وجه العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة ضربات موجعة للمصريين، لتُحملهم المزيد من الآلام التي يحيون بها خلال السنوات الماضية. ويترقب المصريون ارتفاعات جديدة في أسعار الوقود بعد أن دفعت الحرب في غزة أسعار النفط إلى مستويات مرتفعة، عند 90 دولارا للبرميل، بزيادة 5 دولارات عن الأيام السابقة للحرب، مع وجود مؤشرات إلى غلاء الوقود، مع دخول فصل الشتاء في أوروبا المتعطشة لكل موارد الطاقة، ومخاوف أن تمتد الحرب دون سقف زمني.
وارتفعت معدلات قطع التيار الكهربائي بالريف والمناطق الحضرية والصناعية المصرية، مع ارتباك بجداول الانقطاعات عن المناطق الحيوية التي نفذتها شركات الكهرباء خلال فترة الصيف.
تنقطع الكهرباء على فترات مسائية وصباحية، بصورة مفاجئة، ما يحول ميادين وطرقا رئيسية إلى مسارات أشباح، تثير مخاوف أمنية وتفجر أزمة لدى أصحاب المشروعات الصناعية والتجارية.
تؤكد مصادر أن حالات انقطاع التيار مرتبطة بضعف إمدادات المازوت والعمل على توفير السولار المخصوص المستخدم بمحطات التوليد، مشيرة إلى أنه رغم زيادة معدلات إنتاج الغاز إلا أن وزارة البترول مازالت توجه النسبة الكبرى منه إلى المصانع والتصدير، بما يدفع محطات التوليد إلى استخدام المازوت المستورد في التشغيل.
تبين المصادر لــ"العربي الجديد" أن خطط الإطفاء أصبحت مرتبطة بترشيد الطاقة والوقود، وتقليل النفقات المرتبطة بشراء الوقود بالدولار والعملات الرئيسية من الأسواق الدولية.
وضاعفت الحرب الإسرائيلية في غزة أزمات القطاع الصناعي، مع زيادة تكلفة مدخلات الإنتاج، وانقطاع الكهرباء، ومخاوف من اضطراب جديد بسلاسل الإمداد في حالة، دخول أطراف دولية عدة للصراع، مع إصرار الاحتلال على ممارسة التطهير العرقي وهدم غزة على من فيها.
خطف العدوان الإسرائيلي فرحة المصريين بعودة انتعاش حركة السياحة، التي تشهد تراجعا في حجوزات واسعة من أوروبا والأسواق الدولية الرئيسية ظهرت بتأجيل إلى أجل غير مسمى، لوصول وفود حجزت رحلاتها إلى مصر منذ أشهر. وقررت إدارة مهرجان "الجونة السينمائي" إلغاء أكبر حدث فني وسياحي تعد له منذ عام، كان مقررا افتتاحه مساء أمس الأول الأحد، إلى 27 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، مبدئيا، مع إبلاغ الجهات التنفيذية بأن استمرار الحرب سيؤدي إلى إلغاء المهرجان نهائيا. ويعد تأجيله للعام الثاني على التوالي، وهذه المرة بسبب حالة الحرب مؤشرا لإمكانية حذفه من قوائم المهرجانات السينمائية الدولية.
وعلى المسار ذاته، ألغت دار الأوبرا المصرية احتفالاتها السنوية بمهرجان الأغنية العربية. وأصدرت وزارة الثقافة المشرفة على المهرجان بيانا أكدت فيه تأجيل فعاليات الدورة 32 لمهرجان ومؤتمر الموسيقي العربية، إلى أجل يحدد لاحقا. وأشار مسؤولون إلى أن حالة الحرب وراء قرار التأجيل.
ويأتي ذلك في ظل انتعاشة سياحية كانت متوقعة هذا العام، قبل اندلاع الحرب. وما فاقم مخاوف شركات السياحة، أن أحد أفراد الشرطة أطلق أعيرة نارية من سلاحه الشخصي بشكل عشوائي، أثناء تواجد أحد الأفواج السياحية الإسرائيلية بمزار عامود الصواري، وهو ما أدى إلى مقتل إسرائيليين اثنين كانا ضمن الفوج، إضافة إلى مصري آخر.
