تضغط الأنشطة التجارية والخدمية في الجزائر باتجاه تخفيف القيود الحكومية والمصرفية بحق ما يعرف بحق الامتياز التجاري أو "فرانشايز" لإنعاش الأسواق، حيث تؤكد مصادر مختصة أن عدد الأنشطة العاملة وفق حق الامتياز التجاري في الدولة زهيد مقارنة بدول مجاورة مثل تونس والمغرب.
ورغم دخول أنشطة "الفرنشايز" الجزائر قبل أكثر من 18 عاماً مع دخول سلسلة الأسواق التجارية "كارفور" الفرنسية وسلسلة مطاعم "كويك" الفرنسية، يبقى الامتياز التجاري حبيس أحكام مُسبقة للمسؤولين الذين يرون فيها آلة للاستيراد وإخراج العملة الصعبة من البلاد، ما منعه من الإقلاع، وخلق الآلاف من فرص العمل. وبجانب القيود القانونية، تواجه الشركات قيوداً مصرفية تطاول تحويل الأرباح.
وتأتي محاولات تنشيط الـ"فرانشايز" في الوقت الذي يرى فيه خبراء اقتصاد ومصادر تجارية حاجة الجزائر إلى هذا النوع من الأنشطة في مجالات مثل النقل والتجزئة والخدمات والصناعة، إلا أن الأفق يبدو مسدوداً، وذلك لغياب الإطار القانوني المنظم لهذا النوع من الأنشطة الاقتصادية.
وحسب هند بن ميلودة، المحامية المختصة في القانون التجاري، والعضو في الجمعية الجزائرية لـ"فرونشيز"، فإن "العلامات الكبرى ليست هي التي جاءت إلى الجزائر، بل بالعكس، الجزائريون هم من ذهبوا بحثاً عنها".
وتعرب بن ميلودة عن أسفها للتشويه الحاصل في الجزائر لهذا القطاع واختزاله في مجرد "عملية استيراد"، بالرغم من أنه "آلية لمكافحة السوق الموازية، ومكافحة ظاهرة السلع المقلدة المنتشرة بكثرة في الجزائر".
وبالرغم من أن القانون التجاري الجزائري لا يمنع "الفرانشايز" صراحة، إلا أنه لا يحمي حقوق طرفي "حق الامتياز التجاري" نظراً لغياب نص قانونيٍ خاص بالنشاط، فالعقود تُعقَد وفق قانون "الصفقات الدولية" الذي لا يراعي خصوصية عقود "الامتياز التجاري"، ما جعل الكثير من العلامات الكبرى تفسخ عقوداً سابقة أبرمتها مع شركات جزائرية مثل "كارفور" التي دام نشاطها حوالى 4 سنوات و"كويك" للوجبات السريعة 3 سنوات وغيرهما الكثير من العلامات العالمية، بعد عجزها عن استصدار "تراخيص" دائمة لممثليها في الجزائر.
وفي السياق، يشير يزيد بلخوصو، الخبير الاقتصادي والمستشار التجاري لدى الشركات متعددة الجنسيات، إلى خطورة غياب الإطار القانوني التجاري الواضح الذي ينظم ويسيّر هذا النشاط الهام، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد" أن الفرانشايز يخضع حالياً للإطار القانوني المنظم لتشجيع الاستثمار وحماية المستهلك فقط، وذلك على الرغم من أنه في عام 2009 اقتُرِح نص وإطار قانوني على مستوى وزارة التجارة لتنظيم هذا المجال، إلا أنه لم يرَ النور بسبب النظرة التي كانت سائدة آنذاك بأن هذا المجال لا يأتي بأي إضافة للاقتصاد الوطني، وهي النظرة التي لا تزال قائمة للأسف إلى يومنا هذا".
وأدخلت مشكلة غياب إطار قانوني منظم لنشاط "الفرانشايز" في الجزائر، طرفي العقد في مشكل آخر، هو تحويل الأموال نحو بلد "الشركة الأم". فقانون النقد والصرف الجزائري يمنع تحويل العملة إلى خارج الجزائر، إلا بالنسبة إلى فروع الشراكات الأجنبية في الجزائر، وهو ما لا ينطبق على الشركات الناشطة في "حق الامتياز التجاري"، التي لا تستطيع أيضاً طلب قروض بنكية لتمويل مشاريعها، وذلك للفراغ القانوني الحاصل.
كذلك تواجه شركات "الفرانشايز" مشكلة أخرى، تجعل الكثير من المشاريع تبقى حبيسة الأدراج والأوراق، وهي الحصول على العقار الصناعي. فحتى الشركات التي نجحت في إيجاد العقار لا تستطيع شراءه، وتكتفي بالإيجار، وهي مشكلة لا تساعد على استقرار العلامات التجارية، حسب المختصين.
وفي السياق، يؤكد الخبير الاقتصادي جمال نور الدين أن "الأزمة الاقتصادية التي مرت بها الجزائر كانت سلاحاً ذا حدين على شركات الفرانشايز، إما أن تكون سبباً لبعث هذا القطاع إذا أحسنت الشركات لعب ورقة التوظيف ودعم المنتج الجزائري، أو ستكون شهادة وفاة لهذا النشاط إذا بقيت الحكومة تراه أنه مُشجع للاستيراد، ويعارض سياستها الرامية لتقليص فاتورة البلاد.
والظاهر أن الفرضية الثانية هي التي تبقى حاضرة، حيث إن الجزائر لا تريد فتح الباب أمام هذا النوع من التعاون الاقتصادي والتجاري العابر للحدود، بدليل غياب أي إشارة له في قانون الاستثمار الجديد لسنة 2021، وهي السنة التي جمدت فيها الحكومة التراخيص المؤقتة الممنوحة لـ "التوكيلات" أو "الفرانشيز"، وهذا ما سيُضيع على الجزائر فرصة اقتصادية هامة، خصوصاً في ظل مساعي بعث الاقتصاد المتعثر بسبب أزمات هبوط أسعار النفط وكورونا وتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، وفق نور الدين.