الغلاء والبطالة وتهاوي العملة في قلب الانتخابات الإيرانية: وعود براقة من مرشحي الرئاسة
أيام تفصلنا عن سباق الانتخابات الرئاسية الإيرانية، المقرر إجراؤها في 18 يونيو/حزيران الجاري، ومع قرب موعد الاستحقاق الانتخابي زادت جرعة الوعود الاقتصادية الرنانة للمرشحين التي بات المواطن يملها في ظل واقع معيشي صعب وغلاء في الأسعار وتراجع متواصل في قيمة العملة، بل وبات الاقتصاد حديث الساعة في إيران، هذه الأيام، لتراكم الأزمات الاقتصادية والإخفاقات المستمرة في مواجهتها.
المرشحون يركزون على الملف الاقتصادي في حملاتهم الانتخابية، على أمل استقطاب أصوات الناخبين انطلاقاً من ذلك، مع تأكيد كل منهم على أنه الأقدر لتقديم حلول للمشاكل الاقتصادية والمعيشية، فيطلقون وعوداً براقة، وبعض المرشحين أصبحوا يعلنون عن تقديم دعم نقدي للمواطن بأرقام محددة، في محاولة لدغدغة مشاعر الناخبين واستمالتهم إلى التصويت لصالحهم.
تأتي هذه الوعود فيما يواجه الناخب الإيراني مشاكل معيشية متفاقمة خلال السنوات الأربع الأخيرة بشكل غير مسبوق، على خلفية تراجع حاد في قيمة عملة الريال الوطنية إلى مستويات قياسية، حيث خسرت نحو 800% من قيمتها، ووصل سعر الصرف إلى 320 ألف ريال لكل دولار، قبل أن يستعيد الريال جزءاً من عافيته خلال الشهور الماضية ويستقر السعر على نحو 240 ألف ريال.
تشير البيانات الاقتصادية الرسمية إلى أن أسعار السلع والخدمات، خلال السنوات الأخيرة، سجلت ارتفاعاً هائلاً، أقله نحو 3 أضعاف وفي بعض الحالات وصلت إلى عشرة أضعاف فصاعداً، الأمر الذي سبّب انكماشا حادا في القوة الشرائية للناخبين الإيرانيين. ولذا فإن الاقتصاد له دور كبير في رسم توجهات وقناعات هؤلاء الناخبين، سواء لجهة المشاركة في الانتخابات أو العزوف عنها.
وعلى ضوء المشاكل الاقتصادية الكبيرة التي يواجهونها، باتت هذه المشاكل أحد أهم الأسباب لدى البعض للعزوف عن المشاركة، وسط شكوك في قدرة المرشحين على إيجاد حلول جذرية للأزمة الاقتصادية في حال فاز أي منهم.
4 عوامل أشعلت الأزمة الاقتصادية في إيران خلال الأعوام الأخيرة، وفق خبراء الاقتصاد، الأول هو العقوبات الأميركية الشاملة التي فرضتها واشنطن على طهران منذ انسحابها من الاتفاق النووي عام 2018 وطاولت جميع مفاصل اقتصادها، خصوصاً مواردها بالعملة الصعبة عبر فرض حظر تام على الصادرات النفطية، فضلاً عن قطع التواصل المالي الإيراني عن الخارج، والثاني هو تفشي كورونا في البلاد، حيث كانت إيران من الدول الأكثر تعرضاً للفيروس منذ عام والنصف وهو ما ضاعف تداعيات العقوبات، والثالث تراكم المشاكل البنيوية في الاقتصاد الإيراني، والرابع هو ضعف السياسات والأداء الاقتصادي في مواجهة تلك التحديات والتهديدات الاقتصادية.
وعود المرشحين
أطلق المرشحون السبعة للرئاسة وعوداً مختلفة للناخبين، تلامس مشاكلهم الاقتصادية، وفيما يلي أهم تلك الوعود.
1- المرشح الرئاسي المحافظ إبراهيم رئيسي
الأوفر حظاً للفوز بالرئاسة، تحدث في كلماته الانتخابية عن تقوية الإنتاج وتوجيه السيولة نحوه وخلق مليون فرصة عمل وخفض التضخم إلى أقل من 10% وخفض تكاليف العلاج إلى 50% والعمل على رفع العقوبات الأميركية.
2- المرشح عبدالناصر همتي
رجل اقتصاد إصلاحي، كان رئيس البنك المركزي، قبل أن يعزله الرئيس حسن روحاني، قبل أسبوع تقريبا، على خلفية معارضته ترشحه للرئاسة في ظل شغله هذا المنصب. يؤكد همتي في تصريحاته أنه يمتلك الخبرة الاقتصادية الأقوى من غيره من المرشحين، متحدثا عن خلفيته الاقتصادية الأكاديمية وخبرته التنفيذية، ومخاطبا الناخبين في المناظرة الرئاسية الأولى التي بثت السبت الماضي بالقول إن "الوضع الاقتصادي في إيران لا يسمح بتحقيق معظم الوعود الجذابة لبقية المرشحين"، ومتهماً إياهم بممارسة الكذب في إطلاق الوعود الاقتصادية لتحسين الوضع.
