الدفع أو الظلام وتوقّف كلّ سبل الحياة... هكذا أضحى الوضع في اليمن منذ اندلاع الحرب قبل نحو سبع سنوات، التي تسببت في خروج الطاقة الأكبر من شبكة الكهرباء العمومية من الخدمة، وانتشار المولدات والمحطات البديلة التي تقدم خدماتها بأسعار تتجاوز قدرات معظم المواطنين، لكنّ الأمور تزداد سوءاً في الأسابيع الأخيرة، بعدما قفزت الأسعار بأكثر من 300% دفعة واحدة منذ بداية الشهر الجاري.
وتتصدر الكهرباء قائمة الخدمات التي تؤرق اليمنيين في ظل تدهورها المتواصل. وتظهر في مثل هذه المواسم التجارية وازدهار حركة الأعمال تأثيرات صعوبة الحصول على الطاقة، بينما تعجز الحكومة عن إيقاف تدهور الخدمة المتواصل في مختلف المحافظات، بالرغم من منحة المشتقات النفطية السعودية المقدمة لتشغيل محطات الطاقة الكهربائية في عدن والمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً.
يقول فيصل مهدي، المسؤول السابق في المؤسسة العامة للكهرباء، لـ"العربي الجديد"، إنّ هناك استغلالا تجاريا للأزمة، كما هو حاصل في مناطق نفوذ الحوثيين بدرجة رئيسية وبعض المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة، مشيراً إلى أنّ هذا الاستغلال ناجم عن انهيار منظومة الطاقة الكهربائية العمومية وتقادم المحطات وعدم قدرتها على العمل حتى بنصف طاقتها، ما جعل هناك متاجرة بالخدمة من قبل البعض.
وتعاني 50% من محطات توليد الكهرباء في اليمن من أضرار جزئية، فيما نحو 8% مدمرة كلياً، حسب تقارير رسمية.
وتشهد مختلف المدن الرئيسية ارتفاعاً قياسياً في تعرفة الكهرباء التي قفزت في صنعاء من 300 ريال للكيلووات إلى 600 ريال، فيما تصل تكلفة الحصول على التيار الكهربائي في محافظات مثل حضرموت والمهرة ما بين 20 ألف ريال إلى 50 ألف ريال للكيلووات.
ويتفاوت سعر صرف الدولار بشكل حاد بين مناطق نفوذ الحوثيين والحكومة، إذ يبلغ سعر العملة الأميركية في صنعاء نحو 560 ريالاً بينما يصل في عدن إلى نحو 905 ريالات.
وتقدر بيانات رسمية إجمالي إنفاق نحو 1.12 مليون أسرة يمنية على الكهرباء أكثر من 100 مليار ريال سنوياً حاليا، في ظل انهيار سعر صرف الريال مقابل الدولار، بينما كان الإنفاق قبل سبع سنوات يقدر بحوالي 21.3 مليار ريال، إذ كان سعر الدولار حينذاك يبلغ نحو 250 ريالاً.
أسعار الكهرباء تلتهم المداخيل
ووفق التكاليف الباهظة لخدمات الكهرباء، أضحت فاتورة التزود بالخدمة في طليعة البنود التي تشكل العبء الأكبر على اليمنيين وتساهم في نهب ما توفر لهم من دخل، وفق مواطنين وخبراء اقتصاد.
ويبدي المواطن أحمد الصراري، من سكان صنعاء، استغرابه في حديث لـ"العربي الجديد"، من قيمة فاتورة الكهرباء التي وصلته من إحدى محطات الكهرباء التجارية والتي تزيد بنحو ثلاثة أضعاف عن مارس/آذار الماضي، إذ قفزت إلى 20 ألف ريال من 7 آلاف ريال.
كما يشكو تجار وصناعيون ومهنيون من التهام خدمة الكهرباء لأكثر من 60% من دخلهم، كما أنها قلصت من استفادة الكثير من الأعمال من مثل هذه الفترات والمناسبات التي تعتبر فرصة موسمية لازدهار مختلف الأنشطة الاقتصادية والتجارية.
يشير حاتم البيحاني، تاجر في مدينة شبوة جنوب شرقي اليمن، لـ"العربي الجديد"، إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج والأعمال التجارية والاستثمارية، مشيراً إلى مواجهة كثيرين صعوبات بالغة في العمل وتقديم الخدمات للمواطنين بتكاليف مناسبة لا تشكل عبئاً عليهم.
ويواجه اليمن ضغوطاً وصعوبات مالية واقتصادية غير مسبوقة ناتجة عن ارتدادات الحرب الأهلية المدمرة على الاقتصاد، وتراجع عائدات النفط التي تشكل 70% من إيرادات البلاد، وتوقف الاستثمارات الأجنبية وعائدات السياحة.
