ساهم الفساد في مضاعفة الصعوبات المعيشية لليمنيين وتسريع الانهيارات في مختلف القطاعات الإنتاجية مع تحوله إلى عقبة ضخمة ستعترض جهود الحكومة الجديدة المتعلقة بإنقاذ الاقتصاد الوطني ووقف انهيار العملة الوطنية.
من الصرافة والوقود إلى العقارات والكهرباء والأدوية إلى كشوفات الرواتب العسكرية، تكونت شبكة واسعة من المنافذ والأعمال التي وجد فيها تجار الحرب في اليمن ضالتهم في تسييل أموال ضخمة ومشبوهة على حساب تهاوي العملة وتدمير الاقتصاد ومعيشة اليمنيين والتسبب بأكبر أزمة إنسانية في العالم وفق تصنيف الأمم المتحدة.
وسط كل ذلك تكونت طبقة ثرية بدأت بالتمدد بصورة علنية استفادوا كثيراً من السوق السوداء للوقود والمضاربة بالعملة واحتكار استيراد السلع الغذائية الأساسية وتجار الطاقة الكهربائية، لتكوين مشاريع خاصة واقتصاد مواز وثروات هائلة في ظل انحسار الدور الحكومي وتقويض مؤسسات الدولة ورفع يدها عن مختلف الموارد العامة السيادية في البلد.
الباحث الاقتصادي، مختار السعيدي، يشير إلى إفرازات الفساد الهائلة في ظل الانقسام المالي الحاصل في المؤسسات العامة والذي ساهم في خلق منافذ عديدة للنهب والسلب نتيجة تقويض مؤسسات الدولة وتوقف الدورة النقدية وبقائها خارج الإطار الرسمي وتحكم أطراف أخرى لكونها الصراع في الإيرادات العامة وإحكام قبضتها على منافذها الرئيسية.
ويوضح السعيدي لـ"العربي الجديد"، أن الفساد آفة مزمنة تعاني منها اليمن منذ ما قبل الحرب، وظلت عملية مكافحته على الدوام شعارا رفعته كل الحكومات السابقة لكن دون تحقيق أي تقدم يذكر في هذا الجانب، وهو نفس الشعار الذي رفعته الحكومة الجديدة المشكلة مؤخراً بمشاركة المجلس الانتقالي الجنوبي كطرف رئيسي فيها والتي اعترضها انفجار هائل في مطار عدن أثناء وصولها.
وينتظر الحكومة الجديدة كما يعتقد السعيدي، عقبات ضخمة ستعيق عملها مثل الوضع الأمني والعسكري وشبكات الفساد التي تكونت بسبب بقاء الحكومة خارج اليمن طوال سنوات الحرب.
في هذا الإطار أكد الاجتماع الذي عقده رئيس الحكومة اليمنية معين عبد الملك، مع قيادة البنك المركزي اليمني، على أهمية التسريع بإجراءات تكليف فريق تدقيق خارجي على حسابات البنك المركزي اليمني، بما يتسم مع إجراءات الشفافية وانتهاج مبدأ الحوكمة ومكافحة الفساد، باعتبار ذلك خطوة ضرورية لضمان استمرار تطبيق المعايير والقواعد المالية الدولية.
رئيس الحكومة اليمنية الجديدة، أكد حرصه على استقلالية عمل ونشاط البنك المركزي اليمني وعدم التدخل في كل الإجراءات التي يتخذها لرسم السياسة النقدية، موجها بأهمية التكامل بين السياسة المالية والنقدية وإعادة تشكيل وتفعيل عمل المجلس الاقتصادي الأعلى لبدء مرحلة جديدة عنوانها الاستقرار الاقتصادي وتحسين معيشة وأوضاع المواطنين.