ويضيف همتي أن بلاده تفتقر إلى الموارد اللازمة لتحقيق الوعود المالية التي يطلقها المرشحون للناخبين، مشيرا إلى أنه سيقوم في حال فوزه بتشكيل حكومة اقتصادية تعتمد على رؤية واضحة، مع تأكيده على ضرورة فتح آفاق التعامل والتعاون مع العالم والانضمام إلى مجموعة العمل المالي الدولية، "فاتف" التي وضعت إيران على قائمتها السوداء مطلع عام 2020. ويؤكد أنه سيعزز قيمة العملة الوطنية ويعمل على تصغير الحكومة واستقلالية البنك المركزي وإجراء إصلاحات بنيوية في الهياكل الاقتصادية للدولة.
3- المرشح المحافظ محسن رضائي
أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام، الحاصل على الدكتوراه في الاقتصاد، يرى نفسه الأقدر على مواجهة الأزمة الاقتصادية، واعدا الناخبين برفع الدعم الحكومي الشهري عشرة أضعاف، ليصل إلى 450 ألف تومان (نحو 20 دولاراً شهرياً)، وكبح الأسعار والغلاء المعيشي، وتخصيص راتب شهري للنساء ربات البيت. ويرفض رضائي تصريحات همتي وغيره بعدم وجود موارد لرفع الدعم الشعري إلى هذا المقدار، مؤكدا أنه سيقوم بتأمين هذه الموارد من خلال ترشيد الدعم الحكومي للسلع والطاقة وغیرها.
ويشرح أن حجم الدعم الحكومي المعلن والسري للسلع بلغ 138 مليار دولار خلال العام الماضي "لكن لم يساعد ذلك عمليا في تحسين معيشة المواطنين لأنه لم يتم توزيعه بشكل صحيح وتوزع لصالح الأثرياء".
ويطلق رضائي الذي يترشح للمرة الرابعة للرئاسة، مشروع الفدرالية الاقتصادية في البلاد من خلال تقسيمها إلى عدة فدراليات اقتصادية، موجها انتقادات حادة للسياسات الاقتصادية للحكومة الحالية ومعتبرا أنها أوصلت إيران إلى هذا الوضع. وخلال المناظرة الرئاسية الأولى، دخل في سجال حاد مع المرشح همتي، متهما إياه بأنه من المتسببين بهذا الوضع لكونه كان من أركان الفريق الاقتصادي للحكومة.
4- المرشح المحافظ أمير حسين قاضي زادة هاشمي
طبيب جرّاح، يؤكد في كلماته الانتخابية أنه شكّل فريقا اقتصاديا منذ أكثر من عام لإعداد خطة اقتصادية لحل المعضلة، متحدثا عن التركيز على الدبلوماسية الاقتصادية في السياسة الخارجية، والتوجه نحو الشرق في العلاقات الخارجية وواعدا الناخبين بخفض التضخم إلى أقل من 5%، وتوفير 5.4 ملايين شقة سكنية في البلاد ودفع قروض عاجلة بقيمة 500 مليون تومان (20 ألف دولار) للأزواج الشباب والعمل على إنهاء الفجوات الطبقية العميقة في البلاد.
5- المرشح محسن مهرعليزادة
حاصل على الدكتوراه في إدارة الاقتصاد، شخصية إصلاحية، لكنه ليس مرشح التيار الإصلاحي الرسمي، إذ إن التيار بعد استبعاد مرشحيه أكد أنه ليس لديه مرشح في الانتخابات الراهنة. يعد مهرعليزادة الناخبين بتشكيل حكومة "الحياة" مع إجراء إصلاحات اقتصادية عميقة لإصلاح هيكلية الاقتصاد، فضلا عن تقليص سيطرة الحكومة على الاقتصاد من 67 % إلى 25%.
6- المرشح سعيد جليلي
عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام مندوب المرشد الإيراني في مجلس الأمن القومي، يعد الناخبين بتوفير سلة غذائية مكونة من 13 سلعة للطبقات الفقيرة ومحدودي الدخل، ومكافحة الفساد بشكل جاد وإبطال مفعول العقوبات الأميركية من خلال التركيز على القدرات الداخلية، وإطلاق مشاريع اقتصادية قصيرة المدى وتوفير السكن عبر تسليم أرض حكومية لتعاونيات السكن.
