أظهر تقرير منظمة الشفافية الدولية عن الفساد في العالم، أن 17 دولة عربية جاءت ضمن البلدان الأكثر فساداً، إذ لم تتخطَّ حد النقاط الفاصل بين "الأكثر فساداً" و"الأكثر نزاهة".
وأشار إلى أن الكثير من الدول استغلت جائحة فيروس كورونا كغطاء للانتهاكات، حتى أن البلدان التي نجحت في إقامة أنظمة حكومية جديدة تعاني من تراجع الديمقراطية، مثل تونس، فضلا عن تسبب النزاعات العنيفة طويلة الأمد في بلدان مثل سورية واليمن في تصاعد الفساد.
ولم يقتصر استغلال الجائحة على الدول العربية وإنما امتد الأمر إلى دول ديمقراطية، إذ أثرت الإجراءات التي اتخذتها الدول لمواجهة الوباء على المساءلة، وفقاً لمؤشر مدركات الفساد لعام 2021 الصادر، أمس الثلاثاء، عن المنظمة الدولية.
أميركا تسقط للمرة الأولى
وسقطت الولايات المتحدة للمرة الأولى، من قائمة الدول الـ25 الأكثر نزاهة في العالم وفق مؤشر مدركات الفساد، لافتا إلى أن السيطرة على الفساد ساءت في 86% من البلدان التي شملها المؤشر في السنوات العشر الماضية.
ومن بين القضايا التي كان لها دور في تصنيفات المؤشر خلال العام الماضي، استخدام برنامج بيغاسوس، الذي ارتبط بالتجسس على نشطاء حقوق الإنسان والصحافيين والسياسيين في جميع أنحاء العالم.
ويصنف المؤشر 180 دولة ومنطقة. ويصدر منذ عام 1995، ويتم حسابه باستخدام 13 مصدراً مختلفا للبيانات التي توفر تصورات عن فساد القطاع العام من رجال الأعمال وخبراء الدول، وتشمل المصادر البنك الدولي والمنتدى الاقتصادي العالمي وشركات المخاطر والاستشارات الخاصة.
ويعتمد المؤشر في تصنيفه على نقاط من صفر للدول "الأكثر فساداً" إلى 100 "الأكثر نزاهة". ووفق رصد لـ"العربي الجديد" من خلال بيانات المؤشر لم تنجح 17 دولة عربية في تجاوز مستوى الـ 50 نقطة الفاصلة في التصنيف، إذ جاءت سورية ليس فقط في ذيل الدول العربية وإنما في آخر القائمة العالمية كذلك بترتيب 178 من إجمالي 180 دولة بعد أن حصلت على 13 نقطة فقط في المؤشر متراجعة عن العام الماضي الذي حصلت خلاله على 14 نقطة.
وجاءت الصومال في نفس ترتيب سورية بحصولها على 13 نقطة، يليها اليمن في الترتيب 174 بحصوله على 16 نقطة، ثم ليبيا بالمركز 172 بين الدول إذ حصلت على 17 نقطة فقط ضمن المؤشر.
وجاء السودان في الترتيب 164 عالمياً بـ20 نقطة، وجزر القمر بالمركز 164 بـ20 نقطة، العراق 157 بـ20 نقطة، لبنان بالترتيب 154 بحصوله على 24 نقطة، موريتانيا بالمركز 140 بـ28 نقطة، جيبوتي 128 بـ30 نقطة، مصر 117 بحصولها على 33 نقطة، الجزائر 117 بـ33 نقطة، المغرب بالترتيب 87 بحصوله على 39 نقطة، البحرين 78 بـ42 نقطة، الكويت 73 بـ43 نقطة، تونس في الترتيب 70 بحصولها على 44 نقطة، الأردن في المركز 58 بحصوله على 49 نقطة.
وجاءت 4 دول عربية فقط في تصنيف الدول الأكثر نزاهة تصدرتها الإمارات التي جاءت في المركز الـ24 عالمياً بحصولها على 69 نقطة من إجمالي 100 نقطة، تليها قطر في الترتيب 31 عالمياً بحصولها على 63 نقطة، ثم السعودية في المركز 52 بـ53 نقطة، وسلطنة عمان في الترتيب 56 بـ52 نقطة.
سورية في ذيل القائمة
وفي تعليق له على تقرير منظمة الشفافية الدولية، يقول المحلل الاقتصادي السوري، علي الشامي لـ"العربي الجديد" إن تراجع سورية في مؤشرات مدركات الفساد وتذيلها القائمة "حالة طبيعية" بعد تفشي جميع أشكال الفساد، من رشى وتهريب وتجاوز قوانين، وعدم شفافية في الانتخابات، لأن منظمة الشفافية الدولية، تأخذ هذا الجانب بالحسبان، خلال تصنيفها السنوي.
ويشير الشامي إلى أن سورية تراجعت من المرتبة 144 عام 2012 إلى المرتبة 159 عام 2014، لتتوالي الانخفاضات حتى وصلت إلى الترتيب 178 منذ عام 2017.
لكن المختلف في سورية، برأي المحلل الشامي، هو ضلوع الدولة بعمليات الفساد وقيادتها، وهذا مختلف عن أي دولة أخرى، لأن قطاع الأعمال في الدولة تلاشى بعد التفقير والتهجير.