وسبّب هذا الوضع وتداعيات الحرب تدمير فرص الاستثمار للقطاع الخاص، وخلق بيئة طاردة لرؤوس الأموال والمستثمرين وإغلاق الآلاف من المشاريع الاستثمارية، والإضرار البالغ بفرص التشغيل للشباب وسوء حدة البطالة، وتدهور مستوى معيشة العاملين في تلك المجالات والمشاريع، وفقدان الدخل من قبل شريحة واسعة من السكان.
ووفق تقرير صادر عن البنك الدولي في يوليو/تموز الماضي، فإن اليمن "البلد الأشد فقراً في قائمة البنك الدولي لبلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم منذ عام 2015 بسبب الصراع".
وحسب تقديرات سابقة لوزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمنية، قدرت الخسائر المباشرة التي لحقت بالاقتصاد في الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو سبع سنوات، بحوالى 90 مليار دولار، وهذه التقديرات هي للخسائر المباشرة في الناتج المحلي اليمني، فضلاً عن الخسائر الناتجة عن تدمير أجزاء كبيرة من البنية التحتية بسبب الحرب.
صعود قياسي لأسعار السلع
وانعكست تأثيرات ارتفاع كلف الحصول على الكهرباء على أسعار مختلف القطاعات، إذ قفزت أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية إلى مستويات قياسية، إضافة إلى تأثيراتها على الأعمال المهنية التي أضحت 40% منها مهددة بالانهيار.
يتحدث المواطن علوي مثنى، وهو من سكان مدينة عدن، لـ"العربي الجديد"، بحسرة وألم وهو يصف حالهم الذي لم يتغير منذ أكثر من سبع سنوات: "نعيش أغلب أيامنا وليالينا في الظلام".
بينما لا يأمل صهيب فخري، عامل بالأجر اليومي، خيراً في التغيير الحاصل في السلطة التي انتقلت، وفق مشاورات الرياض، إلى مجلس رئاسي مكون من 7 أعضاء، في وقت سابق من إبريل/نيسان الجاري، مؤكداً أن مع كل تغيير يحصل في الحكومة أو السلطة المحلية تكون هناك وعود بتحسين الخدمات ومعيشة المواطنين، ولكن بحسب هذا العامل لا يحصل أي شيء.
في أول اجتماع له، ناقش مجلس القيادة الرئاسي المنبثق عن مشاورات الرياض بعد تأديته اليمين الدستورية في البرلمان المنقسم بين طرفي الصراع في البلاد، الأوضاع الخدمية والمعيشية وتطبيع الأوضاع في مختلف المحافظات، وعلى وجه الخصوص العاصمة المؤقتة عدن. ووضع المجلس منظومة تضم قائمة بالخدمات العاجلة التي سيركز على معالجتها، تتصدرها الكهرباء، إضافة إلى الصحة والمياه والتعليم والطرقات والصرف الصحي والمنشآت الحيوية.
لكنّ الباحث الاقتصادي وليد الفقيه يقول لـ"العربي الجديد" إنّ تركة الحرب ثقيلة للغاية وأكبر من قدرات السلطات الجديدة المشكلة حديثاً والمتمثلة بالمجلس الرئاسي، والتي أغلب أعضائها من قادة عسكريين، في مؤشر واضح على المهام والأهداف والسياسات التي سيتبعها هذا المجلس.
ويوضح أنّ الحكومة في عدن عجزت عن تحسين خدمة الكهرباء والاستخدام الأمثل للمنحة السعودية، لأنها غير قادرة أو تتجاهل المشكلة الحقيقية في تجفيف منابع النهب والفساد التي أفرزتها الحرب في مثل هذه القطاعات الخدمية، في حين تسببت الخصخصة للمحطات الكهربائية في صنعاء وتعز وحضرموت وشبوة والعديد من المدن والمحافظات في استغلال اليمنيين والمتاجرة بمعاناتهم.
كانت الحكومة اليمنية قد وضعت العديد من الخطط لإصلاح قطاع الطاقة الكهربائية وصيانة المحطات لتوفير التيار، فضلاً عن الاستفادة من الدعم الذي يقدمه المانحون لإنشاء مشاريع في مجالات الطاقة المتجددة بحسب رؤية وضعت لهذا الخصوص، لكن هذه الخطط لم تحقق أي نتائج، بما ينعكس على تحسين الخدمات التي تستمر في التدهور وتتزايد معها معاناة اليمنيين من التكاليف الباهظة وصعوبة الحصول على التيار الذي أصبح بعيد المنال عن الفقراء ومحدودي الدخل.
ويعيش الفقراء ومحدودو الدخل أوضاعاً صعبة. ويعتمد نحو 80% من سكان البلد البالغ عددهم 30 مليون نسمة على المساعدات من أجل البقاء على قيد الحياة، فيما تقول الأمم المتحدة إن اليمن يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
وفي مقابل انزلاق ملايين الأسر إلى الفقر، وسعت الأطراف المتصارعة، مواردها المالية من خلال قطاعات وقنوات لجني الأموال عن طريق الجبايات والرسوم المختلفة وزيادات أسعار الخدمات والسلع.