7- علي رضا زاكاني
مرشح رئاسي محافظ آخر، حاصل على شهادة الدكتوراه في الطب النووي، يعد الناخبين الإيرانيين بـ"إرغام" الولايات المتحدة على رفع العقوبات إن أصبح رئيسا، ودفع مبلغ شهري يقدر نحو 50 دولاراً للشباب العاطلين عن العمل إن لم يجدوا عملاً، واقتلاع جذور الفقر المطلق في البلاد خلال العام الأول لرئاسته.
وعود على الورق
تعليقاً على الوعود الاقتصادية التي يطلقها المرشحون، يقول الخبير الاقتصادي إيرج يوسفي لـ"العربي الجديد" إن "ما يأتي من الوعود على الورق سيبقى على الورق إلا إذا نفذت، وهناك مسافة كبيرة جداً حتى يتم تنفيذها وعند التطبيق تظهر عقبات خاصة يجب أخذها بالحسبان"، مضيفا أن الاقتصاد الإيراني "أصبح مرتبطا إلى حد كبير بقضايا السياسة الخارجية والعلاقات مع الدول الأخرى والعقوبات التي استهدفت خلال السنوات الأخيرة النظام المصرفي والمالي وقطاع النفط وبقية قطاعات التصدير".
ويربط يوسفي تطبيق الوعود الاقتصادية بوجود موارد مالية، قائلاً "عندما تكون هناك موارد كافية وأموال فيمكن للوعود الاقتصادية أن تجد طريقاً للتنفيذ، لكن الوعود التي يطلقها المرشحون لا أرى ما يدعمها على أرض الواقع".
ويستبعد الخبير الاقتصادي تنفيذ الوعود الاقتصادية للمرشحين "إذا بقيت إيرادات البنك المركزي 9 مليارات دولار في العام الحالي، فحينئذ لن يرى أي من هذه الوعود نوراً وستخفق"، رابطا مصيرها بإحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات الأميركية لتتمكن إيران من بيع نفطها وتحصيل عوائدها وإدخالها إلى الداخل واستيراد المعدات اللازمة.
يضيف أن الانخراط في مجموعة العمل المالي الدولية "فاتف" أحد متطلبات تسهيل التجارة مع الخارج، "لكن الرئيس لا يملك صلاحية في ذلك، والأمر عند مجمع تشخيص مصلحة النظام"، حيث أحيل إليه ملف الانضمام إلى "فاتف" منذ عامين لكنه بقي عالقاً في المجمع.
وعن البرامج الاقتصادية للمرشحين، يؤكد يوسفي أن "بعض المرشحين ليس لديهم أي برنامج"، قائلاً إن "الآخرين الذين لديهم برامج يتوقف تنفيذها على معالجة موضوع العقوبات وامتلاك قوة تنفيذية لتطبيقها والاستفادة من المتخصصين، لكن إن ظل شح الموارد مستمراً في المستقبل، فلا مجال لتطبيق تلك الخطط أيضاً".
ويوضح أن المناظرات أظهرت فقدان وجود برامج اقتصادية مدروسة، متوقعاً تفاقم الأزمة الاقتصادية إن لم تُحل أسبابها جذرياً وتمت طباعة النقود وضخها في النظام المالي، إذ سيزيد من السيولة والتضخم، مع التأكيد أن هذه الخطط "يجب أن تنصب على تعزيز الإنتاج وليس زيادة الدعم النقدي للمواطنين ما يربط حياتهم بالمساعدات"، داعيا أن تزيل البرامج الاقتصادية عقبات الإنتاج وتوجيه الموارد المالية نحو الإنتاج.
وعن المعطيات الاقتصادية الإيرانية، يقول الخبير إيرج يوسفي لـ"العربي الجديد" إن البنك المركزي الإيراني لا يعلن منذ عام 2018 عن الأرقام الرسمية، لكن التضخم الشهري بلغ نحو 50%، و"هذا الرقم خطير ويظهر تفاقم الوضع"، مشيرا إلى تضخم الأسعار يومياً".
ارتفاع السيولة المستمر أيضاً يشكل إحدى أهم مشاكل اقتصاد إيران، حسب يوسفي، الذي أضاف أن الرقم حاليا يبلغ أكثر من 3 آلاف و300 ألف مليار تومان (كل مليار تومان يساوي 41666 دولاراً)، لافتاً إلى أن حجم السيولة يزداد يومياً بمقدار ألفي مليار تومان.
يوضح الخبير الإيراني أن "السيولة إن لم توجه نحو الإنتاج وخلق الإيرادات بالعملة الصعبة ستؤدي تلقائياً إلى انخفاض قيمة العملة الوطنية وزيادة التضخم"، مؤكداً أن هذا الأمر يشكل أحد أهم تحديات الحكومة المقبلة.