يواجه مصرف لبنان حالة من الضبابية بشأن قيادته اعتبارا من يوم الاثنين المقبل، عندما تنتهي ولاية الحاكم رياض سلامة من دون تعيين خليفة له، ما ينذر بخلل وظيفي جديد في دولة تعاني بالفعل من شلل سياسي وانهيار مالي منذ سنوات.
يترك سلامه منصبه بعدما قضى فيه 30 عاما، وشُوّهت سمعته بفعل عوامل الانهيار المالي الكارثي الذي بدأ في عام 2019 وتوجيه اتهامات له بالفساد في فرنسا وألمانيا ولبنان، رغم نفيه ارتكاب أي مخالفات.
وتعكس أزمة القيادة الانقسامات بين النخبة الحاكمة التي لم تتمكن من الاتفاق على رئيس أو حكومة كاملة الصلاحيات منذ أكثر من عام، ما جعل الأزمة المالية تتفاقم من دون جهود تُذكر لمعالجتها منذ عام 2019.
وكان من المقرر أن يجتمع مجلس الوزراء أمس الخميس لاختيار خليفة لسلامة، لكن الاجتماع أُلغي بعد خلافات سياسية، وليس في الأفق ما يشير إلى حل على المدى الطويل.
وبموجب القانون اللبناني، يفترض أن يحل أقدم نواب سلامة، وهو وسيم منصوري، محله مؤقتا. لكنه والنواب الثلاثة الآخرين لن يقبلوا إلا على مضض، وسيضغطون من أجل الحصول على ضمانات سياسية.
وسيتعين على قادة مصرف لبنان الجدد التعامل مع فجوة في النظام المالي تزيد قيمتها على 70 مليار دولار، ودعم سياسي غير مؤكد في دولة منقسمة للغاية، وغضب شعبي جامح من تبدد الثروة الوطنية والخاصة.
واستنزف الانهيار 98% من قيمة الليرة اللبنانية، وانكمش الناتج المحلي الإجمالي 40%، ودفع التضخم إلى أكثر من 250%، بحسب صندوق النقد الدولي.
وبالنسبة للبنان، يعني هذا أن منصبا رئيسيا آخر سيبقى شاغرا بشكل رسمي، ورهينة انهيار نظام سياسي قائم على أساس تقاسم السلطة بين الطوائف، والذي أدى بالفعل إلى تفشي الفوضى في معظم وظائف الدولة.
حاول رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري التوصل إلى اتفاق هذا الأسبوع، بعد شهور لم يتم فيها إحراز أي تقدم بشأن العثور على خليفة لسلامة.
لكن جماعة حزب الله الشيعية المسلحة وحليفها المسيحي حزب التيار الوطني الحر، وكلاهما جزء من الحكومة الائتلافية الحاكمة، يرفضان هذه الخطوات، ويقولان إن حكومة تصريف الأعمال لا تملك السلطة لاتخاذ قرار التعيين.
وأُلغي اجتماع مجلس الوزراء أمس الخميس بشكل مفاجئ بسبب عدم حضور الوزراء المرتبطين بهذين الحزبين.
ومنصب حاكم المصرف المركزي، مثل منصب الرئاسة الشاغر، يشغله مسيحي من الطائفة المارونية، واتهم التيار الوطني الحر ميقاتي بمحاولة الاستحواذ على صلاحيات للرئيس عن طريق محاولة تعيين حاكم للمصرف من قبل مجلس الوزراء، بينما تعود هذه الصلاحية إلى رئيس الجمهورية.
وهدد منصوري ونواب حاكم المصرف الثلاثة الآخرون، الشهر الماضي، بالاستقالة إذا أجبروا على تولي المنصب. وهم يريدون صلاحيات لإقراض المزيد من الأموال للحكومة إذا لزم الأمر، والإلغاء التدريجي لمنصة صرف معقدة لليرة التي تراجعت قيمتها كثيرا.
واقترح منصوري ونواب الحاكم الآخرين مجموعة من الإجراءات، تتضمن تشريعات عاجلة لإصلاح القطاع المصرفي، ووضع ضوابط على رأس المال والتخلص من ربط الليرة اللبنانية بالدولار القائم منذ عقود.
لكن النخبة السياسية قاومت إجراءات الإصلاح في السنوات القليلة الماضية، ما جعل الشكوك تحيط بالخطوات التي اقترحها للمستقبل نواب حاكم مصرف لبنان.
والتقى ميقاتي بنواب حاكم المصرف أمس الخميس، وقال مكتبه إنه يعتبر مطالبهم مشروعة وإن مقترحاتهم تتفق مع خطة الحكومة، في محاولة على ما يبدو للحفاظ عليهم.
لكن ليس من الواضح ما إذا كان بوسع ميقاتي تنفيذ هذه التغييرات في ظل المأزق السياسي في لبنان. وأحجم منصوري عن التعقيب، لكن نائبا آخر هو سليم شاهين قال إنه يتوقع أن يتولى منصوري إدارة البنك المركزي ابتداء من الأسبوع المقبل.
وقال لرويترز إن نواب حاكم المصرف يمنحون النخبة السياسية ستة أشهر لإجراء إصلاحات بناءة، لكنه لم يفصح عما إذا كانوا سيهددون مجددا بالاستقالة إذا لم يتم إجراء تغييرات.
وأضاف: "شرطنا أن تكملوا الإصلاحات المطلوبة، بدءا بقانون ضوابط رأس المال".
وقال مايك عازار، الخبير في الشؤون المالية في لبنان، إن نواب الحاكم في مأزق.
وأضاف: "السؤال هو هل سيفعلون الشيء الصحيح ويتصرفون باستقلالية كما يسمح لهم القانون، حتى في مواجهة ما سيكون بالتأكيد ضغوطا سياسية شديدة".
رياض سلامة يتحدث
وعلى نحو متصل، قال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لرويترز، اليوم الجمعة، إن البنك المركزي لا يزال بإمكانه احتواء الانهيار المالي في البلاد من خلال "مبادرات نقدية"، حتى بعدما تنتهي ولايته في نهاية الشهر الجاري.
وتعهد سلامة (73 عاما) مرة أخرى بالرحيل حين تنتهي فترة ولايته يوم الاثنين، مؤكداً أنه تصرف وفقا للقانون، وأن محاميه قدموا معارضات قضائية في فرنسا وألمانيا اللتين وجهتا له اتهامات.
وأضاف: "في الوقت الذي أغادر فيه، وعلى الرغم من الأزمة التي من المتوقع أن تؤدي إلى انهيار كامل، يستطيع البنك المركزي احتواء هذه الأزمة من خلال مبادرات نقدية".
وقال إن الاقتصاد اللبناني حقق نموا بنسبة 2% العام الماضي، وقد يتعزز النمو ليبلغ نحو 4% في 2023، لكنه لم يقدم مزيدا من التفاصيل عن معايير محددة.
(رويترز، العربي الجديد)