استمع إلى الملخص
- الصين تسعى لحماية مصالحها من خلال التهديد بإجراءات ضد "القمع" الأوروبي وتفضل حل الخلافات بالحوار، بينما يحاول الاتحاد الأوروبي تجنب حرب تجارية شاملة مع الصين، معتبرًا العجز التجاري الكبير ومخاوف إغراق السوق بالسيارات الصينية.
- تتبع الصين استراتيجية متعددة الأوجه للحفاظ على نفوذها التجاري، بما في ذلك التحقيق في إغراق الأسواق بالمنتجات الأوروبية والتصنيع في دول ثالثة للالتفاف على الرسوم الجمركية المحتملة، مما يشير إلى تأثيرات محتملة طويلة الأمد على العلاقات الجيوسياسية والتجارية العالمية.
تتأهب الصين لمعركة تجارية حامية مع الاتحاد الأوروبي، حال فرض الأوروبيين رسوماً جمركية كبيرة على السيارات الكهربائية الصينية، على غرار ما فعلت الولايات المتحدة الأميركية قبل أيام في إطار إجراءات لكبح العملاق الأسيوي الذي يغزو العالم بمنتجاته المختلفة.
ولا يبدو أن معركة السيارات الكهربائية بين بكين وبروكسل ستكون محدودة، بالنظر إلى حجم الصادرات الكبيرة إلى أوروبا، والتي تدفع الصين إلى رد انتقامي مؤلم، على عكس رد فعلها على قرار الإدارة الأميركية زيادة الرسوم الجمركية على المركبات الكهربائية الصينية، رغم أنه قضى بمضاعفة الرسوم أربع مرات لتصل إلى 102.5%، وذلك لأن صادراتها من هذه السيارات إلى السوق الأميركية ليست كبيرة وبالتالي غير مؤثرة.
كما أن تشابك العلاقات بين شركات السيارات الصينية والأوروبية يجعل المشهد أكثر ارتباكاً أمام صناع القرار في بروكسل، إذ قد ترتد خطوة فرض رسوم جمركية على المركبات الكهربائية الصينية على مصنعين أوروبيين كبار، لا سيما في ألمانيا، ما دعا محللين ومؤسسات أبحاث استشارية عالمية إلى طرح تساؤلات حول قدرة الاتحاد الأوروبي بالفعل على خوض حرب تجارية مع الصين.
واستبقت الصين قرار بروكسل بشأن فرض الرسوم الجمركية بتوجيه اتهامات إلى الاتحاد الأوروبي بشأن "قمع" شركاتها، ولوحت بأنها ستتخذ إجراءات لحماية مصالحها. وقال وزير التجارة الصيني وانغ وينتاو، خلال اجتماع عُقد، يوم الأحد الماضي، مع الشركات الصينية في إسبانيا، إن بكين ترغب في معالجة الخلافات الاقتصادية والتجارية من خلال الحوار وتجنب التصعيد غير المنضبط.
وأضاف وانغ، في بيان عقب زيارته لمصنع سيارات صيني مزمع في إسبانيا، أن قادة فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي أعربوا عن رغبتهم في تجنب حرب تجارية.
وذكر البيان الذي أوردته وكالة بلومبيرغ الأميركية أمس الاثنين: "إذا لم يمارس الاتحاد الأوروبي ما يدعو إليه وواصل قمع الشركات الصينية، فإن الصين ستتخذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية المصالح المشروعة للشركات الصينية بحزم".
ويتعين على الاتحاد إبلاغ مصدري السيارات الكهربائية الصينيين بما إذا كان يعتزم فرض رسوم جمركية، ومدى ارتفاعها، خلال يونيو/حزيران الجاري، وقد تدخل حيز التنفيذ بعد شهر.
وأطلق الاتحاد الأوروبي في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي تحقيقاً بخصوص دعم بكين صناعة السيارات الكهربائية في الصين. كما فتح وابلاً من التحقيقات التجارية ضد الصين بشأن مكافحة الإغراق، بخاصة في قطاع التكنولوجيا النظيفة.
الصين تحقق في إغراق أسواقها بالبراندي الأوروبي
وفي رد أولي على التحركات الأوروبية، بدأت الصين بالفعل تحقيقاً لمكافحة الإغراق بالبراندي المستورد من الاتحاد الأوروبي، وهي خطوة تستهدف بوضوح هذا النوع من المشروبات الكحولية فرنسية المنشأ.
وأشارت وسائل الإعلام الحكومية أيضاً إلى أن الإجراءات الانتقامية قد تشمل السيارات الأوروبية ولحم الخنزير. وقال وانغ إن الاتحاد الأوروبي استخدم روايات زائفة مثل القدرة التنافسية الفائضة وغير العادلة لإطلاق تحقيقات بشأن السيارات الكهربائية الصينية والسكك الحديدية والطاقة الشمسية والمعدات الطبية وقطاعات أخرى، ما يزيد من خطر الخلاف بين الصين والاتحاد الأوروبي. وحث الاتحاد الأوروبي على التخلي عن الحمائية والسعي إلى الحوار والتعاون بدلاً من ذلك.
وتشير ديناميات مبدأ العين بالعين إلى أن الاتحاد الأوروبي، الذي واجه في العام الماضي عجزاً تجارياً في السلع بما يقرب من 300 مليار يورو (324 مليار دولار) مع الصين، يريد الآن تضييق هذه الفجوة، وقد ينزلق قريباً إلى حرب تجارية مع بكين.