ويضيف: "نظام بشار الأسد وضع يده على أموال وشركات المستثمرين ورجال الأعمال، وطاول ذلك حتى استثمارات خارجية ومنها خليجية، بينما يستمر في دفع المستثمرين إلى الهجرة إذ تشير تقديرات إلى أن أكثر من 47 مستثمرا رحلوا إلى مصر فقط".
ووجدت منظمة الشفافية الدولية أن البلدان التي تنتهك الحريات المدنية باستمرار تسجل درجات أقل على مؤشر مدركات الفساد.
ويؤدي التراخي بمحاربة الفساد إلى تفاقم انتهاكات حقوق الإنسان وتقويض الديمقراطية، مما يؤدي إلى نشوء حلقة مفرغة، ومع تآكل الحقوق والحريات وتراجع الديمقراطية، يحل الاستبداد محلها، مما يسهم في ارتفاع مستويات الفساد.
وقالت ديليا فيريرا روبيو، رئيسة منظمة الشفافية الدولية إن "حقوق الإنسان ليست مجرد شيء يُستحسن أن يكون موجوداً في جهود مكافحة الفساد، فالنهج الاستبدادي يدمر الضوابط والتوازنات المستقلة ويجعل جهود مكافحة الفساد تعتمد على أهواء النخبة".
وأضافت أن "ضمان قدرة الناس على التحدث بحرية والعمل بشكل جماعي لإخضاع السلطة للمساءلة يمثل الطريق الوحيد المستدام للوصول إلى مجتمع خالٍ من الفساد".
ووفق المنظمة الدولية، فإن هناك استغلالا مستمرا من قبل الحكومات لجائحة فيروس كورونا، من أجل تقويض حقوق الإنسان والديمقراطية، ما يؤدي إلى تدهور أكثر حدة في جميع أنحاء العالم في المستقبل.
وبينما كانت شعوب دول الربيع العربي تطمح إلى النزاهة والعدالة الاجتماعية ضمن الشعارات التي رفعتها، إلا أن تقرير منظمة الشفافية الدولية يشير إلى أن "الفساد السياسي المُمنهَج يُعيق التقدم عبر المنطقة ويزيد تفاقم انتهاكات حقوق الإنسان".
تراجع الديمقراطية في تونس
وذكرت المنظمة أن "الوعود الطامحة في التجديد التي طالب بها الربيع العربي منذ عام 2011، فشلت في أن تؤتي أُكُلها، حتى أن تلك البلدان التي نجحت في إقامة أنظمة حكومية جديدة تعاني من تراجع الديمقراطية فيها، لا سيما تونس (حصلت على 44 نقطة من 100 نقطة في مؤشر مدركات الفساد)".
وأشارت إلى تداعيات النزاعات العنيفة وطويلة الأمد في بلدان مثل سورية واليمن، كما جاءت جائحة كورونا لتزيد انتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة.
وقالت كندة حتر، المستشارة الإقليمية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمنظمة الشفافية الدولية: "تناضل المنطقة لتحقيق أي نتائج ملموسة في الكفاح من أجل الشفافية وحقوق الإنسان والديمقراطية في ضوء الفساد السياسي المُستشري في الدول العربية".
وأضافت: "لم يتحسّن الوضع في أي بلد بشكلٍ ملحوظ منذ عام 2012. فالنخب السياسية والمصالح الخاصة تتجاوز الصالح العام، المرّة تلو الأخرى، لتحقيق مصالحها وتكريس الاستبداد".
وسلط التقرير الضوء على لبنان، الذي سجل أدنى مستوياته التاريخية في مؤشر مدركات الفساد. ليتزامن ذلك مع بيان للبنك الدولي، أمس، قال فيه إن كساد الاقتصاد اللبناني "من تدبير قيادات النخبة في البلاد".
وأشار إلى أن ذلك "يعرّض الاستقرار والسلم الاجتماعي في البلاد للخطر على المدى الطويل". وبدأ انزلاق لبنان إلى الانهيار المالي في عام 2019، نتيجة سوء إدارة الإنفاق الضخم، مما تسبب في ارتفاع الديون، وشلل سياسي مع تناحر الفصائل المتنافسة، وامتناع المقرضين الأجانب عن إنقاذ البلاد ما لم يتم إجراء إصلاحات.
ويصنف البنك الدولي الأزمة في لبنان ضمن أشد الأزمات عالمياً منذ منتصف القرن التاسع عشر، حيث دمرت بلداً كان يُنظر إليه سابقاً على أنه مركز للثراء والليبرالية في الشرق الأوسط قبل اندلاع الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990.
وقال ساروج كومار جها، المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي، إن "الإنكار المتعمّد في ظل الكساد المتعمّد يُخلِّف أضراراً طويلة الأمد على الاقتصاد والمجتمع"، مضيفا: "بعد مرور أكثر من عامين على الأزمة المالية، لم يُحدِّد لبنان بعد مساراً يتسم بالمصداقية للوصول إلى التعافي والاستقرار الاقتصادي والمالي".
وقال دانييل إريكسون، الرئيس التنفيذي لمنظمة الشفافية الدولية: "في السياقات الاستبدادية حيث تقع السيطرة على الحكومة والأعمال والإعلام في أيدي قلة من الأشخاص، تظل الحركات الاجتماعية هي الضابط الأخير للسلطة".
واعتبر أن "القوة التي يمتلكها المعلمون، وأصحاب المتاجر، والطلاب، والأشخاص العاديون من جميع مناحي الحياة هي التي ستؤدي في النهاية إلى تحقيق المساءلة".