يشعر معظم السوريين اليوم بغصة كبيرة، فطقوس عيد الأم من كل عام تغيب عنهم اليوم، جراء ارتفاع أسعار الهدايا التي اعتادوا تقديمها لأمهاتهم عربون محبة ووفاء، في وقت عجزت فيه كثير من الأمهات عن جمع الأبناء والأحفاد حول موائدهن التي كانت تضم الأطباق الشهية التي لطالما استمتعوا بها في ما سبق، جراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل غير مسبوق.
لم ينجح الكثير من الأشخاص الذين يبحثون اليوم عن هدية لأمهاتهم في إخفاء تعابير الصدمة عن وجوههم عند سماع أسعار الألبسة أو أدوات الكهرباء. وقال كمال عبد المولى (37 عاما)، الموظف في القطاع الحكومي، لـ"العربي الجديد": "أمضت أمي عمرها تحرم نفسها من أبسط الأمور، فلا تأكل حتى نشبع، كما كانت تشتري لنا حاجاتنا وتحرم نفسها، وعندما كنا نطلب منها أن تتوقف عن ذلك، كانت تجيبنا قائلة غدا عندما تكبرون وتنهون تعليمكم وتبدأون بالعمل ستعوضون علي هذه الأيام، لكنها لم تكن تعلم أن أولادها جميعا عندما يكبرون لن يتمكنوا من تعويضها، فرواتبهم وهم الجامعيون لن تكفيهم لتأمين معيشتهم، وستحرمهم حتى من شراء هدية يقدمونها لها بعيد الأم، فأقل هدية مناسبة يفوق ثمنها راتبي الشهري".
وأضاف "كنت أرغب بشراء ملابس جاهزة لها، فهي بحاجة لثياب جديدة، ومنذ ثلاثة أيام وأنا أبحث في السوق عن قطعة ثياب مناسبة بسعر مناسب، إلا أن أرخص قطعة وجدتها كانت ثمنها يعادل نصف راتبي الشهري البالغ نحو 120 ألف ليرة (سعر صرف الدولار يناهز 3900 ليرة)، وبطبيعة الحال من الواجب أن نقدم هدية مماثلة لوالدة زوجتي، ما يعني أن راتبي بالكاد يكفي لشراء هدية متواضعة لكل منهما".
من جانبها، قالت لمى شهاب (32 عاما)، وهي متزوجة وعاملة في معمل قطاع خاص، لـ"العربي الجديد": "منذ أشهر كنت أخطط مع أختي أن نهدي والدتنا قطعة كهربائية للمنزل، إما مكنسة كهربائية أو ماكرويف أو سخانة ساندويش، لكن عندما توجهنا إلى السوق فوجئنا بالأسعار، فالأسعار ما بين 300 ـ 500 ألف ليرة".
وأضافت "لم نستطع تحقيق أي من أحلام والدتنا واكتفينا بشراء حقيبة بـ40 ألف ليرة، وزجاجة عطر بـ20 ألف ليرة"، وتابعت "لقد شعرنا بالخجل الشديد منها، فمثل هذه الهدايا كنا نقدمها لها عندما كنا أطفالا، نجمع ثمنها من مصروفنا اليومي، فكيف لنا أن نقدم لها الهدايا ذاتها بعدما كبرنا وأصبحنا منتجين".
ومن جهتها، قالت أم خالد محيي الدين، وهي أم لأربعة شبان وثلاث فتيات، جميعهم اليوم متزوجون ولديهم أطفال، لـ"العربي الجديد": "فرحة عيد الأم بالنسبة لي هي طهي الأطعمة التي يحبها كل أبنائي وبناتي ليتناولوها مع أبنائهم وهم مجتمعون في المنزل الذي كبروا به، لكن هذا العيد لن أستطيع الشعور بذلك الإحساس، فتلك الأطباق أصبحت مكلفة جدا، فلتر الزيت اليوم بـ15 ألف ليرة، إن توفر، وكيلوغرام واحد من لحم الغنم بـ30 ألف ليرة، وكيلوغرام الدجاج بـ15 ألف ليرة، ووسطيا كيلوغرام الخضار ما بين ألفين وثلاثة آلاف ليرة، وضمة الحشائش، مثل النعنع أو الكزبرة أو البقدونس، بـ600 ليرة، ما يعني أننا بحاجة إلى نحو 100 ألف ليرة، وهو مبلغ يفوق راتب زوجي التقاعدي".
وأضافت "لم يعد شيء يفرحنا، حتى هذه المناسبات أصبحت تشعرنا بالعجز والعوز، بل أصبح يشعرني بأنني أحمل أبنائي المزيد من الأعباء، في وقت أصبحت فيه العائلات تعجز عن تأمين معيشة أفرادها اليومية، وأنا لا أقبل أن آخذ من أمام أبنائهم ليقدموا لي هدية، أنا أعلم كم يحبونني، وتكفيني زيارتهم لي".
يشار إلى أن السوريين يعيشون أزمة معيشية خانقة جراء انخفاض القيمة الشرائية لليرة السورية وانتشار البطالة والتضخم، ما حوّل أكثر من 80% منهم إلى فقراء يفتقدون حتى للأمن الغذائي.