وسجلت أعداد السياح الذين زاروا مصر خلال العام الماضي 2022 نحو 11.7 مليون سائح، مقابل 8 ملايين سائح خلال 2021، بنسبة زيادة 64.6%، فيما بلغت إيرادات السياحة نحو 10.7 مليارات دولار خلال العام المالي 2021/ 2022 مقابل 4.9 مليارات دولار خلال العام المالي 2020 / 2021، وبنسبة ارتفاع قدرها 121.1%.
وأظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تصدر السائحين الأوروبيين لقائمة السائحين القادمين إلى مصر بـ 7.3 ملايين سائح، وبنسبة 62.6% من إجمالي عدد السائحين، فيما حلت الجنسيات العربية ثانيًا بـ 3.1 ملايين سائح وبنسبة 26.4%. فيما جاء الأميركيون ثالثًا بـ 676 ألف سائح، وبنسبة 5.8%، فيما بلغ عدد السياح من دول أخرى نحو 619 ألف سائح وبنسبة 5.3%. فيما قضى السائحون حوالي 131 مليون ليلة سياحية خلال عام 2022، مقابل 93.8 مليون ليلة سياحية عام 2021، بنسبة ارتفاع قدرها 39.7%.
في نفس سياق تداعيات الحرب الاقتصادية، ارتفع سعر الدولار في التعاملات اليومية الفورية بالسوق السوداء إلى مستويات قياسية، حيث قفز من مستوى 40 جنيها مقابل الدولار إلى 42.5 جنيها، رغم استقراره في البنوك الرسمية، عند مستوياته المسجلة منذ 7 أشهر، بنحو 30.95 جنيها للدولار. عكست الزيادة في سعر الدولار حالة الاضطراب التي تشهدها أسعار السلع الأساسية في الأسواق، التي وضعت الحكومة عدة تسهيلات لاستيرادها بدون جمارك، والتي تشمل الزيوت والسكر والأعلاف والبيض والأجبان. توافقت الحكومة مع الموردين والغرف التجارية على خفض تلك السلع بنسب تتراوح ما بين 15٪ إلى 25٪، لبدء تنفيذه السبت الماضي. في جولة ميدانية لــ"العربي الجديد" بالأسواق، تبين أن التخفيضات المرتقبة لم تزد عن 5٪ بالسلع المستهدفة، حيث تراجعت أسعار الأجبان ما بين 3 إلى 5 جنيهات في العبوة التي تزن نحو الكيلو. يزيد سعر العبوة عادة عن 130 جنيها للجبن الأبيض، بينما لم تتأثر أسعار باقي الأجبان بالتخفيضات.
اكتفت شركات الإنتاج والموردين بإرسال قوائم البيع للجمهور، بإعلانها عن الانضمام للمبادرة الحكومية بخفض الأسعار، وتظهر القوائم التي حصلت عليها "العربي الجديد" تراجعا ضئيلا في أسعار السكر من المستوى القياسي الذي صعد إليه منذ أسبوعين عند 40 جنيها للكيلو ليباع بسعر 37 جنيها للجمهور.
أشار مسؤولون في اتحاد الصناعات المصرية، إلى أن التسهيلات الحكومية لدخول السلع الأساسية من الموانئ، لن تسهم في حل أزمة الغلاء المتصاعد لمستويات قياسية على مدار الأشهر الثلاثة الماضية، عند حدود 40٪، مؤكدين أن التضخم سيظل ملاحقا للمصريين، طالما يرتفع سعر الدولار ولا يجده أصحاب المصانع والموردون المحتاجون لشراء مستلزمات الإنتاج في الخارج عبر القنوات الرسمية.
وتشير العميد السابق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، عالية المهدي لـ"العربي الجديد" إلى أن الأزمة الاقتصادية الحالية تتطلب أن تقوم الحكومة بتوفير السلع الأساسية للمواطنين، وتوزيعها عبر بطاقات الدعم العيني، دون سقف مالي محدد، حتى تستطيع الأسرة الفقيرة توفير الحد الأدنى من ضرورات الحياة اليومية.