وتدارس الاجتماع الذي وصفته مصادر مطلعة بالمهم، نظراً لوضعية البنك وضعف تدخلاته في ضبط السياسة النقدية وسوق الصرف، الإجراءات المقبلة للرقابة على أسعار الصرف والتي شهدت تحسنا ملحوظا مؤخرا، إضافة إلى السبل الكفيلة بضبط وتعزيز الإيرادات العامة وتقليل النفقات وجوانب التعاون بين البنك والحكومة والأولويات التي يمكن العمل عليها خلال الفترة القادمة، بما يتجاوز اية إخفاقات سادت العمل سابقا، والحفاظ على سمعة البنك كمؤسسة سيادية.
على أثر هذا الاجتماع وفي مذكرة رفعها مستشار الرئيس اليمني ومحافظ البنك المركزي السابق، حافظ معياد، إلى رئيس فريق الخبراء المعني باليمن في الأمم المتحدة، طالبه فيها بتكليف فريق متخصص من لجنة العقوبات لمراجعة أعمال اللجنة الاقتصادية وحسابات البنك المركزي أثناء فترة عمله محافظا للبنك المركزي.
وأكد معياد حسب ما جاء في المذكرة التي اطلعت عليها "العربي الجديد"، استمرار منظومة الفساد في ممارسة أعمالها الانتقامية بحق اليمنيين، باعتبارها إحدى أدوات الحرب الاقتصادية، متزامنة مع استمرار الفاسدين في الكسب غير المشروع.
وكشف فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة في آخر تقاريره عن مؤشرات قوية تدل على الإثراء غير المشروع في اليمن من خلال تلاعب البنك المركزي في عدن بأسعار الصرف الأجنبي خلال الفترة الممتدة من 2018 إلى 2020، ولاحظ الفريق تورط أطراف محلية اّخرى في حالات انتهاك لتدابير تجميد الأصول بسماحهم بتحويل أصول مجمدة وأموال عامة باستخدام عقود مزورة.
المستشار القانوني السابق في محكمة الأموال العامة، جمال الفلاحي، يشدد على أن ما يمثله الفساد من مشكلة كبيرة يجعل طريقة تعامل الحكومة الجديدة في مكافحته بمثابة اختبار رئيسي لها، لأنها قد تفشل وتتعثر في حال تم التعامل مع هذا الملف كورقة لتصفية الحسابات بين الأطراف المتصارعة.
ويتحدث لـ"العربي الجديد"، عن أولوية على الحكومة الجديدة مواجهتها في المقام الأول وهي توحيد المؤسسات المالية والقنوات الإيرادية، وتفعيل أجهزة مكافحة غسل الأموال، وكسب ثقة المؤسسات المالية الدولية وإعادة خطوط الارتباط معها، إذ إن الانقسام المالي وتقويض المؤسسات العامة وتفكك المنظومة القانونية والتشريعية وتشتت الأجهزة الرقابية خلق فجوة واسعة قد تعرقل جهود توحيد المؤسسات المالية وكسب ثقة المجتمع الدولي.
وحسب تقرير منظمة الشفافية الدولية حول مؤشر مدركات الفساد 2019 فقد حصلت اليمن على 15 نقطة لتحتل بذلك المركز 177 من بين 180 دولة.
بدوره، يرى الباحث الاقتصادي والأكاديمي في جامعة عدن، هلال الحسني، أن هناك أهمية لإعادة بناء مؤسسات الدولة التي دمرتها الحرب والصراع الدائر في اليمن على أكثر من صعيد، ومن ثم العمل على استقلالية المؤسسات المالية مثل البنك المركزي اليمني الذي يعمل برأسين في صنعاء وعدن والبنوك والمصارف العامة والخاصة وتحييدها عن الصراع الدائر.
ويؤكد في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الفساد ساهم بشكل كبير في إفقار اليمنيين لأنه يبدد الموارد ويشتتها ويجعلها تصب في اتجاه واحد وهو جيوب فئات محددة نافذة، بينما مختلف فئات وشرائح المجتمع تعاني ويلات الحرب والصراع ومن فقر واوضاع معيشية صعبة.