فقد تضاعفت الواردات الأوروبية من السيارات الكهربائية الصينية وحدها بين عامي 2021 و2023 لتصل إلى أكثر من 430 ألف سيارة سنوياً، بقيمة 10 مليارات يورو، وفقاً لتقديرات معهد بيترسون للاقتصاد الدولي ومقره واشنطن. وفي الوقت نفسه، فإن صادرات السيارات الكهربائية الأوروبية إلى الصين لا تكاد تذكر، وتخشى بروكسل من إغراق سوق الاتحاد الأوروبي، ما قد يؤدي إلى القضاء على صناعتها المحلية.
وفي حين أنه من المؤكد أن تجد بروكسل دليلاً على المساعدات الحكومية غير العادلة، فإنه ليس من الواضح بعد مستوى رسوم الاستيراد التي ستفرضها على السيارات الكهربائية الصينية التي تصنعها شركات مثل "BYD" الصينية. ويطبق الاتحاد الأوروبي حالياً تعريفات جمركية بنسبة 10% على جميع السيارات المستوردة، بينما يحتاج إلى رفعها إلى 50% لتحقيق تكافؤ الفرص، وفقًا لتقديرات المحللين في "روديوم غروب" وهي شركة أبحاث في الولايات المتحدة.
وفي حين تبدي المفوضية الأوروبية جدية في كبح جماح زحف السيارات الكهربائية الصينية، فإنها قبعت في منطقة مجهولة بشأن التحقيق في دعم بكين هذه الصناعة، نظراً لأن المركبات الكهربائية هي منتجات معقدة جداً وأن هذه التحقيقات تتعلق عادة بالمزيد من المنتجات الأولية التي لا تتضمن سلاسل التوريد المعقدة هذه. كما ان هذه هي المرة الأولى منذ فترة طويلة التي تبدأ فيها الذراع التجارية للكتلة تحقيقاً بمبادرة منه وليس كما هو الحال عادة بناءً على شكوى من الصناعة.
وفي كثير من الحالات، دخلت الشركات الصينية في مشاريع مشتركة مع نظيراتها في الاتحاد الأوروبي، خاصة في ما يتعلق بمدخلات التكنولوجيا. كما تملك شركات مثل مرسيدس وفولكسفاغن وبي إم دبليو الألمانية مصانع في الصين وتعتمد على أكبر سوق للسيارات في العالم للحصول على الجزء الأكبر من إيراداتها. وليس من المستغرب ألا يشارك جميع رؤساء صناعة السيارات الأوروبية حماس المفوضية للتحقيق.
التفاف صيني على الرسوم الجمركية
إلى جانب المصالح المتشابكة بين الشركات الصينية والأوروبية، تتحرك بكين للحفاظ على نفاذ صادراتها إلى أوروبا من "الحدائق الداخلية" على غرار ما تفعله مع الولايات المتحدة، ولكن عبر ما يعرف بـ"الحدائق الخلفية" عبر التصنيع في دول مثيل المكسيك ثم التصدير إلى السوق الأميركية.
وتستثمر شركتا "CATL" لصناعة البطاريات وعملاق السيارات الكهربائية "BYD" بالفعل في المصانع المجرية حتى تتمكن من تجنب رسوم الاتحاد الأوروبي في غضون سنوات قليلة. وتتبع الصين في ذلك استراتيجية مماثلة لما تفعله في المكسيك للالتفاف على التعريفات الأميركية، وفق تقرير لصحيفة بوليتيكو الأميركية.
وفقًا لتقرير صادر في مايو/أيار الماضي عن المعهد الكوري لأبحاث التجارة الدولية، تضاعفت صادرات الصين إلى الولايات المتحدة عبر المكسيك وفيتنام من عام 2018 إلى عام 2022، حيث ارتفعت صادراتها المحولة إلى السوق الأميركية عبر فيتنام من 1.57 مليار دولار في 2018 إلى 3.02 مليارات دولار في 2022، في حين ارتفعت الصادرات عبر المكسيك من 5.3 مليارات دولار إلى 10.55 مليارات دولار، وفق ما نقلت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية أمس الاثنين.
ونقلت الصحيفة عن الشريك في شركة المحاماة التجارية "روسمان بيك آند كو" لوران روسمان أن "الحكومة الصينية جيدة جداً في تجنيد شخص آخر للقيام بالضغط لصالحها". ووفقاً ليورغن ماتيس من المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية، فإنه "لا ينبغي توقع حدوث أضرار اقتصادية كبيرة" للصين حتى لو جرت زيادة الرسوم الجمركية عليها.
كذلك، يعتمد رد بكين أيضاً على التوقيت الجيوسياسي. وفي هذا الشأن، أشارت "بوليتيكو" إلى أن كون الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب منافساً جدياً لاستعادة البيت الأبيض عبر الانتخابات المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، فإن ذلك يعني عودة التوتر التجاري بين واشنطن وبروكسل.
ووفقاً لدبلوماسي أوروبي كبير طلب عدم الكشف عن هويته فإن "الصين تلعب لعبة طويلة الأمد هنا، فإذا انتظرت مدة كافية حتى يعود ترامب، فستتعرض حكومات أوروبا لضغوط كبيرة من دوائر الأعمال لتكوين صداقات مع بكين مرة أخرى".