تلقّت الدول الأوروبية صدمة واسعة النطاق مع قطع شركة "غازبروم" الروسية، بشكل مفاجئ، إمدادات الغاز عبر خط "يامال" عن كل من بولندا وبلغاريا، وإعلانها الاستمرار في قرارها، إلى حين موافقة البلدين على مطالبة موسكو بدفع ثمن الوقود بالروبل بدلاً من اليورو.
ويعتمد كلا البلدين بشكل كبير على الغاز الروسي، حيث تغطي الإمدادات من غازبروم نصف استهلاك بولندا و90 في المائة من استهلاك بلغاريا.
واعتبر المحللون هذه الخطوة هي الرد الأقوى حتى الآن على العقوبات الغربية على موسكو، فيما بدأت الدول الأوروبية في الانقسام، مع موافقة عدد من الدول على الدفع بالروبل، تنفيذاً لقرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الصادر في مارس الماضي. وروسيا تزود 23 دولة أوروبية بالغاز عبر خطوط الأنابيب.
وبعدما فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا، طالبت موسكو بالدفع بالروبل مقابل الشحنات اعتبارًا من 1 إبريل/نيسان. لكن الكتلة الأوروبية رفضت قرار بوتين وأبلغت الدول الأعضاء بأن الآلية التي اقترحها الكرملين سوف تنتهك العقوبات.
وارتفعت أسعار الغاز في أوروبا بنسبة تصل إلى 24 في المائة بعد هذا القرار، وسط موجة من الخوف التي سيطرت على الأسواق العالمية، لتدفع سعر اليورو إلى أقل مستوياته في خمس سنوات أمام الدولار. وبحسب البيانات، فقد ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي الأوروبية في تعاملات الأربعاء، بعدما أوقفت روسيا الإمدادات إلى بولندا وبلغاريا، مما يصعد التوترات الإقليمية.
وقالت "غازبروم" الروسية، في بيان الأربعاء، إنها أوقفت إمدادات الغاز إلى شركة "بولغاراز"، والبولندية "بي جي إن آي جي"، بسبب عدم سداد المدفوعات بالروبل. وارتفعت العقود الآجلة في هولندا بنسبة 24% لتصل إلى 127.50 يورو لكل ميجاواط في الساعة، وهو أعلى مستوى منذ الأول من إبريل، حسب بيانات "بلومبيرغ".
وترى مجموعة "جيفريز" أن تلك الخطوة تخلق طلبًا إضافيًا، لأن بولندا وبلغاريا ستحتاجان إلى شراء الغاز لتعويض التدفقات. وسادت مخاوف عميقة بين الدول الأوروبية من القرار الروسي، حيث بدأت تراقب حجم تدفقات الغاز الروسي إليها، وسط انقسام ملفت فيما بينها. وبدأت التكهنات حول الدولة الثالثة التي سيطاولها القطع، خاصة بعدما دعا رئيس مجلس الدوما، فياتشيسلاف فولودين، إلى قطع الغاز عن "الدول الأخرى غير الصديقة".
وبالفعل، أكدت وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، نقلاً عن مصادر من "غازبروم"، أن أربعة مشترين أوروبيين للغاز دفعوا بالفعل بالروبل مقابل الإمدادات. لا، بل فتحت 10 شركات أوروبية بالفعل الحسابات في غازبرومبنك اللازمة لتلبية مطالب بوتين بالدفع. وأعلن رئيس الوزراء التشيكي بيتر فيالا أن بلاده ليست لديها إشارات أو معلومات بشأن أي انقطاع في إمدادات الغاز، لكن يجب أن تكون مستعدة لأي سيناريوهات، بعد أن أوقفت روسيا الإمدادات إلى بولندا وبلغاريا.
وتعتمد الدولة الواقعة في وسط أوروبا بنسبة 100 في المائة تقريبًا على روسيا في الحصول على الغاز. كذا، أكدت شركة "يونيبر"، أكبر مستورد للغاز الروسي في ألمانيا، الأربعاء، أنها ترى أن تدفق الغاز الروسي إلى ألمانيا آمن في الوقت الحالي. وأكدت الشركة أنها تتوقع أن تكون قادرة على سداد عقود الغاز طويلة الأجل بموجب مخطط اقترحته موسكو، والذي يطالب بالدفع بالروبل.
وقالت تينا توميلا، المسؤولة المالية في شركة يونيبر، متزامنة مع تقييم المفوضية الأوروبية الأسبوع الماضي: "نعتبر أن تعديل عملية الدفع يتوافق مع قانون العقوبات، وبالتالي فإن المدفوعات ممكنة". وأضافت أن الشركة كانت تستخدم آلية تسمح بالدفع باليورو، والذي تم تحويله إلى الروبل من جانب البنك الروسي عبر غازبرومبنك، مضيفة أن الدفعة التالية بموجب هذا المخطط ستتم في نهاية مايو/أيار. وقالت ألمانيا، أكبر مستهلك للطاقة الروسية، هذا الأسبوع، إنها تأمل في وقف استيراد النفط الروسي خلال أيام، لكن فطام نفسها عن الغاز الروسي ليس سهلاً.
وخط أنابيب يامال - أوروبا هو نظام لتوزيع الغاز الطبيعي، يعمل عبر أربع دول، وينطلق من روسيا إلى بيلاروسيا وبولندا وألمانيا.
يبلغ طول خط الأنابيب 4107 كيلومترات، ويبلغ قطره 1420 ملم، ويمكن أن يحمل 33 مليار متر مكعب في السنة. وهذا الخط ينقل الغاز الطبيعي من شبه جزيرة يامال إلى المستهلكين الأوروبيين، عبر تدفقات غاز بسعة قصوى تبلغ 33 مليار متر مكعب سنوياً، وهو ما يعادل 18-25 في المائة من الصادرات الروسية إلى أوروبا، وفق حجم الطلب السنوي.
وأكدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أن مجموعة تنسيق الغاز في الكتلة سترسم رداً موحداً على "الابتزاز" الروسي، بعدما أعلن الاتحاد الأوروبي، الأسبوع الماضي، عن توصله إلى حل وسط محتمل من شأنه أن يسمح للغاز بالاستمرار في التدفق. لكن التحرك ضد أعضاء الكتلة بولندا وبلغاريا ربما يجعل هذه الخطوة أكثر صعوبة الآن.
وقال فاتح بيرول، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، على تويتر، صباح الأربعاء، إن منظمته "تقف بحزم مع بولندا". وأضاف أن "خطوة غازبروم لوقف إمدادات الغاز عن بولندا تماما علامة أخرى على تسييس روسيا للاتفاقيات القائمة، ما سيؤدي فقط إلى تسريع الجهود الأوروبية للتخلي عن إمدادات الطاقة الروسية".
فيما حثت جماعة ضغط الغاز الألمانية زوكونفت غاز (فيوتشر غاز) ألمانيا على أن تبدأ على الفور في تخزين المزيد من الغاز الآن، بعد أن تستخدم روسيا مصدر الطاقة كأداة سياسية. وقال تيم كيلر، رئيس المجموعة في بيان "نحتاج إلى توفير الغاز الآن حتى يكون لدينا ما يكفي في الشتاء". وعندما أعلن طلب الدفع مقابل الغاز بالروبل لأول مرة، قال بوتين إن التحول إلى العملة الروسية سيساعد في حماية عائدات روسيا الضخمة من الغاز من العقوبات.
ويبدو أن هذه الخطوة تهدف أيضًا إلى ضمان بقاء غازبرومبانك، أحد البنوك الحكومية القليلة التي لم تتعرض للعقوبات القاسية، وفقاً لـ "بلومبيرغ". كما سلّط بوتين الضوء على التكاليف الاقتصادية والسياسية لارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا، مما يشير إلى أن الكرملين قد يعتقد أن الحكومات الغربية لن تكون قادرة على الصمود في وجه الضغط المحلي في حال قطع الكهرباء.
ومن المقرر سداد الدفعات الأولى بالروبل في أواخر إبريل ومايو، على الرغم من عدم الكشف عن جداول الدفع الفردية للشركات. وذكرت وكالة الأنباء البولندية، في وقت سابق، أن الموعد النهائي لشركة الغاز البولندية الرئيسية PGNiG كان يوم الجمعة، وقالت شركة غازبروم، الثلاثاء، إن الدفع كان مستحقًا على الفور.
الشركات الأخرى لديها المزيد من الوقت، والحكومات الأوروبية والمديرون التنفيذيون في كثير من الحالات لا يزالون يحاولون معرفة أفضل السبل للاستجابة. اقترح الاتحاد الأوروبي، الأسبوع الماضي، أن تواصل الشركات الدفع باليورو، وتسعى للحصول على إعفاءات محتملة من موسكو من المرسوم الجديد. هذا هو أول انقطاع عن أوروبا منذ أن أدت الخلافات على أسعار الغاز بين روسيا وأوكرانيا في عامي 2006 و2009 إلى انقطاع الإمدادات إلى الدول الأوروبية.
استمر الاضطراب الثاني، في شتاء عام 2009 شديد البرودة، لما يقرب من أسبوعين، وأوقف جميع عمليات نقل الغاز إلى الاتحاد الأوروبي عبر أوكرانيا، مما أدى إلى التدافع على الإمدادات. واضطرت سلوفاكيا وبعض دول البلقان إلى تقنين الغاز وإغلاق المصانع وقطع إمدادات الكهرباء. قالت بولندا إن لديها مخزوناً كافياً من الغاز، وإن المستهلكين لن يشعروا بالضربة. وصرح وزير الطاقة البلغاري ألكسندر نيكولوف للصحافيين في صوفيا بأن بلغاريا قامت بتأمين الإمدادات "لمدة شهر على الأقل".
وأكد نيكولوف: "من الواضح أنه في الوقت الحالي، يتم استخدام الغاز الطبيعي بشكل أكبر كسلاح سياسي واقتصادي في الحرب الحالية، وليس في سياق العلاقات القانونية التجارية".
وفي سياق التداعيات، قالت صحيفة "الغارديان" البريطانية إن اليورو انخفض الأربعاء إلى ما دون 1.06 دولار، للمرة الأولى منذ خمس سنوات، حيث سعى المستثمرون إلى استثمار الملاذ الآمن مثل الدولار، وسط مخاوف متزايدة بشأن سلامة الطاقة في أوروبا، وتباطؤ النمو الاقتصادي في أوروبا والصين. وفقدت العملة الموحدة أكثر من 4 في المائة من قيمتها حتى الآن في إبريل، وتتجه نحو أسوأ خسارة شهرية لها منذ أكثر من سبع سنوات.
كذا، ارتفعت عقود بيع الغاز بالجملة للشتاء القادم في بريطانيا بنسبة 15.7 في المائة إلى 260.51 بنساً، وكذا الحال بالنسبة لهولندا، حيث ارتفعت العقود الآجلة المعيارية بنسبة 24 في المائة لتصل إلى 127.50 يورو لكل ميغاواط/ساعة، وهو أعلى مستوى منذ الأول من إبريل. وقال بنك غولدمان ساكس الاستثماري الأميركي إن الوقف الكامل للتدفقات الروسية إلى ألمانيا قد يرفع أسعار الغاز الأوروبية إلى أكثر من 200 يورو هذا الصيف، على الرغم من أن هذا السيناريو "غير مرجح للغاية".