تعتزم السلطات العراقية، اتخاذ خطوات قانونية لمتابعة ملف التلاعب بملكية العقارات ومراجعتها، في خطوة تهدف إلى استعادة ما يمكن استعادته من تلك العقارات المسلوبة، وتحجيم الفساد في هذا الملف الخطير الذي تسبب بأزمات كبيرة في البلاد.
والعقارات المنهوبة من الملفات الشائكة بالعراق، إذ سيطرت أحزاب وفصائل مسلحة وشخصيات سياسية مختلفة في السنوات التي أعقبت عام 2003، على عقارات الدولة في بغداد والمحافظات، مستغلة نفوذها، وقد تمكنت بالتلاعب بالأوراق الثبوتية لكثير منها، وجرى تحويل ملكية الكثير من العقارات، والحال هذه تعرضت لها عقارات مواطنين وآخرين من الضباط والقادة في النظام السابق.
وكانت المحكمة الاتحادية العليا في العراق قد ألغت عام 2021، نصاً قانونياً، استُغل من قبل الأحزاب المتنفذة، على مدى تلك السنوات بالاستيلاء على عقارات الدولة والتصرف فيها. وأكدت أنّ النص غير دستوري، ولم تنجح أي من الحكومات السابقة في حسم هذا الملف، رغم المحاولات الكثيرة، فيما وجهت اتهامات لبعض الحكومات بأنها "غير جادة" بإعادة الأملاك إلى أصحابها، وسحب أملاك الدولة من الجهات المسيطرة عليها.
وأعلنت وزارة العدل، من جهتها، الأربعاء الماضي، عن حراك لها بمراجعة وتدقيق ملفات العقارات، والعمل على الحد من عمليات التزوير والتلاعب التي تسببت بنقل ملكية الكثير منها.
وأقر وزير العدل خالد شواني، في حديث أوردته وكالة الأنباء العراقية (واع) أنّ "أغلب حالات التزوير وضياع أملاك المواطنين تمت بوكالات (توكيلات) مزيفة"، مؤكدا أن "الوزارة تعمل بالفترة الحالية على تدقيق الوكالات العامة والخاصة والتي تعنى بنقل العقارات لضمان عدم التزوير". وأشار إلى أنّ "المرحلة المقبلة ستشهد العمل على مشروع الأتمتة الإلكترونية" لافتاً إلى أنّ "المشروع سينهي العمل الورقي واستبداله بالإلكتروني، مما سيؤدي إلى القضاء على التزوير والفساد والرشوة".
وأضاف أنّ "بعض عقارات المواطنين خارج العراق جرى نقل ملكيتها إلى أشخاص آخرين عن طريق الوكالات المزورة"، مشدداً أنّ "وزارة العدل لا تتهاون مع أي موظف ثبت تقصيره أو اشتراكه بالفساد، وسيحال إلى الجهات القضائية". وأشار إلى أنّ "سياسة الوزارة هي حماية حقوق وأملاك العراقيين، عبر سلسلة من الإجراءات التي تنهي الفساد".
ورحب عضو البرلمان العراقي، لويس كارو، بخطوات الحكومة للتحرك نحو هذا الملف، لكنّه أكد صعوبة حسمه كونه "متشعباً ومرتبطاً بجهات عدة، بعضها يمتلك السلاح والنفوذ غير القانوني". وقال كارو لـ"العربي الجديد" إنّ "التجاوزات على العقارات في العراق كثيرة، بعضها كان على أملاك العراقيين المسيحيين، وأغلبها في الأحياء الراقية ببغداد وغيرها"، مشيراً إلى أنّ السيطرة عليها جرت من قبل جهات متنفذة قد تستعصي حتى على الحكومة.
وأضاف: "نأمل أن يكون للحكومة العراقية حراك جدي في هذا الملف، وألا تكون مجرد أقوال، وعليها (الحكومة) أن تعلم أنّ الملف يحتاج إلى قوة وفرض هيبة الدولة وحزم في متابعته، خاصة أن عمليات التزوير بملكية العقارات تلك واسعة ومعقدة، وقد جرى التلاعب بالسجلات الأصلية، ومزقت أوراق الملكية الحقيقية واستُبدلت بمزورة، وبيعت مرات عدة"، مشدداً على أهمية الحراك في هذا الاتجاه، وإثبات قوة القانون وسلطته على الخارجين عنه.
وكانت وزارة العدل قد أصدرت عام 2015 توجيهاً لدوائر التسجيل العقاري وهيئات التدقيق اللامركزية بإيقاف العمل بالوكالات في بيع أملاك المقيمين خارج البلاد، وخاصة العراقيين المسيحيين، بعد عمليات استيلاء واسعة على ممتلكاتهم بواسطة تزوير أوراق رسمية وتوكيلات والاستحواذ عليها، وتحديداً في أحياء "الآثوريين والميكانيك" في منطقة الدورة جنوبي بغداد، وفي شارع 52 ومنطقة كمب سارة في الكرادة، وزيونة والغدير وكرادة مريم والسعدون.
كانت وزارة العدل قد أصدرت عام 2015 توجيهاً لدوائر التسجيل العقاري وهيئات التدقيق اللامركزية بإيقاف العمل بالوكالات في بيع أملاك المقيمين خارج البلاد
ولا إحصاء رسمي لقيمة أملاك المواطنين التي سُلبت ونُقلت ملكيتها، لكنّ مراقبين يقدرون قيمة الممتلكات التابعة للدولة، التي جرى الاستيلاء عليها من قبل قوى سياسية مختلفة بعد عام 2003، بأكثر من 20 مليار دولار، تشمل مباني ومواقع مختلفة، وكانت وافقت آنذاك سلطة الائتلاف المؤقتة الأميركية على أن تشغلها الأحزاب التي شاركت في العملية السياسية عقب الغزو الأميركي للبلاد.
وتشمل هذه الممتلكات مباني وقصوراً وبساتين واستثمارات ومصانع ومنشآت كانت تابعة لأركان حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين، أو أجهزة الاستخبارات وحزب البعث، والتصنيع العسكري، والقيادة القومية لحزب البعث، فضلاً عن مواقع عسكرية وأمنية وسياسية مختلفة جرى الاستيلاء عليها من قبل زعامات سياسية وأحزاب مختلفة على نهر دجلة، من أجل السماح للفرق التابعة لدائرتها بالدخول إلى المنطقة، بهدف جرد العقارات التابعة للدولة فيها.
وأكد مراقبون وجود أكثر من 100 ألف حالة تجاوز على عقارات في مختلف القطاعات السكنية والصناعية وغيرها تابعة للدولة في مختلف المناطق بالعراق.