تنفد السيولة النقدية لدى سكان قطاع غزة وسط توقف الخدمات المالية والمصرفية التي تقدمها البنوك العاملة في القطاع بفعل استمرار القصف الوحشي الإسرائيلي، ما يزيد عجز الكثيرين عن الحصول على أدنى مقومات الحياة، حيث يفرض الاحتلال حصاراً مطبقاً بمنع الغذاء والمياه والدواء والوقود وقطع الكهرباء عن السكان البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة.
ومنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري توقفت كافة أشكال التعاملات المالية في القطاع المحاصر، وهو ما انعكس بالسلب على حياة الفلسطينيين في الأيام الأخيرة، لاسيما أن بعض الموظفين المحسوبين على السلطة الفلسطينية والقطاع الخاص لم يتمكنوا بالأساس من سحب رواتبهم، ما فاقم الأمر بالنسبة لهم وتسبب في عجز مالي كبير لديهم في ضوء الحاجة الملحة لتوفير الاحتياجات الأساسية في ظل العدوان.
ويشكل العدوان الإسرائيلي الحاصل حالياً وعدم وجود أية آفاق بالنسبة للفلسطينيين في القطاع بالتوصل لاتفاق تهدئة قريب عامل ضغط في ضوء الواقع المجهول وتصاعد عمليات القصف والتدمير وعدم الضغط على الاحتلال لإنهاء حالة التدمير القائمة.
الفلسطيني ماجد الحاج موسى لم يتمكن خلال الأسابيع الثلاثة الماضية من تلقي راتبه بعد أن تأخر في سحبه، ما تسبب في تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الخاصة به في ظل عدم وجود أية بوادر لدى المصارف الفلسطينية بالعودة للعمل من جديد في ظل العدوان.
ويبدي الحاج موسى خشيته في حديثه لـ"العربي الجديد" من أن تطول مدة العدوان الإسرائيلي بما سيفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية له وعائلته المكونة من 9 أفراد، لا سيما وأن أزمة نقص السيولة باتت عامة وبات الكثيرون يمتنعون عن إقراض الآخرين.
ويشير إلى أن الواقع المعيشي والاقتصادي يتراجع بشكلٍ غير مسبوق أو معهود حتى خلال جولات التصعيد أو الحروب التي شهدها القطاع منذ عام 2006 وحتى الحرب الحالية، نظراً للإجراءات المشددة والخانقة وعدم وجود أي حركة اقتصادية أو تجارية.
وتقدر دورة الحياة التجارية في قطاع غزة بنحو 3 مليارات دولار سنوياً يتم تقسيمها على أيام العام، ما يجعل الخسائر المالية المباشرة للعدوان الجاري، لا تقل عن 10 ملايين دولار يومياً دون احتساب الأضرار والفرص الضائعة.
ووصفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية في بيان، يوم الأربعاء الماضي، الحصار الإسرائيلي بأنه جريمة حرب كونه عقاباً جماعياً للسكان، مطالبة حكومة الاحتلال بأن ترفع فورا الحصار عن غزة الذي يعرّض الأطفال وغيرهم من المدنيين الفلسطينيين لأخطار جسيمة.
وقبل المواجهة الدائر رحاها بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي حالياً، كان القطاع يعاني من أزمة سيولة نقدية إذ يعتمد بالأساس في السنوات الأخيرة على رواتب موظفي السلطة وموظفي الحكومة في غزة والمنحة القطرية المقدمة لصالح الأسر الفقيرة.
وشهدت الأعوام الثلاثة الأخيرة مساهمة من دولة قطر في توفير منحة مالية شهرية قيمتها 30 مليون دولار مقسمة على ثلاثة أجزاء، منها 10 ملايين دولار مخصصة للعوائل الفقيرة و10 ملايين مخصصة لوقود محطة توليد الكهرباء، بالإضافة إلى مبلغ مالي لا يدفع مباشرة لوزارة المالية في القطاع، وإنما من خلال شراء وقود من مصر، يُباع في غزة، ومن عوائده يُغطى جزء من هذه الرواتب.
وشكلت الإجراءات العقابية التي اتخذتها السلطة الفلسطينية على القطاع عام 2017 عامل ضغط كبير، لكونها قلصت حجم السيولة النقدية المتوفرة في الأسواق وأدت لتجفيف منابع دورة رأس المال وخفضت نسبة السيولة.
وبالأساس لا يتقاضى الموظفون في القطاع رواتبهم بشكلٍ كامل، إذ لم تزد نسبة صرف رواتب الحكومة في غزة التي تديرها حركة حماس عن 55% خلال الشهر الأخير بعد أن كانت 60%، أما موظفو السلطة فمنذ نحو عامين وهم يتقاضون أجورا تتراوح ما بين 80 إلى 90%.
ويؤكد المختص في الشأن الاقتصادي محمد أبو جياب، أن أزمة السيولة النقدية في القطاع باتت آثارها واضحة خلال الأيام الأخيرة، في ظل حالة الشلل التي عصفت على مختلف المناحي الحياتية والتجارية فضلاً عن إغلاق المعابر بشكلٍ دائم.
ويقول أبو جياب لـ "العربي الجديد" إن هذه الأزمة ستتعاظم بشكل أكبر مع استمرار الحرب الإسرائيلية الحالية على القطاع وعدم وجود أي آفاق لإنهاء العدوان الحالي، فضلاً عن تبعات استمرار إغلاق المعابر وغياب الحركة التجارية والشرائية على نحو واسع.
يوم السبت الماضي، أكد بيان مشترك صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، و"يونيسف" وبرنامج الأغذية العالمي، ومنظمة الصحة العالمية، أنه "خلال ما يقرب من أسبوعين من القصف المستمر، الذي طاول الملاجئ والمرافق الصحية وشبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء، تعرّض عدد مهول من مرافق البنية الأساسية المدنية في غزة للتلف أو الدمار.
وأشار البيان إلى أن المدنيين يواجهون صعوبات متزايدة في الحصول على الإمدادات الغذائية الأساسية، كما أن الطاقة الإنتاجية للمياه لا تزيد عن 5% من الطاقة العادية.
وأكدت المنظمات "كان ما يقرب من ثلث سكان فلسطين يعانون من انعدام الأمن الغذائي. واليوم، نفدت البضائع تقريباً من المحلات التجارية، وأغلقت المخابز، كما نزح عشرات الآلاف من البشر ولا يستطيعون الطهي أو شراء الطعام بأمان".