يطرح بقاء العراق بلا موازنة مالية رغم انقضاء الربع الأول من العام الحالي الكثير من التساؤلات والهواجس، فحكومة مصطفى الكاظمي المنتهية ولايتها غير قادرة على تمرير الموازنة، وانتظار تشكيل حكومة جديدة قد يطول وسط خلافات مستمرة بين الأحزاب أفضت إلى تعطيل انتخاب البرلمان لرئيس جديد للجمهورية. وتمويل المشاريع الحيوية متوقف، وكان من المفترض أن يستأنف العمل بها وسط وفرة إيرادات النفط التي وصلت إلى معدلات قياسية تجاوزت 8.5 مليارات دولار شهرياً.
وقال عضو مجلس النواب العراقي، جمال كوجر، لـ "العربي الجديد"، إن عدم إقرار قانون الموازنة الاتحادية لعام 2022 جمّد غالبية المشاريع في البلد حتى إشعار آخر، وهو أمر قد يطول إلى منتصف العام في حال عدم تشكيل الحكومة.
وأضاف كوجر أن تطبيق قانون الموازنة المالية يأتي للأسف في آخر سلم أولويات الكتل السياسية، بسبب عدم مراعاتها المواعيد الدستورية التي تفرض على الحكومة المصادقة على الموازنة وإرسالها إلى البرلمان قبل منتصف شهر أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام.
وأوضح كوجر أنه منذ نحو 19 عاماً لم تطبق المواعيد الدستورية المتعلقة بقانون الموازنة مما تسبب في تعطيل الكثير من المشاريع وتوقف ترفيعات وعلاوات الموظفين.
من جهته، أوضح الخبير الاقتصادي، همام الشماع، أن حكومة تصريف الأعمال في العراق لا يمكنها إرسال قانون الموازنة الآن إلى مجلس النواب، ومن يتحمل مسؤولية تأخير الموازنة هي الأحزاب والكتل السياسية التي ما زالت تماطل في حسم مواقفها السياسية.
وبيّن الشماع في حديثه مع "العربي الجديد" أن الموازنة الاتحادية تعبر عن برنامج عمل الحكومة من حيث المنهج وطبيعة الإنفاق من خلال توسعة النفقات الداخلية أو تسديد الديون، "وبما أن الحكومة غير مشكلة لغاية الآن لا يمكن إقرار أي قانون يتعلق بالموازنة، إلا أن حكومة تصريف الاعمال الحالية يحق لها الصرف من موازنة العام الماضي لتسيير الأمور اليومية للبلد وتسديد رواتب الموظفين والمستحقات العامة".
وتابع الشماع أن العالم يشهد أزمة اقتصادية بسبب الحرب الأوكرانية، تنعكس على العراق، وهذه الأزمة تحتاج إلى برامج عمل وخطط وتخصيصات ليس من حق حكومة تصريف الأعمال بحثها ولا صرفها، إلا إذا أتاحها لها البرلمان المعطل.
وبالفعل، أكد مستشار محافظ النجف لشؤون المشاريع والاستثمار، عباس العلياوي، إن هناك العديد من مشاريع البنى التحتية والخدمات في المحافظة متوقفة، لأن أموالها تُقسم على عدة سنوات ضمن قانون الموازنة.
وأضاف في تصريح صحافي أن إيقاف العمل في المشاريع يؤدي إلى تغير الأسعار بعد مدة، وبالتالي الدخول بمشاكل مالية مع المقاولين الذين يطالبون بفرق السعر المتفق عليه في العقد المبرم بين الطرفين، فضلاً عن عدم إمكانية تنفيذ مشاريع جديدة للعام الحالي، بالإضافة إلى أن بعض المشاريع المنفذة تحتاج إلى مشاريع تكميلية لتدخل الخدمة، مما سيقيد عمليات الصرف بالنسبة للموازنة التشغيلية.
وأوضح الباحث في الشأن الاقتصادي، حمزة الحردان، لـ"العربي الجديد"، أن عدم إقرار قانون الموازنة في العراق وتكرار هذه المشكلة لعدة سنوات وتجاوز الربع الأول من السنة المالية أسهم في زيادة التدهور الاقتصادي للبلد، وحدوث انكماش في الأسواق العراقية.
وأشار الحردان إلى أن هذا التأخير تسبب أيضاً بتعطيل المشاريع التنموية والاستثمارية، فضلاً عن غياب عملية تثبيت نفقات الدولة ووارداتها بشكل مدروس ومخطط له، بالإضافة إلى بقاء جزء كبير من المال العام غير مستغل بصورة صحيحة.
وناشد الحردان القوى السياسية الإسراع بتشكيل الحكومة لحسم الملفات العالقة ووضع الخطط اللازمة لإنقاذ البلد من أزمة اقتصادية كبيرة، بسبب عدم وجود حكومة لها صلاحيات كاملة لوضع الخطط والمشاريع وترشيد الإنفاق، والتوجه الى تنويع مصادر الإيرادات الحكومية ودعم الصناعة والزراعة بشكل أكبر، والابتعاد عن سياسة الإنفاق التشغيلي التي اعتبر أنها انهكت الاقتصاد العراقي.
وكان المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح قد أكّد أن الحكومة الحالية لا تمتلك الصلاحيات القانونية والدستورية لاعتماد قانون الموازنة الاتحادية للعام الحالي 2022، فيما الحكومة المقبلة ملزمة بإرسال القانون إلى مجلس النواب للتصويت عليه.
وعن حجم الموازنة المتوقع أوضح صالح في تصريحات صحافية أنه من الصعب تقديره. ولفت إلى أن سعر برميل النفط في مشروع قانون الموازنة الاتحادية لعام 2022 حدّد عند 60 دولاراً، وأضاف أنه من الصعوبة الآن التكهن بالرقم الذي سيتم اعتماده لسعر برميل النفط ضمن الموازنة بعد الصعود الذي يشهده، فضلاً عن أن تشريع قانونها محكوم بعوامل سياسية كثيرة.
وبيّن أن هذه الموازنة قد تكون توسعية، وأغلب الزيادات ستصرف للتخصيصات الغذائية التجارية ومشروع الأمن الغذائي إضافة إلى منحة الـ 100 ألف دينار عراقي التي تعتزم الحكومة توزيعها على عدد من الفئات الاجتماعية.