية البناء ستة أعوام كاملة، إذ انتهت في أواخر عام 1872.
وارتبط قصر القبة بحفلات الزفاف والأفراح الأسطورية للعائلة الملكية في مصر، بعد افتتاحه رسمياً في يناير/كانون الثاني 1873 في حفل زفاف الأمير محمد توفيق، ولي عهد الخديوي إسماعيل. ولاحقاً حفل زواج الملك فاروق من الملكة فريدة في يناير/كانون الثاني 1938.
ومع تولي فؤاد الأول عرش مصر عام 1917، صار قصر القبة مقراً رسمياً للإقامة الملكية، وخلال فترة حكمه، أمر بعدة تغييرات على القصر، ومنها إضافة سور بارتفاع 6 أمتار وبوابة جديدة وحديقة خارجية، إضافة إلى محطة سكة حديد خاصة بالقطار الملكي، حيث كان الزوار يأتون مباشرة من الإسكندرية أو من محطة مصر المركزية للقطارات في القاهرة.
ويتميز قصر القبة بمقتنياته النادرة من قطع الأثاث الفرنسي على طراز لويس السادس عشر، وكذلك مجموعة من اللوحات الزيتية لأشهر وأكبر الرسامين العالميين في القرن الماضي، وأطلق عليه اسم "القبة" نسبةً إلى مبنى قديم من عصر المماليك يُعرف بمبنى "القبة"، وكانت تحيط به بحيرة مائية مثلت مقصداً لكثير من أبناء العائلات الكبيرة - آنذاك - للصيد والتنزه.
وعقب انتهاء الحكم الملكي في مصر في 23 يوليو/تموز عام 1952، أصبح قصر القبة واحداً من القصور الرئاسية المهمة لاستقبال الوفود والرؤساء من جميع أنحاء العالم. ويضم القصر قرابة 400 غرفة وقاعة، ووثائق ومقتنيات ملكية ورئاسية، وبعض التماثيل للملوك.